الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغوري في أنحاء الشام، فوثب الناس بعضهم على بعض ونهبوا الزروع وأخذوا الأموال، واضطربت العمال أيما اضطراب، ونهبت حارة السمرة بدمشق وقتلوا جماعة وأخذوا أموالهم، وكذلك فعلوا بتجار الفرنج ونهبوا أموالهم، وكانت فتنة هائلة ونهبوا بيوت أعيان دمشق من القضاة والتجار، فخرج غالب الصدور منها بسبب ذلك وبسبب فتنة ابن عثمان وفساد الأحوال بمصر والشام وتوجه أمراء الغوري وعسكره المهزوم إلى حلب، فوثب عليهم أهل حلب قاطبة، وقتلوا جماعة من العسكر ونهبوا سلاحهم وخيولهم وأثقالهم، ووضعوا أيديهم على ودائعهم التي كانت بحلب، وجرى عليهم من أهل حلب ما لم يجر عليهم من عسكر ابن عثمان كما قال ابن إياس. وكان بين أهل حلب والمماليك السلطانية إحنٌ منذ توجهوا قبل خروج السلطان من القاهرة إلى حلب فنزلوا في بيوت أهلها واغتصبوا نساءهم وأولادهم، وآذوا الحلبيين كل الإيذاء، فما صدق أهل حلب أن وقعت لهم هذه الكسرة حتى يأخذوا بثأرهم.
وعلى الجملة فإن ما نال السكان أواخر حكم المماليك مما عجل بالقضاء على الدولة المالكة وفتح القلوب للسلطان سليم الأول، وخدمه كثير من أهل الشأن قبل مجيئه فكانوا يوافونه بالأخبار تترى عن مقاتل الغوري ومواطن الضعف من دولته، وقد بدءوا يتجسسون للعثمانيين منذ أواخر القرن الماضي فكان ذلك من العوامل القوية في الفتّ في عضد الجيش الشركسي وإمالة القوة إلى الجيش التركي ففتحت الشام في وقعة واحدة ولم يبك على دولة المماليك إلا من كانوا باسمها يتمتعون بالخيرات وينالون مظاهرها ويسلبون نعمة الأمة.
دخول السلطان سليم حلب ودمشق:
وافى السلطان سليم مدينة حلب فاستقبله أهلها بالمصاحف والأعلام يجهرون بالتسبيح والتكبير ويقرءون (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) وطلبوا منه الأمان فأمنهم وأنعم عليهم ثم أخذ يجمع مالاً من التجار سماه مال الأمان ورأى خلفاء أرباب الطرق الصوفية فسأل عنهم وهم يحملون أعلامهم ويرحلون إلى دمشق وأشار عليه خير بك بأن يقتلهم وكانوا نحو ألف نفس، واستسلم
نائب قلعة حلب فأرسل السلطان إليه شخصاً من جماعته أعور أعرج وفي يده دبوس خشب ليقول بلسان الحال إنه أخذ حلب بأضعف جنده. وطلع السلطان سليم إلى القلعة فرأى فيها ما أدهشه من مال وسلاح وتحف وكان بها على رواية ابن إياس نحو مائة ألف ألف دينار وثمانمائة ألف دينار. وقال مؤرخو الترك: إنه كان فيها مليون دوكا. ورأى السلطان سليم من أنواع الأسلحة والزينة ما جمعه الغوري من وجوه الظلم والجور والتحف التي أخرجها من الخزائن من ذخائر الملوك السالفين من عهد ملوك الترك حكام مصر والشام الأيوبيين وذلك عدا ما كان في بيوت الأمراء وغيرهم من رجال الدولة. ووجه ابن عثمان الجيش إلى مرعش ففتحها وملك معها ثلاث عشرة قلعة من مملكة الغوري وأحرز ما فيها من مال وسلاح.
وذكروا أن العثمانيين عثروا في خيمة الغوري في مرج دابق على مائتي قنطار من الفضة ومائة قنطار من الذهب وفي رواية أن هذه الخزينة كان فيها ما قيمته مليون ليرة وقيل: إنه وجد في قلعة حلب ثلاثمائة ألف ثوب كامل.
وأقام السلطان العثماني في حلب ثمانية عشر يوماً وبايعه أهلها بحضور واليها خير بك، وتوجه إليه أمير المؤمنين المتوكل على الله العباسي، وكان جاء مع الغوري من مصر ومعه القضاة الثلاثة فأجلس السلطان الخليفة وجلس بين يديه وخلع عليه وأنعم عليه بمال ورده إلى حلب، ووكل به أن لا يهرب أي إنه أسره بأسلوب لطيف، وصلى الجمعة في الجامع الكبير فأطلق الخطيب على السلطان العثماني لقب خادم الحرمين الشريفين فكان ذلك كما قال راسم فأل خير بأن السلطان سليماً سيكون صاحب دولة إسلامية كبرى. قال: وكان خيره باي خير بك أحد أمراء الغوري استأمن السلطان العثماني لما تقهقر جيش مصر فأنقذ نفسه. وولى السلطان على حلب قراجا باشا. وسار في جيشه إلى حماة وحمص ففتحت له أبوابهما، وبايعه أهلهما على الطاعة كما بايعه أهل طرابلس والقدس. وجاء السلطان دمشق فاستقبله أهلها ورضوا به ملكاً عليهم، فكأنه بدخوله دمشق عاج ببعض بلاده القديمة. قال ابن طولون: وفي يوم الخميس الثامن والعشرين شعبان 922 وصل متسلم ملك الروم الأتراك إلى القابون الفوقاني واسمه مصلح ميزان، ثم وجه من يكشفون له هل يسلم أهل دمشق أم يقاتلون،