الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
110 ـ بابُ ما يقولُه من أَيِسَ من حَياتِه
[1/ 377] روينا في كتاب الترمذي وسنن ابن ماجه، عن عائشة رضي الله عنها قالت:
رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت وعنده قدحٌ فيه ماء، وهو يُدْخِلُ يدَه في القدح ثم يمسحُ وجهَه بالماء، ثم يقولُ:"اللَّهُمَّ أعِنِّي على غَمَرَاتِ المَوْتِ وَسَكَرَاتِ المَوْتِ".
[3/ 378] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت:
سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو مستندٌ إليّ يقول: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي وَارْحَمْنِي وألحِقْني بالرَّفِيقِ الأعْلَى".
ويستحبّ أن يكثرَ من القرآن والأذكار، ويُكره له الجزع (1)، وسوء
[377] الترمذي (978)، وابن ماجه (1623)، والنسائي في "اليوم والليلة"(1093)، و"غمرات الموت": شدائده. و"سكرات الموت": جمع سَكْرة، وهي شدّته التي تُفقد الوعي.
فائدة: قال القرطبي "صاحب كتاب المفهم شرح صحيح مسلم": في تشديد الموت على الأنبياء فائدتان: إحداهما: تكميل فضائلهم ورفع درجاتهم وليس ذلك نقصًا ولا عذابًا، بل هو كما جاء "إن أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل".
والثانية: أن يعرف الخلقُ مقدار ألم الموت، فقد يطلع الإِنسان على بعض الموتى ولا يرى عليه حركة ولا قلقًا ويرى سهولة خروج روحه، فيظن الأمر سهلًا ولا يعرفُ ما الميتُ فيه، فلما ذكرَ الأنبياءُ الصادقون شدّة الموت مع كرامتهم على الله سبحانه، قطعَ الخلقُ بشدة الموت الذي يقاسيه الميت مطلقًا؛ لإِخبار الصادق عنه ما خلا الشهيد قتيل الكفّار على ما ثبت في الحديث. الفتوحات الربانية، لابن عَلَاّن 4/ 96.
[378]
البخاري (4440)، ومسلم (2444)، والموطأ 1/ 238ـ239، والترمذي (3490)، وهو في المسند 6/ 89.
(1)
في "د": "ويُكره الأنينُ والجزعُ
…
"
الخلق، والشتم، والمخاصمة، والمنازعة في غير الأمور الدينية، ويُستحبّ أن يكونَ شاكرًا لله تعالى بقلبه ولسانه، ويستحضر في ذهنه أن هذا آخرُ أوقاتِه من الدنيا فيجتهدُ على ختمها بخير، ويبادر إلى أداء الحقوق إلى أهلها، من ردّ المظالم والودائع والعواري، واستحلال أهله: من زوجته، ووالديه، وأولاده، وغلمانه، وجيرانه، وأصدقائه، وكل من كانت بينه وبينه معاملة أو مصاحبة، أو تعلّق في شيء. وينبغي أن يوصيَ بأمورِ أولادِه إن لم يكن لهم جدٌّ يَصلحُ للولاية، ويُوصي بما لا يتمكن من فعله في الحال: من قضاء بعض الديون ونحو ذلك. وأن يكون حسنَ الظنّ بالله سبحانه وتعالى أنه يرحمَه، ويستحضر في ذهنه أنه حقير في مخلوقات الله تعالى، وأن الله تعالى غنّي عن عذابه وعن طاعته، وأنه عبدُه، ولا يطلبُ العفوَ والإِحسان والصفح (1) والامتنان إلا منه. ويستحبّ أن يكون مُتعاهدًا نفسه بقراءة آياتٍ من القرآن العزيز في الرجاء، ويقرؤُها بصوت رقيق، أو يقرؤُها له غيره وهو يستمع. وكذلك يستقرىءُ أحاديثَ الرجال وحكاياتِ الصالحين وآثارَهم عند الموت. وأن يكونَ خيرُه مُتزايدًا، ويحافظ على الصلوات، واجتناب النجاسات، وغير ذلك من وظائف الدين، ويصبر على مشقة ذلك؛ وليحذرْ من التساهل في ذلك، فإن من أقبح القبائح أن يكونَ آخِرُ عهده من الدنيا التي هي مزرعة الآخرة التفريط فيما وجب عليه أو ندب إليه. وينبغي له أن لا يقبل قول من يخذله عن شيء مما ذكرناه، فإن هذا مما يُبتلى به، وفاعل ذلك هو الصديق الجاهل العدوّ الخفيّ فلا يقبل تخذيله، وليجتهد في ختم عمره بأكمل الأحوال.
ويستحبّ أن يوصي أهله وأصحابه بالصبر عليه في مرضه، واحتمال ما يصدر منه، ويوصيهم أيضًا بالصبر على مصيبتهم به، ويجتهد في وصيتهم بترك البكاء عليه، ويقول لهم: صحَّ عن رسول
(1)"والصفح"، سقطت من "د"
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكاءِ أهْلِهِ عَلَيْهِ "(1) فإيَّاكم ـ يا أحبائي ـ وَالسَّعيَ في أسباب عذابي، ويُوصيهم بالرفق بمن يخلفه من طفل وغلام وجارية ونحوهم، ويوصيهم بالإِحسان إلى أصدقائه، ويعلّمهم أنه صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إِنَّ مِنْ أبَرّ البِرّ أنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أهْلَ وُدِّ أبِيهِ"(2) وصحّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرم صواحبات خديجة رضي الله عنها بعد وفاتها (3) ويستحبّ استحبابًا مؤكدًا أن يوصيهم باجتناب ما جرت العادة به من البدع في الجنائز، ويؤكد (عليهم) (4) العهد بذلك. ويُوصيهم بتعاهده بالدعاء وأن لا ينسوه بطول الأمد. ويُستحبّ له أن يقول لهم في وقت بعد وقت: متى رأيتم مني تقصيرًا في شيء فنبّهوني عليه برفق، وأدّوا إليّ النصيحة في ذاك، فإني معرّض للغفلة والكسل والإِهمال. فإذا قصَّرْتُ فنشِّطوني وعاونوني على أُهبة سفري هذا البعيد.
ودلائل ما ذكرته في هذا الباب معروفة مشهورة حذفتها اختصارًا فإنها تحتمل كراريس. وإذا حضره النزعُ فليكثرْ من قول: لا إِلهَ إِلَاّ الله. لتكون آخرَ كلامِه.
[3/ 379] فقد روينا في الحديث المشهور في سنن أبي داود وغيره، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ كَان آخِرَ
[379] أبو داود (3116)، والحاكم 1/ 351 وصححه، ووافقه الذهبي.
(1)
مسلم (927)، وقال النووي رحمه الله تعالى في كتابه "رياض الصالحين" ص 293: وأما البكاء فجاءتْ أحاديث كثيرة بالنهي عنه، وأن الميت يُعذَّب ببكاء أهله، وهي متأولة ومحمولة على مَن أوصى به، والنهي إنما هو عن البكاء الذي فيه ندب أو نياحة
(2)
مسلم (2552) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
(3)
البخاري (3816)، ومسلم (2435) و (2437).
(4)
"زيادة من "د"