الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكسروه واستلبوا منه سيفاً يقال له سيف الخلافة وصحفاً وأثاثاً كثيرة. فوصلت الأخبار إلى القاهرة فسكن الحال بعد أن كان أمر السلطان بتجريد العساكر لما بلغه هزيمة دمرداش وأرسل بريدياً إلى الشام بالتجهيز إلى حلب.
تيمورلنك على أبواب حلب:
وصل تيمورلنك بعد فتح عينتاب إلى الباب وبزاعا بالقرب من حلب وأرسل إلى نائب حلب قاصداً ومعه المكاتبات من تيمورلنك فيها عبارة خشنة لنائب حلب. وذكر ابن حجر أن كتاب تيمورلنك إلى نائب حلب جاء فيه: إنا وصلنا في العام الماضي إلى البلاد الحلبية لأخذ القصاص ممن قتل رسلنا بالرحبة ثم بلغنا موته يعني الظاهر، وبلغنا أمر الهند وما هم عليه من الفساد فتوجهنا إليهم فأظفرنا الله تعالى بهم، ثم رجعنا إلى الكرج فأظفرنا الله بهم، ثم بلغنا قلة أدب هذا الصبي ابن عثمان فأردنا عرك أذنه فشغلنا بسيواس وغيرها من بلاده ما بلغكم، ونحن نرسل
الكتب إلى مصر فلا يعود جوابها فنعلمهم أن يرسلوا قريبنا أطلمش وإن لم يفعلوا فدماء المسلمين في أعناقهم والسلام.
حنق نائب حلب وأمر بضرب أعناق قصاد تيمورلنك، فاضطربت عند ذلك أحوال مدينة حلب وحصنوا سورها بالمدافع والمكاحل والمقاتلين، وقد ارتكب نائب حلب خطأ فاحشاً بقتل الرسول، ظاناً وجماعته من الحلبيين أن لهم قوة تقاوم قوة تيمورلنك. قال بعض المؤرخين: لما كان أهل حلب وصاحبها يتشاورون في دفع عادية تيمور عنهم قال نائب طرابلس: إننا نطير إلى الآفاق أجنحة البطائق إلى الأعراب والأكراد والتراكمة فيتسلطون عليه من الجوانب. وفي ذلك دليل آخر على جهل أمراء الشام بقوة تيمورلنك وعجزهم عن كشف أخبار جيوشه وتقدير مبلغ قوته. وذكر بعض المؤرخين أن عسكر تيمورلنك كان لما أسر سلطان العثمانيين أربعمائة ألف فارس وستمائة ألف راجل وقيل: إن ديوان تيمور اشتمل على ثماني مائة ألف مقاتل.
لما بلغ تيمورلنك ما فعله الحلبيون بقصاده زحف إلى قرية حيلان وأحاط بمدينة حلب ونهب ما حولها من الضياع فخرج عساكر حلب وسائر النواب
بعساكرهم، وخرج لقتال تيمور حتى النساء والصبيان من أهل حلب، وأوقعوا مع تيمور فكان بينهم ساعة تشيب منها النواصي، وقد دهمتهم عساكر تيمور كأمواج البحر المتلاطمة، فلم تثبت معهم عساكر حلب وولوا على أعقابهم مدبرين إلى المدينة، وقد داست حوافر الخيل أجساد العامة، وكان احتمى بالمزارات والمساجد الجم الغفير من النساء والأطفال، فدخل التتر إليهم وأسروهم وقرنوهم بالحبال وأسرفوا في قتل النساء والرجال، وصارت الأبكار تفتض في المساجد وآباؤهن يشاهدونهن، ولم يرعوا حرمة الجوامع وأصبحت كالمجزرة من القتلى واستمر ذلك أربعة أيام.
وفي كنوز الذهب أن جيش تيمورلنك لما دخل إلى حلب نهب وأحرق وسبى وقتل وصاروا يأخذون المرأة ومعها ولدها الصغير على يدها فيلقونه من يدها ويفعلون بها ما لا يليق ذكره، فلجأ النساء عند ذلك إلى جامعها ظناً منهن أن هذا يقيهن من أيدي الكفرة وصارت المرأة تطلي وجهها بطين أو بشيء حتى لا ترى بشرتها من حسنها، فيأتي عدو الله إليها ويغسل وجهها ويجامعها في الجامع. قال: وحكى بعض من حضر الوقائع بأن تيمور عرض الأسرى من ديار الشام ونواحيها فكانوا ثلاثمائة ألف أسير وستين ألف أسير.
رأى دمرداش نائب حلب عين الغلب فنزل من القلعة هو وبقية النواب، وأخذوا في رقابهم مناديل وتوجهوا إلى تيمورلنك يطلبون منه الأدمان؛ فلما مثلوا بين يديه خلع عليهم أقبية مخمل أحمر وألبسهم تيجاناً مذهبة، وقال لهم: أنتم صرتم نوابي، ثم أرسل معهم جماعة من أمراته يتسلمون القعلة، وكان فيها من الأموال والذخائر والحلي والسلاح ما تعجب الفاتح من كثرته، حتى أخبر بعض أخصائه أنه قال: ما كنت أظن أن في الدنيا قلعة فيها هذه الذخائر، فاستنزلوا ما كان بها وهم في قيود وغدر بهم بعد أن أمنهم، وأخذ جميع ما كان فيها من الأموال والمتاع ثم خرب القلعة وأحرق المدينة. واستمر مقيماً على حلب نحو شهر، وعسكره ينهبون القرى التي حول المدينة ويقطعون الأشجار التي بها ويهدمون البيوت، وقد أسرفوا في القتل ونهب الأموال، وصارت الأرجل لا تطأ إلا على جثة إنسان لكثرة القتلى، حتى قيل: إنه بنى من رؤوس القتلى عشرة مآذن، دور كل مئذنة نحو عشرين ذراعاً، وصعودها