الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إليها وهي جيش الانكشارية فهناك الخراب بلفظه ومعناه. فإن هذا الجيش الذي قدم للدولة لأول أمره خدمات جلى وفتحت به الفتوحات عاد فمحق باختلاله واعتدائه على الرعايا كل حسنة سلفت له.
ولئن خلف السلطان سليماً ابنه السلطان سليمان القانوني وهو العاشر من ملوك آل عثمان سنة 926 وكان على جانب من العقل وحب القانون، إلا أن الشام أصبحت في أيامه الطويلة التي دامت 48 سنة في معزل لأن السلطان مشغول بفتوحاته حارب اثنتي عشرة مرة وخرج في أكثرها ظافراً، فلا يهمه كأكثر أجداده وأحفاده من كل ما يفتح إلا أن تضرب السكة وتقام الخطبة باسمه وتجبى الجبايات ولا يتأخر الولاة عن إنفاذها إلى دار الملك، فكانت الشام جزءاً صغيراً بالنسبة لضخامة ملكه، فلم ينلها منه شيء من العدل والإشراف ينسيها ما لاقته في القرن السالف من التقلقل والانحلال.
وكان السلطان سليمان بطاشا كأبيه ولكن لم يشتهر شهرته، هاج مرة أهل حلب في أوائل حكمه وقتلوا في الجامع القاضي والمفتي فصدرت إرادته السنية بقتل جميع أهل حلب لولا أن كان في الصدارة إذ ذاك رجل عاقل اسمه إبراهيم باشا، فألغى هذا الأمر البربري واكتفى بقتل زعماء الثورة. وإبراهيم باشا كان على جانب من الأخلاق الحسنة والذكاء تولى الصدارة من سنة 929 - 942 أي 17 سنة وقام بإصلاحات مهمة ثم قتله السلطان وندم على قتله، ولا عجب إذا استسهل سليمان القتل فقد قتل ابنه الأكبر مصطفى وحفيده وابنه بايزيد وأولاده الخمسة على أفظع صورة.
كوائن داخلية وأمراء المقاطعات:
ومن الأحداث في الشام بعد فتنة الغزالي ما وقع في سنة 927 من ثورة جماعة من عربان دمشق على النائب اياس باشا، خرج إليهم فانكسر وجرح ورد إلى دمشق وهو مكسور وقتل من عساكر دمشق كثير ومن عربان نابلس أيضاً، وكانت فتنة بدمشق. وفي سنة 928 كان مقتل حسن وحسين أولاد الأمير عساف في بيروت، وذلك لما كان من الاختلاف بينهما وبين أخيهما الأمير قائد بيه على الحكم فتوسط بينهما حتى طلبا الصلح ونزلا على أخيهما قائد بيه
فغدر بهما وقتلهما فحكم قائد بيه جبل كسروان حتى مات سنة 930 وخلفه الأمير منصور ابن أخي الأمير حسن وامتد حكمه إلى عكار. وكانت طرابلس بيد النواب يستأجرها محمد أغا شعيب من أهل عرقة ويستأجر الأمير منصور جبيل والبترون وجبة بشرة والكورة والزاوية والضنية. وفي سنة 930 جهز والي دمشق خرم باشا حملة لقتال الدروز في الشوف فانتصر عليهم وأحرق قرية الباروك وثلاثاً وأربعين قرية، وأرسل إلى دمشق أربعة أحمال من رؤوسهم فعلقت على القلعة ورجع ومعه مجلدات من كتب الدروز، ثم أرسل أربعة أحمال من رؤوسهم وأحرق نحو ثلاثين قرية ونهب قرية البرج وسبى نحو 360 من النساء والأطفال وغنم ما لا يحصى من البقر والجمال والغنم وغير ذلك.
وفي سنة 935 وقع قتال بين أولاد شعيب وأولاد سيفا أمير التركمان وقتل علي الشعيبي في عرقة وتولى أولاد سيفا عكار، ثم قتلوا محمد آغا شعيب حاكم طرابلس قدام القاضي فأعطاهم القاضي فتوى بأنهم أبرياء من دمه وأنه هو ألزمهم بذلك. وفي سنة 940 وقعت فتنة أهلية في العاقورة وجبة المنيطرة في لبنان نشأت من خصام بين مالك اليمني وهاشم العجمي من مشايخ العاقورة، وكثرت الدسائس بين بني الحرفوش أمراء بعلبك وآل سيفا حكام طرابلس، وأخذ
أبناء العم يقتلون أولاد عمهم للاستئثار بالإمارة، وخربت بعض تلك الديار ومن القرى ما نزح سكانه عنه. قال الشهابي: وكبر قدر بني حبيش عند ابن سيفا وصاروا متصرفين في تدبير حكمه وبقيت العاقورة خراباً سبع سنين لم يقطن فيها أحد. ثم إن القيسية سكنوا في طرابلس واستحصل اليمنية أمراً من نائب دمشق ورجعوا فبنوا العاقورة ثانية وفي سنة 951 توفي الأمير فخر الدين بن عثمان بن معن الذي حكم من حدود يافا إلى طرابلس وبني بنايات وقلاعاً عظيمة واستراح الناس في حكمه وأطاعته العرب وخلفه ولده الأمير قرقماز، وبعد وفاة فخر الدين امتد حكم الأمير منصور بن عساف من نهر الكلب ببيروت إلى حدود حمص وحماة وقوي بماله ورجاله.