الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عملاً يذكر اللهم إلا ما كان من تبديل وزرائه والإفراط في هذا التبديل، وكان يميل إلى الطرب والصفا ويعمر الأبنية في العاصمة وأسس بعض دور الكتب وفي خلال ذلك تولى دمشق وإمارة الحاج حسين باشا مكي ولم يكن شرهاً في جمع المال ويميل إلى العدل وحسن الرياسة غير أنه كما قال المرادي: كان بطيء
الحركة عن شهامة الوزراء، فيسبب ذلك حصل من الجند الوطني والقبوقول الحرس وغيرهما من طوائف الأكراد والعسكر فتن وحروب وحصل للأعيان والرؤساء الضيق العظيم وقامت عليهم الناس.
وفي سنة 1172 هلك السلطان عثمان بعد أن ملك ثلاث سنين وثمانية أشهر وخلفه مصطفى الثالث فافتتح بالإعلان بتبديل السياسة ولكن كان عهده كما قال مؤرخوا الفرنج عهد انهيار المملكة الانهيار التام وسيادة الاشمئزاز على الناس، ووضع ثقته في وزيره رجب باشا فأحسن وكان رجب ذكياً ومخلصاً. وفي سنة 1174 كان والياً على دمشق عثمان باشا الكرجي وكان يلقب بالصادق، وسبب هذا اللقب أنه كان من بعض مماليك أسعد باشا العظم وهذا يحبه لنباهته، ولما قتل أسعد باشا وضبطت الدولة داره وأمواله طلبوا عثمان هذا فأخبرهم بخزائن مولاه، ثم وجدت قائمة بين تلك الأموال فكانت مطابقة لكلامه فأنعمت عليه الدولة ولقبته بالصادق، وتولى ولاية دمشق إحدى عشرة سنة 1174 - 1185 ومما وقع في أيامه ركوبه لحرب محمد الجرّار إلى قلعة صانور، أرسل إلى الأمير يوسف فبعث بعسكره والتقى به عثمان باشا فعظم أمره عنده وأكرمه، وأصلح الأمير إسماعيل الشهابي حاكم حاصبيا قلعة بانياس وبنى ما كان قد هدم منها من زمان ابن معن وأقام بها فحاصره عثمان باشا الصادق مدة وجيزة ثم سلمه القلعة ونهب عثمان باشا كل ما كان فيها وأمر بهدمها.
سيرة ظاهرة العمر الزيداني وسياسته:
استراحت الدولة من ناحية الشام لوجود والٍ مخلص لها في دمشق عثمان باشا الكرجي الصادق، فتركته وشأنه يعمل باسمها ويقاتل أعداءها، فطالت ولايته على حين تقلبت حلب في مدة حكمه على دمشق إحدى عشرة سنة في أيدي
عشرة ولاية. وكانت الشام تتمخض في خلال ذلك بظهور رجلين في العقدين الأخيرين
من هذا القرن كما تمخضت أواخر النصف الأول منه بظهور آل العظم، ونعني بهذين الرجلين الشيخ ظاهر العمر الزيداني وأحمد باشا الجزار. وقد اهتمت لعظم شوكتها الأمة والدولة، جاء الثاني على أثر الأول فبزه ظلماً وعدواناً. ولم يكن قيام أمر الرجل في ذاك العهد يتوقف على نباهة فيه وعلم وسياسة، بل غاية ما يحتاجه شيء من المعرفة بطبائع من يقوم فيهم، وتلطف باستمالة قلوب أفراد يعوّل عليهم، ورأس مال قليل يؤديه ثمن إقطاع أو نفقة الظهور، ومهارة في البطشة الكبرى الأولى ودهاء وحيلة، وعندها يزيد كل يوم قوة، ولا تلبث الدولة أن ترعاه، والأهلون أن يتفيأوا ظله وحماه.
في أواسط القرن الحادي عشر جاء إلى جهات فلسطين الشمالية من الحجاز رجل يدعى زيدان وله ولد اسمه عمر ولعمر ولدان اسمهما ظاهر وسعد. ظعنوا عن ديارهم لخصومة وقعت بينهم وبين عدو أقوى منهم مراساً، فجاءوا وضربوا خيمتهم في الأطراف الشمالية من سهل البطوف في أرض يقال لها مسلخيت من عمل نابلس. ولما كانت قرية عرابة أقرب القرى إليهم جاء وجهاء القرية وزاروهم وحيوهم وسألوهم أن يأتوا إلى قريتهم يضربون خيامهم في أرضها لأنهم كانوا على أربعة أميال منها. وكان في قرية سلاّمة المعروفة اليوم بخربة سلامة الواقعة على منحدر الوادي المسمى بهذا الاسم شيخ درزي قوي الجانب برجاله الأشداء باسط أجنحة نفوذه على ما جاوره. مر بعرابة ذات يوم ووقع نظره على فتاة أعجبه حسنها وطمع فيها لنفسه. ونزل بيت أحد وجهاء القرية ودعا إليه الزعماء وطلب منهم الفتاة، فشق على سكان عرابة ذلك خصوصاً وهو درزي وهم سنة. وارتبك أهل القرية فسألهم زيدان عن السبب فذكروا له ما وقع فقال لهم: الخطب سهل على أن تعاهدوني أن تعملوا ما أسألكم إياه ولا تبوحوا به فقال: أجيبوا الدرزي إلى ما طلب وعينوا له وقتاً يوافيكم فيه لأخذ العروس، وإذا جاء
مع جماعته رحبوا به فإذا استقر بهم المقام خذوا أسلحتهم ثم اتركوهم يهزجون ويرقصون إلى حين الرقاد، وكل واحد منكم يأخذ واحداً إلى داره ليؤويه ولما رقد الجميع هبَّ زيدان وأفنى جماعة الدروز، ثم أغار هو وجماعته على سلامة مع سكان
عرابة فبطشوا بمن بقي فيها وخربوها فعظم قدر زيدان وانضم إليه أُناس ممن يحبون الغزو والشقاوة، وألف منهم جيشاً يغزو بهم، فينزل بأرباب العمل الويل والخراب. ثم قتل زيدان بعض رجال المقادحة وكان منهم حاكما طبرية والناصرة، فأضحى المقادحة بلا زعماء فاحتل أهل عرابة نمرين وغيرها. ورزق ظاهر ستة أولاد ذكور وكفله سكان عرابة لدى والي صيدا فالتزم الجباية، وكان بعض السنين يتلكأ عن أداء ما تعهد به وأحياناً يؤدي للدولة حقها، حتى نمت ثروته وأقام في عكا فجعل أخاه سعداً في دير حنا، وأولاده علي في صفد، وعثمان في شفا عمرو، وسعيد في الناصرة وجهات مرج ابن عامر، وصليبي في طبرية، وأحمد في تبنة وجبل عجلون.
كانت جبال بيروت وأعمالها بيد حكامها الأمراء الشهابيين يدفعون الأموال لوالي صيدا المعين من قبل الدولة، وكانت صور وعملها بيد المتاولة يضمنون أموالها من والي صيدا، وأما جبال عكا وما إليها فكانت بيد مشايخها ومن جملتهم بيت أبي زيدان كانوا يضمنونها من والي صيدا أيضاً، فما زال الأمر كذلك حتى ظهر الشيخ ظاهر العمر فصادق مشايخ المتاولة وتزوج نساء كثيرات فتكاثر بنوه وأقرباؤه حتى بلغوا مقدار خمسمائة نفس، وعمروا قلعة طبرية وقلعة صفد وغيرهما وبدءوا يسطون على عكا وصور، وأظهروا الشقاوة وقطع الطرق فضجر منهم والي صيدا واضطر أن يضمن مدينة عكا إلى الشيخ ظاهر العمر ويضمن صور للمشايخ المتاولة، وابتدأ الشيخ ظاهر العمر يبني في عكا سرايا عظيمة وسوراً وأبراجاً ويجمع إليه العسكر وانتشرت أعلامه في تلك البقعة
وأطاعته مشايخ المتاولة ودخلت عرب البادية تحت حكمه وكان عادلاً في الرعية وسار معهم سيرة مرضية وساعدته المتاولة في أطراف لبنان فخافه السلطان وأوهمه أنه يجعله نائبه في القدس ويوليه عكا والناصرة وطبرية وصفد وسائر البلدان التي في تلك الأطراف وأنه أمير العرب فصدق وكف عن المحاربة. وذكر شوفيه وايزامبر: أن ظاهر العمر نشط الزراعة وقضى على غزو القبائل المجاورة له من العرب فوفق إلى توطيد الأمن في الأقاليم فكان المسيحيون والمسلمون يهرعون إلى نزول أرضه من جميع أطراف الشام لينعموا فيها بالراحة والتساهل الديني.
وقال واصفوه: إنه ما زال في ظهور حتى نشبت الحرب بين الدولة العثمانية والدولة الروسية فضعفت الدولة في الأقطار الشامية، فزاد ظاهر العمر قوة وعدا على والي صيدا وطرده منها وتملكها وأرسل لها حاكماً من عنده، واستمر يحارب الوزراء سبع سنين ولم يدفع مالاً للدولة، وله معهم وقائع انتصر فيها على عساكر الترك وعسكر الدروز والعربان. وفي هذه الأثناء صادق دولة روسيا بمشورة وكيله الخاص إبراهيم الصباغ من أهل عكا، وكان هذا صاحب عقل وتمييز إلا أنه يحب المال كثيراً، كما حالف الأمير فخر الدين المعني الثاني في القرن الماضي أمراء طسقانة.
واستمر الشيخ ظاهر حاكماً على عكا نحو أربعين سنة إلى سنة 1189. والسبب في وقوع الفتن بين الشيخ ظاهر العمر وولاة الأطراف أن عثمان باشا الصادق والي دمشق لما وليها سنة 1174 وكان شديد المكر كثير الدهاء، ولى أولاده الاثنين صيدا وطرابلس، فصار يظلم رعية الشيخ ظاهر العمر ويطلب المال للسلطان، فبدأت الحرب بينهما فانكسر عثمان باشا وخلت خزائنه فأخذ يلح على الأهالي في طلب المال، فضج الناس من ظلمه، وعصاه أهل الرملة وغزة ويافا
ولم يطيعوه إلا بعد حروب كثيرة، فوقعت البغضاء في قلوب إقليم القدس وتمنوا حكم علي بك صاحب مصر عليهم، وكان هذا قد قوي فأطاعته البلاد المصرية.
وحاول عثمان باشا سنة 1183 أن يغزو ظاهر العمر بالاتفاق مع أمراء جبل الشوف فأرسل ظاهر يستنجد بوالي مصر علي بك، وكان هذا عزم على رفع لواء العصيان على الدولة، وفي قلبه حقد على عثمان باشا، فهش لاقتراح الشيخ ظاهر لأنه كان يريد امتلاك الأمصار من عريش مصر إلى بغداد، وكان قد راسل الملكة كاترينا المسكوبية طالباً منها أن تمده بالمراكب والرجال وهو يملكهم المدن البحرية في الشام. ولما وصلت إليه رسالة الشيخ ظاهر جهز له ستة سناجق كبار ورأس عليهم إسماعيل بك وأصحبهم بعشرة آلاف من الغز والعربان والمغاربة وأمرهم أن يكونوا في طاعة الشيخ ظاهر العمر وساروا إلى أراضي المزيريب في حوران، وكانوا نحو عشرين ألفاً، لقتال عثمان باشا فعدل إسماعيل بك عن الغزاة لما لاقى من تمرد أولاد الظاهر وعشيرته، فشكا