الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعجل بن نعير ليلاً فأنجده شيخ وكتب دمرداش إلى الناصر يستنجده ويحثه على المجيء إلى الشام وإلا خرجت عنه كلها فإنه لم يبق بيده منها إلا غزة وصفد وحماة وكل من بها من جهته في أسوأ حال.
قال ابن حجر في حوادث سنة 813: إنه وصل الفرنج الذين استأذنوا الناصر في العام الماضي لما دخل القدس أن يجددوا عمارة بيت لحم فوصلوا إلى يافا ومعهم عَجَل وصناع أخشاب فأخرجوا المرسوم فاستدعوا الصناع للعمل بالأجرة فأتاهم عدة وشرعوا في إزاحة ما بطرقهم من الأدغال ووسعوا الطريق بحيث تسع عشرة أفراس ولم تكن تسع غير فارس وأحضروا معهم دهناً إذا وضعوه على الصخر سهل قطعها، فلما رجع الناصر إلى دمشق عرفه نصحاؤه بسوء القالة في ذلك فكتب إلى أرغون كاشف الرملة بمنعهم من ذلك والقبض عليهم وعلى من معهم من الصناع والآلات والسلاح والجمال والدهن فختم على مخازنهم وحملهم ومعهم ما رسم به الناصر.
وفي سنة 814 ارتفع الطاعون عن دمشق وما حولها وأحصي من مات من أهل دمشق خاصة فكانوا نحواً من خمسين ألفاً وخلت عدة من القرى وبقيت الزروع قائمة لا تجد من يحصدها.
الملك السكير وقتله:
وبقي أمر الشام متقلقلاً لأن ملك مصر على هذه الصورة من السخافة والضعف وهو شارب الليل والنهار تصدر الأعمال عنه مختلة كلها، فقطع شيخ المحمودي ونوروز الحافظي اسم الناصر من الخطبة بدمشق وأعمالها، ونفرت قلوب المماليك من الناصر وصار منهم جماعة 814 يتسحبون تحت الليل ويتوجهون إلى نوروز الحافظي وشيخ المحمودي، يأتون الشام من العقبة إلى غزة فتسحب
من العسكر نحو الثلث، فقويت شوكة الحافظي والمحمودي والتف عليهما سائر النواب في الشام وغالب عسكر مصر وكثير من العشير وعربان نابلس، واجتمع عندهما من الأمراء ما يزيد على أربعة وعشرين أميراً. ولما تحقق الناصر ذلك جرد عليهم جيشاً فكانوا يتوجهون في كل يوم من بلد إلى بلد والناصر خلفهم ليلاً ونهاراً فأتعب العسكر وانقطع
منهم جماعة من شدة السوق والتعب. ووصل الناصر إلى اللجون 815 فتلاقى والنواب بعد العصر وكان الناصر قد اصطبح وهو لا يعي من شدة السكر فأراد الكبس على النواب في تلك الساعة فمنعه الأمراء فأبى، فلما رأوا ذلك تسحبوا من عنده مع عسكره فلم يبق معه إلا القليل من العسكر فكبس على النواب فانكسر الناصر وهرب بمن بقي معه من العسكر إلى نحو دمشق، واستولى شيخ ونوروز على أثقاله وخزائن المال وانتصرا عليه.
فلما دخل شيخ ونوروز إلى دمشق طلعا إلى دار السعادة واجتمع هناك الأمراء وأحضروا القضاة الأربعة ورسموا بأن يكتبوا محضراً بأفعال الناصر بأنه سفاك للدماء مدمن للخمر فكتبوا محضراً بذلك وشهد فيه جماعة كثيرة من أعيان الناس، ثم خلعوا الناصر من السلطنة واشتوروا فيمن يولونه فقال نوروز لشيخ: لا أنا ولا أنت نتسلطن. ولكن اجعلوا الخليفة العباسي هذا هو السلطان، ويكون الأمير شيخ أتابك العساكر ومدبر المملكة في مصر، ويكون الأمير نوروز نائب الشام ويحكم في الديار الشامية من غزة إلى الفرات، يولي من يختار ويعزل من يختار، فتراضوا على هذا وحلف جميع الأمراء وتعاهد شيخ ونوروز ثم سلطنوا الخليفة واستمر نوروز الحافظي نائب الشام.
وأما ما كان من أمر الناصر فرج بعد الكسرة التي وقعت له على اللجون فإنه ولى منهزماً إلى نحو دمشق، وأرسل إلى شيخ يطلب منه الأمان، وكان نوروز صهر الناصر زوج أخته، فلو طلب منه الأمان أولاً لما أصابه شيء ولكن قصد شيخاً
فأرسل إليه من قيده وأحضره إلى السجن بقلعة دمشق، ثم إنهم أثبتوا عليه الكفر كما قيل ودخل عليه بعد أيام جماعة من الفداوية وقتلوه بالخناجر وهو بالبرج بقلعة دمشق، وألقوه على مزبلة خارج البلد وهو عريان مكشوف الرأس، ليس عليه غير اللباس في وسطه، وصار الناس يأتون إليه أفواجاً ينظرون إليه، ولو أمكن مماليك أبيه أن يحرقوه لفعلوا به ذلك مما قاسوه منه فأقام على ذلك ثلاثة أيام ثم دفنوه وكانت الدنيا على أيامه حائلة وحقوق الناس ضائعة، وقد خرب غالب البلاد الشامية في أيامه من تيمورلنك ومن عصيان النواب وخربت أوقاف الناس في الشام، وكم قتل من أبطال ويُتم من أطفال، وجرت في أيامه أمور شتى يطول شرحها قال المقريزي: