الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في ضيق صدر من كسرة أصحابه وتمزقهم لبعد المسافة وتخطف أهل الحصون لهم. قال شرف الدين الوحيد في انتصار التتر مرة وكسرتهم تارة أُخرى.
وجاءت ملوك المغل كالرمل كثرة
…
وقد ملكت سهل البسيطة والوعرا
فأنصفت الأيام في الحكم بيننا
…
فكانت له الأولى وكانت لنا الأخرى
وقال شمس الدين السيطي:
يا مرج صفر بيضت الوجوه كما
…
فعلت من قبل والإسلام يؤتنف
أزهر روضك أزهى عند نفحته
…
أم يانعات رؤوس فيك تقتطف
غدران أرضك قد أضحت لواردها
…
ممزوجة بمياه الغل تغترف
دارت عليهم من الشجعان دائرة
…
فما نجا سالم منهم وقد زحفوا
ونكسوا منهم الأعلام فانهزموا
…
ونكصوهم على الأعلام فانقصفوا
ففي جماجمهم بيض الظبا زبر
…
وفي كلاكلهم سمر القنا قصف
فروا من السيف ملعونين حيث سروا
…
وقتلوا في البراري حيثما ثقفوا
فما استقام لهم في أعوج نهج
…
ولا أجارهم من مانع كنف
غزوة الأرمن والكسروانيين وتزعزع السلطنة:
ولما ارتاح ذهن صاحب مصر والشام من التتر عاد فجرد عسكراً من مصر وحماة وحلب 703 ودخلوا سيس وحاصروا تل حمدون وفتحوها بالأمان وارتجعوها من الأرمن وهدموها إلى الأرض. ووقع الاتفاق مع صاحب سيس على أن يكون للمسلمين من نهر جيحان إلى حلب وللأرمن حد النهروان. وكان من نتائج معاونة التنوخيين في غرب لبنان لجيش دمشق على قتال الكسروانيين أن تأصلت العداوة بين الفريقين حتى إذا كانت سنة 704 أرسل أقوش الأفرم نائب دمشق إلى الجبليين والكسروانيين الشريف زين الدين عدنان، يأمرهم أن يصلحوا شؤونهم مع التنوخية ويدخلوا في طاعتهم، ثم أرسل إليهم الأمام ابن تيمية في صحبة بهاء الدين قراقوش فلم يحصل اتفاق، فأفتى العلماء حينئذ بنهب ديارهم بسبب استمرارهم على العصيان وإبائهم الدخول في الطاعة، وفي الدر المنظوم أن أقوش فتح كسروان من جهتها الشمالية ولذلك دعيت فتوحاً وقال آخر: إن الأفرم جمع رجال الدروز 706
وكانوا عشرة أمراء بعشرة آلاف مقاتل والتقت الجموع عند عين صوفر وجرى بينهم قتال عظيم وكانت الدائرة على الأمراء فهربوا بحرمهم وأولادهم وأموالهم ونحو ثلاثمائة نفس من رجالهم واجتمعوا في الغار غربي كسروان المعروف بغار تيبية فوق أنطلياس فدافعوا عن أنفسهم، ولم يقدر الجيش أن ينال منهم. ثم بذلوا لهم الأمان فلم يخرجوا فأمر نائب دمشق أن يبنوا على الغار سداً من الحجر والكلس وهالوا عليه تلاً من التراب وجعلوا قطلوبك حارساً عليهم مدة أربعين يوماً حتى هلكوا داخل الغار، ثم أحاط العسكر بتلك الجبال ووطئوا أرضاً لم يكن أهلها يظنون أن أحداً من خلق الله يصل إليها، فخربوا القرى وقطعوا الكروم وهدموا البيع وقتلوا وأسروا جميع من صادفوا من الدروز والكسروانيين وغيرهم فذلت تلك الجبال المنيعة بعد عزتها.
ويقول مؤرخو لبنان: إن الأفرم في هذه الحملة كان في خمسين ألف فارس
وراجل. ويقول أبو الفداء وابن الوردي: إن هذه الحملة 705 كانت على بلاد الظنينين غيرهم من المارقين عن الطاعة وكانوا يتخطفون المسلمين ويبيعونهم من أعدائهم ويقطعون الطرق. وفي تاريخ بيروت أن سيف الدين أسندمر نائب طرابلس كان نسب إلى مباطنة الكسروانيين فأفحش فيهم القتل لينفي عنه هذه التهمة اللاحقة به وأن الكسروانيين بادوا وتشتتوا وأقطع هذا النائب بعضهم أملاكاً من حلقة طرابلس وجازى بعضهم بالرواتب.
وفي سنة 705 أرسل نائب السلطنة بحلب مع طشتمر مملوكه في عسكر حلب للإغارة على سيس أيضاً، وكان ضعيف العقل قليل التدبير، ففرط في حفظ العسكر ولم يكشف أخبار العدو واستهان بهم، فجمع صاحب سيس جموعاً كثيرة من التتر وانضمت إليهم الأرمن والفرنج ووصلوا على غرة إلى طشتمر فالتقوا بالقرب من أياس فلم يكن للحلبيين قدرة بمن جاءهم فتولوا يبتدرون الطريق. وتمكنت التتر والأرمن منهم فقتلوا وأسروا غالبهم واختفى من سلم في تلك الجبال.
ولم يحدث بعد ذلك من الكوائن المهمة شيء يستحق التدوين حتى سنة 708 وقد خرج الناصر محمد بن قلاوون من مصر يظهر التوجه إلى الحجاز، فلما وصل إلى الكرك أمر الأمراء الذين حضروا في خدمته بالمسير إلى الديار المصرية وأعلمهم أنه جعل السفر إلى الحجاز وسيلة إلى المقام بالكرك. وكان سبب ذلك استيلاء سلار وبيبرس الجاشنكير على المملكة واستبدادهما بالأمور، وتجاوزا الحد في الانفراد بالأموال والأمر والنهي، ولم يتركا له غير الاسم فاشتور الأمراء فيما بينهم واتفقوا على أن تكون السلطنة لبيبرس الجاشنكير، فجلس على سرير السلطنة على أن يكون سلار مستمراً على نيابتها.
وفي السنة التالية سار جماعة من المماليك على حمية من الديار المصرية مفارقين طاعة بيبرس الجاشنكير الملقب بالملك المظفر، ووصلوا إلى السلطان بالكرك
وأعلموه بما الناس عليه من طاعته ومحبته، فأعاد السلطان خطبته بالكرك ووصلت إليه مكاتبات عسكر دمشق يستدعونه وأنهم باقون على طاعته، وكذلك وصلت إليه المكاتبات من حلب ثم جاء من الكرك إلى حمان، وعاد فرجع إلى الكرك واستمرت العساكر على طاعته وانحلت دولة بيبرس الجاشنكير وجاهره الناس بالخلاف بعد أن ساعفته الأيام، ولم يهم أنه ستخونه الأقدار، ولا تظنى أن ما بناه على شفا جرف هار.
ولما تحقق الملك الناصر صدق العساكر الشامية وبقاءهم على طاعته وولائه عاود المسير إلى دمشق فسار إلى البرج الأبيض من أعمال البلقاء، فأطاعه جند دمشق وجند حماة والساحل، وطلب نائب السلطنة الأفرم الأمان فأمنه، ولما تكاملت العساكر الشامية عند السلطان بدمشق سار إلى مصر وبلغ بيبرس الجاشنكير ونائبه ذلك فجردا عسكراً ضخماً أقاموا في الصالحية بطريق مصر. ولما وصل السلطان إلى غزة قدم إلى طاعته عسكر مصر أولاً فأولاً ثم تتابعت الأطلاب والكتائب، وبويع له بالسلطنة للمرة الثالثة، ولما تحقق بيبرس الجاشنكير ذلك خلع نفسه من السلطنة وطلب الأمان وأعطاه السلطان صهيون ومئة مملوك ثم قبض عليه وقتل، وكذلك فعل بسلار. وأكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع.
وفي سنة 709 وقعت فتنة في حوران بين اليمنية والقيسية وحشدوا وبلغت