الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب تلاوة القرآن
70 ـ بابُ تلاوة القرآن
اعلم أن تلاوة القرآن هي أفضل الأذكار، والمطلوب القراءة بالتدبر، وللقراءة آدابٌ ومقاصد، وقد جمعت قبل هذا فيها كتاباُ مختصرًا (1) مشتملًا على نفائس من آداب القرّاء والقراءة وصفاتها وما يتعلق بها، لا ينبغي لحامل القرآن أن يخفى عليه مثله، وأنا أُشِيرُ في هذا الكتاب إلى مقاصدَ من ذلك مختصرة، وقد دللتُ من أراد ذلك وإيضاحه على مظنته، وبالله التوفيق.
[فصل]: ينبغي أن يحافظ على تلاوته ليلًا ونهارًا، سفرًا وحضرًا، وقد كانت للسلف رضي الله عنهم عادات مختلفة في القدر الذي يختمون فيه، فكان جماعةٌ منهم يختمون في كل شهرين ختمة، وآخرون في كل شهر ختمة، وآخرون في كل عشر ليال ختمة، وآخرون في كل ثمان ليالٍ ختمة، وآخرون في كل سبع ليالٍ ختمة، وهذا فعل الأكثرين من السلف، وآخرون في كل ستّ ليال، وآخرون في خمس، وآخرون في أربع، وكثيرون في كل ثلاث، وكان كثيرون يختمون في كل يوم وليلة ختمة، وختم
(1) هو كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" وطبع مرارًا
جماعة في كل يوم وليلة ختمتين. وآخرون في كل يوم وليلة ثلاث ختمات، وختم بعضهم في اليوم والليلة ثماني ختمات: أربعًا في الليل، وأربعًا في النهار: وممّن ختم أربعًا في الليل وأربعًا في النهار السيد الجليل ابن الكاتب الصوفي (1) رضي الله عنه، وهذا أكثر ما بلغنا في اليوم والليلة.
وروى السيد الجليل أحمد الدورقي بإسناده عن منصور بن زاذان بن عباد التابعي رضي الله عنه أنه كان يختم القرآن ما بين الظهر والعصر، ويختمه أيضًا فيما بين المغرب والعشاء، ويختمه فيما بين المغرب والعشاء في رمضان ختمتين وشيئًا، وكانوا يؤخرون العشاء في رمضان إلى أن يمضي ربع الليل.
وروى ابن أبي داود بإسناده الصحيح أنّ مجاهدًا رحمه الله كان يختم القرآن في رمضان فيما بين المغرب والعشاء.
وأما الذين ختموا القرآن في ركعة فلا يُحصون لكثرتهم، فمنهم عثمان بن عفان، وتميم الدّاري، وسعيد بن جبير.
والمختار أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فمن كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر يحصل له فهم ما يقرأ، وكذا من كان مشغولًا بنشر العلم أو فصل الحكومات بين المسلمين أو غير ذلك من مهمات الدين والمصالح العامَّة للمسلمين، فليقتصر على قدر لا يحصل له بسببه إخلال بما هو مرصد له ولا فوت كماله، ومن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثْر ما أمكنه من غير خروج إلى حدّ الملل أو الهذرمة في القراءة.
(1) ابن الكاتب: هو أبو علي، حسن بن أحمد الصوفي، المتوفى بعد سنة 340 هـ الفتوحات 3/ 232
وقد كره جماعة من المتقدمين الختم في يوم وليلة، ويدلّ عليه:
[1/ 270] ما رويناه بالأسانيد الصحيحة في سنن أبي داود والترمذي والنسائي وغيرها، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرأ القُرآنَ فِي أقَلّ مِنْ ثَلاثٍ".
وأما وقت الابتداء والختم فهو إلى خيرة القارىء، فإن كان ممّن يختم في الأسبوع مرّة، فقد كان عثمان رضي الله عنه يبتدىء ليلة الجمعة ويختم ليلة الخميس، وقال الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء: الأفضل أن يختم ختمة بالليل، وأخرى بالنهار، ويجعل ختمة النهار يوم الاثنين في ركعتي الفجر أو بعدهما، ويجعل ختمة الليل ليلة الجمعة في ركعتي المغرب أو بعدهما، ليستقبل أوّل النهار وآخره.
وروى ابن أبي داود عن عمرو بن مرّة التابعي الجليل رضي الله عنه قال: كانوا يحبّون أن يختم القرآن من أوّل الليل أو من أوّل النهار. وعن طلحة بن مصرف التابعي الجليل الإِمام قال: من ختم القرآن أية ساعة كانت من النهار صلّتْ عليه الملائكةُ حتى يمسي، وأية ساعة كانت من الليل صلَّت عليه الملائكةُ حتى يُصبح. وعن مجاهد نحوه.
[2/ 271] وروينا في مسند الإِمام المجمع على حفظه وجلالته وإتقانه
[270] أبو داود (1394)، والترمذي (1950)، والنسائي، وابن ماجه (1347). وقال الحافظ ابن حجر: حديث حسن غريب أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي، والنسائي، وتعجب من قول النووي ـ رحمه الله تعالى ـ بأسانيد صحيحة، فإن الحديث ليس له عندهم إلا سند واحد هو: قتادة عن أبي العلاء عن عبد الله بن عمرو
…
الفتوحات 3/ 235.
[271]
سنن الدارمي 2/ 470، وقد نازعه الحافظ ابن حجر في تحسينه، بأنه في سنده ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف الحفظ، ومحمد بن حميد مختلف فيه، وكأنه حسّنه لشواهده في التذكار، للقرطبي، ومسند الفردوس، والحلية. الفتوحات 3/ 238.
وبراعته أبي محمد الدارمي رحمه الله، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: إذا وافق ختم القرآن أول الليل صلّت عليه الملائكة حتى يصبح، وإن وافق ختمه آخر الليل صلّت عليه الملائكة حتى يُمسي. قال الدارمي: هذا حسن عن سعد.
[فصل]: في الأوقات المختارة للقراءة، اعلم أن أفضل القراءة ما كان في الصلاة، ومذهب الشافعي وآخرين رحمهم الله: أن تطويلَ القيام في الصلاة بالقراءة أفضلُ من تطويل السجود وغيره. وأما القراءةُ في غير الصلاة فأفضلُها قراءة الليل، والنصف الأخير منه أفضل من الأوّل، والقراءةُ بين المغرب والعشاء محبوبة. وأما قراءةُ النهار فأفضلُها ما بعد صلاة الصبح، ولا كراهة في القراءة في وقت من الأوقات، ولا في أوقات النهي عن الصلاة. وأما ما حكاه ابن أبي داود رحمه الله عن مُعان بن رفاعة رحمه الله عن مشيخته (1) أنهم كرهوا القراءة بعدَ العصر وقالوا: إنها دراسة يهود، فغير مقبول ولا أصل له، ويختار من الأيام: الجمعة، والاثنين، والخميس، ويوم عَرَفَة؛ ومن الأعشار: العشر الأوّل من ذي الحجة والعشر الأخير من رمضان؛ ومن الشهور: رمضان.
[فصل]: في آداب الختم وما يتعلق به، قد تقدم أن الختم للقارىء وحدَه يُستحب أن يكون في صلاة. وأما من يختم في غير صلاة، والجماعة الذين يختمون مجتمعين، فيُستحبّ أن يكون ختمُهم في أوّل الليل أو في أوّل النهار كما تقدم. ويُستحبّ صيام يوم الختم إلا أن يُصادف يومًا نهى الشرعُ عن صيامه. وقد صحّ عن طلحة بن مصرّف والمسيّب بن رافع وحبيب بن أبي ثابت التابعيّينَ الكوفيّينَ رحمهم الله أجمعين؛ أنهم كانوا
(1) قال ابن علاّن: "مَشْيَخته" بفتح الميم وسكون المعجمة، وفتح التحتية، والخاء المعجمة، وهو أحد جموع لفظ شيخ. وفي هامش "أ":"وفي نسخة: عن مشايخه"
يُصبحون صيامًا اليوم الذي يختمون فيه. ويُستحبّ حضورُ مجلس الختم لمن يقرأ ولمن لا يُحسن القراءة.
[3/ 272] روينا في الصحيحين:
أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر الحُيَّضَ بالخروج يومَ العيد فيشهدْنَ الخيرَ ودعوةَ المسلمين.
[4/ 273] وروينا في مسند الدارمي عن ابن عباس رضي الله عنهما
أنه كان يجعل رجلًا يُراقب رجلًا يقرأ القرآن، فإذا أراد أن يختمَ أعلم ابنَ عباس رضي الله عنهما، فيشهد ذلك.
[5/ 274] وروى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين، عن قَتادَة التابعيّ الجليل الإِمام صاحب أنس رضي الله عنه قال:
كان أنسُ بن مالك رضي الله عنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا. وروَى بأسانيد صحيحة عن الحكم بن عُتَيْبَةَ ـ بالتاء المثناة فوق والمثناة تحت ثم الباء الموحدة ـ التابعي الجليل الإِمام قال: أرسل إليّ مجاهد وعَبْدَةُ بن أبي لُبابة فقالا: إنّا أرسلا إليك لأنّا أردنا أن نختم القرآن، والدعاء يُستجاب عند ختم القرآن.
وروى بإسناده الصحيح عن مُجاهد قال: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن يقولون: تنزلُ الرحمةُ.
[فصل]: ويُستحبّ الدعاء عند الختم استحبابًا متأكدًا شديدًا لما قدّمناه.
[272] البخاري (974)، ومسلم (980)، وأبو داود (1136)، والترمذي (539)، والنسائي 3/ 180، والحُيَّض: جمع حائض.
[273]
سنن الدارمي 2/ 468 وإسناده ضعيف ومقطع.
[274]
رواه ابن أبي داود في كتابه المصاحف،، وقال الحافظ: هذا موقوف صحيح .. الفتوحات الربانية 3/ 244.
[6/ 275] وروينا في مسند الدارمي عن حُميد الأعرج رحمه الله، قال:
مَن قرأ القرآن ثم دعا أمَّنَ على دعائه أربعةُ آلاف مَلَك.
وينبغي أن يُلحّ في الدعاء، وأن يدعوَ بالأمور المهمة والكلمات الجامعة، وأن يكون معظم ذلك أو كله، في أمور الآخرة وأمور المسلمين وصلاح سلطانهم وسائر ولاة أمورهم، وفي توفيقهم للطاعات، وعِصمتهم من المخالفات، وتعاونهم على البرّ والتقوى، وقيامهم بالحقّ واجتماعهم عليه، وظهورهم على أعداء الدين وسائر المخالفين، وقد أشرت إلى أحرف من ذلك في كتاب آداب القرّاء، وذكرتُ فيه دعوات وجيزة من أراد نقلَهَا منه. وإذا فرغ من الختمة فالمستحبّ أن يشرع في أخرى متصلًا بالختم فقد استحبّه السَّلفُ واحتجّوا فيه بحديث:
[7/ 276] عن أنس رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خَيْرُ الأعْمالِ الحَلُّ وَالرِّحْلَةُ" قيل: وما هما؟ قال: "افْتِتاحُ القُرآنِ وَخَتْمُهُ".
[فصل]: فيمن نام عن حزبه ووظيفته المعتادة.
[8/ 277] روينا في صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
[275] سنن الدارمي 2/ 470، وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه من طريق الدارمي: أثر مقطوع، وسنده ضعيف، ويُغني عنه أثر مجاهد وعبدة في الفصل الذي قبله. الفتوحات 3/ 246.
[276]
في الترمذي (2949) والبيهقي في "شعب الإيمان" من حديث ابن عباس بمعناه، ومداره على صالح المري، وهو ضعيف. وقال الحافظ ابن حجر: حديث أنس المذكور أخرجه ابن أبي داود بسند فيه من كذب، وعجيب للشيخ ـ أي النووي ـ كيف اقتصر على هذا، ونسب للسلف الاحتجاج به، ولم يذكر حديث ابن عباس، وهو المعروف في الباب، وقد أخرجه بعض الستة، وصححه بعض الحفّاظ. الفتوحات 3/ 248.
[277]
مسلم (747).
قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ مِنَ اللَّيْلِ، أوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَرأهُ ما بَيْنَ صَلاةِ الفَجْرِ وَصلاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كأنَما قَرأهُ مِنَ اللَّيْلِ".
[فصل]: في الأمر بتعهد القرآن، والتحذير من تعريضه للنسيان.
[9/ 278] روينا في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه،
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "تَعَاهَدُوا هَذَا القُرآنَ، فَوَالَّذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الإِبِلِ في عُقُلها".
[10/ 279] وروينا في صحيحيهما، عن ابن عمر رضي الله عنهما؛
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّمَا مَثَلُ صاحِبِ القُرآنِ كَمَثَلِ الإِبلِ المُعقَّلَةِ إِنْ عاهَدَ عَلَيْها أمْسَكَها، وَإِنْ أطْلَقَها ذَهَبَتْ".
[11/ 280] وروينا في كتاب أبي داود والترمذي، عن أنس رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حتَّى القَذَاةُ يُخْرِجُها الرَّجُلُ مِن المَسْجِدِ، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنبًا أعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنَ القُرآنِ أوْ آيَةٍ أُوتِيهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَها" تكلم الترمذي فيه.
[278] البخاري (5033)، ومسلم (791). ومعنى "تعاهدوا": أي واظبوا على تلاوته، وداوموا على تكرار دراسته كيلا يُنسى. ومعنى "عُقُلها": جمع عِقال، ككتاب وكتب، والعِقال: الحبل الذي يُعقل به البعير حتى لا يندّ ولا يشرد، شبّه القرآن في حفظه بدوام تكراره ببعيرًا أُحكم عِقاله، ثم أثبت له التفلت الذي هو من صفات المشبّه به أشده وأبلغه؛ تحريضًا على مداومة تعهده وعدم التفريط في شيء من حقوقه، ولِمَ لا، وهو الكلام القديم المتكفّل لقارئه بكل مقام كريم، وما هو كذلك حقيق بدوام التعهّد. وخليق باستمرار التفقد. الفتوحات 3/ 250.
[279]
البخاري (5031)، ومسلم (789)، والموطأ 1/ 202، والنسائي 2/ 154.
[280]
أبو داود (461)، والترمذي (2917) وقال: حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. لكن الحافظ ابن حجر أورد له شواهد. انظر الفتوحات 3/ 351. والقذاة: ما يقع في العين من نحو تراب وغيره.
[12/ 281] وروينا في سنن أبي داود ومسند الدارمي، عن سعد بن عبادة رضي الله عنه،
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَرأ القُرآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ تَعَالى يَوْمَ القِيامَةِ أجْذَمَ".
[فصل]: في مسائل وآداب ينبغي للقارىء الاعتناء بها، وهي كثيرة جدًا، نذكرُ منها أطرافًا محذوفة الأدلة لشهرتها، وخوف الإِطالة المملّة بسببها. فأوّل ما يُؤمر به: الإِخلاص في قراءته، وأن يُريدَ بها اللَّهَ سبحانه وتعالى، وأن لا يقصدَ بها توصلًا إلى شيء سوى ذلك، وأن يتأدَّبَ مع القرآن ويستحضرَ في ذهنه أنه يناجي اللَّهَ سبحانه وتعالى ويتلو كتابه، فيقرأ على حالِ مَن يرى الله، فإنه إن لم يره فإن اللَّه تعالى يراه.
[فصل]: وينبغي أنه إذا أراد القراءة أن ينظّفَ فَمَهُ بالسِّواك وغيره، والاختيار في السواك أن يكونَ بعود الأراك، ويجوز بغيره من العيدان، وبالسعد والأشنان، والخرقة الخشنة، وغير ذلك مما ينظف. وفي حصوله بالأصبع الخشنة ثلاثة أوجه لأصحاب الشافعي: أشهرُها عندهم لا يحصل، والثاني: يحصل، والثالث: يحصل إن لم يجد غيرها، ولا يحصل إن وجد. ويستاك عرضًا مبتدئًا بالجانب الأيمن من فمه، وينوي به الإِتيان بالسنّة. وقال بعض أصحابنا: يقول عند السواك: اللهمَّ بارك لي فيه يا أرحم الراحمين! ويَستاك في ظاهر الأسنان وباطنها، ويمرّ بالسواك على أطراف أسنانه وكراسي أضراسه وسقف حلقه إمرارًا لطيفًا، ويستاك بعود متوسط، لا شديد اليبوسة، ولا شديد اللين، فإن اشتدّ يبسه ليَّنه بالماء. أما إذا كان فمه نجسًا بدم أو غيره، فإنه يكره له قراءة القرآن قبل غسله، وهل
[281] أبو داود (1474) والدارمي 2/ 437، وإسناده ضعيف، لوجود يزيد بن أبي زياد فيه، وهو ممّن لا يحتجّ بحديثه. و"أجذم" قيل: هو المقطوع اليد، وقيل: المجذوم، وهو المصاب بمرض الجذام المعروف.
يحرم؟ فيه وجهان: أصحُّهما لا يحرمُ، وسبقت المسألة أوّل الكتاب، وفي هذا الفصل بقايا تقدّم ذكرها في الفصول التي قدمتها في أوّل الكتاب.
[فصل]: ينبغي للقارىء أن يكون شأنه الخشوع والتدبر والخضوع، فهذا هو المقصود المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، ودلائله أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر. وقد بات جماعة من السلف يتلو الواحد منهم آية واحدة ليلة كاملة أو معظم ليلة يتدبرها عند القراءة. وصعق جماعة منهم، ومات جماعات منهم.
ويستحبّ البكاء والتباكي لمن لا يقدر على البكاء، فإن البكاء عند القراءة صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين، قال الله تعالى:{وَيخِرُّونَ لِلأذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء:109]. وقد ذكرتُ آثارًا كثيرة وردت في ذلك في (التبيان في آداب حملة القرآن).
قال السيد الجليل صاحب الكرامات والمعارف والمواهب واللطائف إبراهيم الخوَّاص رضي الله عنه: دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتدبر، وخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرّع عند السحر، ومجالسة الصالحين.
[فصل]: قراءة القرآن في المصحف أفضل من القراءة من حفظه، هكذا قاله أصحابنا، وهو مشهور عن السلف رضي الله عنهم، وهذا ليس على إطلاقه، بل إن كان القارىء من حفظه يحصل له من التدبر والتفكّر وجمع القلب والبصر أكثر مما يحصل من المصحف، فالقراءة من الحفظ أفضل، وإن استويا فمن المصحف أفضل، وهذا مراد السلف.
[فصل]: جاءت آثار بفضيلة رفع الصوت بالقراءة وآثار بفضيلة الإِسرار. قال العلماء: والجمع بينهما أن الإِسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل
في حقّ مَن يخاف ذلك، فإن لم يَخَفِ الرياءَ فالجهر أفضل، بشرط أن لا يؤذي غيره من مصلٍّ أو نائم أو غيرهما. ودليل فضيلة الجَهْر أن العمل فيه أكثر، لأنه يتعدى نفعه إلى غيره، ولأنه يُوقظ قلب القارىء ويجمع همَّه إلى الفكر ويصرف سمعه إليه، ولأنه يطردُ النومَ ويزيد في النشاط ويُوقظ غيره من نائم وغافل ويُنشِّطه، فمتى حضره شيء من هذه النيّات فالجهرُ أفضل.
[فصل]: ويستحبّ تحسين الصوت بالقراءة وتزيينها (1) ما لم يخرج عن حدّ القراءة بالتمطيط، فإن أفرط (2) حتى زاد حرفًا أو أخفى حرفًا هو حرام. وأما القراءة بالألحان فهي على ما ذكرناه إن أفر فحرام، وإلا فلا، والأحاديث بما ذكرناه في تحسين الصوت كثيرة مشهورة في الصحيح وغيره؛ وقد ذكرتُ في آداب القُرَّاءِ قطعة منها.
[فصل]: ويُستحبّ للقارىء إذا ابتدأ من وسط السورة أن يبتدىء من أوّل الكلام المرتبط بعضه ببعض، وكذلك إذا وقفَ يقفَ على المرتبط وعند انتهاء الكلام، ولا يتقيّدُ في الابتداء ولا في الوقف بالأجزاء والأحزاب والأعشار، فإن كثيرًا منها في وسط الكلام المرتبط بالكلام، ولا يغترُّ الإِنسانُ بكثرة الفاعلين لهذا الذي نهينا عنه ممّن لا يُراعِي هذه الآداب، وامتثِلْ ما قاله السيد الجليل أبو علي الفُضَيْل بن عِياض رضي الله عنه: لا تستوحشْ طرقَ الهدى لقلّة أهلها، ولا تغترّ بكثرة الهالكين، ولهذا المعنى
(1)"وتزيينها": قال في الإِحياء: يستحبّ تزيين القراءة بترديد الصوت من غير تمطيط مفرط يغيّر النظم. الفتوحات 3/ 266
(2)
"فإن أفرط" قال أقضى القضاة الماوردي في كتاب "الحاوي": القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صفته بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات منه، أو قصر ممدود، أو مَدِّ مقصور، أو تمطيط يخفى به اللفظ فيلتبس المعنى فهو حرام يفسق به القارىء، ويأثم به المستمع، وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقرأ به وعلى ترتيله كان مُباحًا؛ لأنه زاد بألحانه في تحسينه. الفتوحات 3/ 266
قال العلماء: قراءة سورة بكمالها أفضل من قراءة قدرها من سورة طويلة، لأنه قد يخفى الارتباط على كثير من الناس أو أكثرهم في بعض الأحوال والمواطن.
[فصل]: ومن البدع المنكرة ما يفعلُه كثيرون من جهلة المصلّين بالناس التراويحَ من قراءة سورة (الأنعام) بكمالها في الركعة الأخيرة منها في الليلة السابعة، معتقدين أنها مستحبة، زاعمين أنها نزلت جملة واحدة، فيجمعون في فعلهم هذا أنواعًا من المنكرات: منها اعتقادها مستحبة، ومنها إيهام العوّام ذلك، ومنها تطويل الركعة الثانية على الأولى، ومنها التطويل على المأمومين، ومنها هذرمة القراءة، ومنها المبالغة في تخفيف الركعات قبلها.
[فصل]: يجوز أن يقولَ: سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة النساء، وسورة العنكبوت، وكذلك الباقي، ولا كراهة في ذلك؛ وقال بعض السلف: يُكره ذلك، وإنما يقال السورة التي تُذكر فيها البقرة، والتي يُذكر فيها النساء، وكذلك الباقي، والصواب الأوّل، وهو قولُ جماهير علماء المسلمين من سلف الأمة وخلفها، والأحاديثُ فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر، وكذلك عن الصحابة فمن بعدهم؛ وكذلك لا يُكره أن يُقال: هذه قراءة أبي عمرو، وقراءةُ ابن كثير وغيرهما، هذا هو المذهب الصحيح المختار الذي عليه عمل السلف والخلف من غير إنكار، وجاء عن إبراهيم النخعي رحمه الله أنه قال: كانوا يكرهون سنّة فلان، وقراءة فلان، والصواب ما قدّمناه.
[فصل]: يُكره أن يقول نسيتُ آية كذا أو سورة كذا، بل يقول أُنسيتها أو أسقطتها.
[13/ 282] روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يَقُولُ أحَدُكُمْ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَكَذَا، بَلْ هُوَ نُسِّيَ" وفي رواية الصحيحين أيضًا "بِئْسمَا لأحَدِهِمْ أنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ، بَلْ هُوَ نُسِّيَ".
[14/ 283] وروينا في صحيحيهما، عن عائشة رضي الله عنها؛
أن النبيّ صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا يقرأ فقال: "رحمه الله لَقَدْ أذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أسْقَطْتُهَا" وفي رواية في الصحيح "كُنْتُ أُنْسِيتُها".
[فصل]: اعلم أن آداب القارىء والقراءة لا يمكن استقصاؤها في أقلّ من مجلدات، ولكنا أردنا الإِشارة إلى بعض مقاصدها المهمات بما ذكرناه من هذه الفصول المختصرات، وقد تقدم في الفصول السابقة في أوّل الكتاب شيء من آداب الذاكر والقارىء، وتقدم أيضًا في أذكار الصلاة جمل من الآداب المتعلقة بالقراءة، وقد قدّمنا الحوالة على كتاب "التبيان في آداب حملة القرآن" لمن أراد مزيدًا، وبالله التوفيق، وهو حسبي ونِعمَ الوكيل.
[فصل]: اعلم أن قراءة القرآن آكد الأذكار كما قدّمنا، فينبغي المداومة عليها، فلا يُخلي عنها يومًا وليلة، ويحصل له أصلُ القراءة بقراءة الآيات القليلة.
[15/ 284] وقد روينا في كتاب ابن السني عن أنس رضي الله عنه،
[282] البخاري (5032)، ومسلم (790)، واللفظ فيهما "لا يقل أحدكم". والترمذي (2943)، والنسائي 2/ 154.
[283]
البخاري (5042) و (5038)، ومسلم (788)، وأبو داود (1331).
[284]
ابن السني (676) و (677)، وإسناد كل منهما ضعيف ولهما شواهد ذكرها ابن حجر رحمه الله تعالى. انظر الفتوحات 3/ 275.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَرأ في يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسِينَ آيَةً لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغافِلِينَ، وَمَنْ قَرأ مِئَةَ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القانِتِينَ، وَمَنْ قَرأ مِئتَيْ آيَةٍ لَمْ يُحاجهِ القُرآنُ يَوْمَ القِيامَةِ، وَمَنْ قَرأ خَمْسَمِئَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطارٌ مِنَ الأجْرِ" وفي رواية "مَنْ قَرأ أَرْبَعِينَ آيَةً" بدل "خمسين" وفي رواية "عِشْرِينَ" وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ عَشْرَ آياتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغافِلِينَ". وجاء في الباب أحاديث كثيرة بنحو هذا.
وروينا أحاديث كثيرة في قراءة سورة في اليوم والليلة منها: يس، وتبارك الملك، والواقعة، والدّخان.
[16/ 285] فعن أبي هريرة رضي الله عنه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرأ يس فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ غُفِرَ لَهُ".
وفي رواية له "مَنْ قَرأ سُورَةَ الدُّخانِ فِي لَيْلَةٍ أصْبَحَ مَغْفُورًا لَهُ"(1).
وفي رواية عن ابن مسعود رضي الله عنه،
"مَنْ قَرأ سُورَةَ الوَاقِعَةِ فِي كُلّ لَيْلَةٍ لَمْ تُصِبْهُ فاقَة"(2).
وعن جابر رضي الله عنه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام كل ليلة حتى يقرأ آلم تنزيل الكتاب، وتبارك الملك (3).
[285] ابن السني (679) وله شواهد في الموطأ وصحيح ابن حبّان وشعب الإِيمان للبيهقي وغيرها.
(1)
ابن السني (684) وفي سنده أبو المقدام وهو ضعيف
(2)
ابن السني (685) وزاد في آخره: وكان ابن مسعود يأمر بناته بقراءتها كل ليلة. وإسناد الحديث ضعيف بسبب الانقطاع بين أبي ظبية وابن مسعود. الفتوحات 3/ 280
(3)
ابن السني (680) وعزاه السيوطي في الجامع الصغير لأحمد والترمذي والنسائي والحاكم. وقد أشار ابن حجر إلى ضعف إسناده
[17/ 286] وعن أبي هريرة رضي الله عنه،
أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَرَأ فِي لَيْلَة إذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ كانَتْ لَهُ كَعِدْلِ نِصْفِ القُرآن، وَمَنْ قَرأ يا أيُّها الكافِرُونَ كَانَتْ لَهُ كَعِدْل رُبْعِ القُرآنِ، وَمَنْ قَرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ كانَتْ لَهُ كَعِدْلِ ثُلُثِ القُرآن".
[18/ 287] وفي رواية "مَنْ قَرأ آيَةَ الكُرْسِيّ وأوَّل حم عُصِمَ ذلكَ اليَوْمَ مِنْ كُلّ سُوءٍ".
والأحاديث بنحو ما ذكرنا كثيرة، وقد أشرنا إلى المقاصد، والله أعلم بالصواب، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة.
[286] ابن السني (691) وفي إسناده راوٍ ضعيف جدًا.
[287]
ابن السني (692) وإسناده ضعيف كما ذكر الحافظ ابن حجر. الفتوحات 3/ 284.