الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الاستغفار
348 ـ باب الاستغفار
اعلم أن هذا الكتاب من أهمّ الأبواب التي يعتنى بها ويحافظ على العمل به. وقصدت بتأخيره التفاؤلَ بأن يختم الله الكريم لنا به، نسأله ذلك وسائر وجوه الخير لي ولأحبائي وسائر المسلمين آمين.
قال الله تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بالعَشِيّ وَالإِبْكارِ} [غافر: 55] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَللْمُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ} [محمد:19] وقال تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إنَّ اللهَ كانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:106] وقال تعالى: {لِلَّذينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ خالِدِينَ فِيها وأزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بالعِبادِ، الَّذينَ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذَابَ النَّارِ، الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالقانِتِينَ وَالمُنْفِقِينَ وَالمُسْتَغْفِرِينَ بالأسحَارِ} [آل عمران:15ـ17] وقال تعالى: {وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] وقال تعالى: {وَالَّذينَ إذَا فَعَلُوا فاحِشَةً أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ، وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ اللَّهُ؟ وَلَمْ يُصِرُّوا على ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135] وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أوْ يَظْلِمْ
نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110] وقال تعالى: {وأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمّ تُوبُوا إِلَيْهِ ..}
الآية [هود:3]، وقال تعالى إخبارًا عن نوح صلى الله عليه وسلم:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] وقال تعالى حكاية عن هود صلى الله عليه وسلم: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ ..} الآية [هود:52]، والآيات في الاستغفار كثيرة معروفة، ويحصل التنبيه ببعض ما ذكراه.
وأما الأحاديث الواردة في الاستغفار فلا يمكن استقصاؤها، لكني أُشير إلى أطراف من ذلك.
[1/ 1049] روينا في صحيح مسلم، عن الأغرّ المزنيّ الصحابيّ رضي الله تعالى عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّهُ لَيُغانُ على قَلْبِي، وإني لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ في اليَوْمِ مِئَة مَرَّةٍ".
[2/ 1050] وروينا في صحيح البخاري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "والله إنّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأتُوبُ إلَيهِ فِي اليَوْمِ أكثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّة".
[3/ 1051] وروينا في صحيح البخاري أيضًا، عن شداد بن أوس رضي الله عنه،
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "سَيِّدُ الاسْتغْفارِ أنْ يقُولَ العَبْدُ: اللَّهُمَّ أنْتَ رَبّي لا إِلهَ إِلَاّ أَنْتَ خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا على عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ ما
[1049] مسلم (2702)، وأبو داود (1515). ومعنى "ليغان" من الغين، وهو الغيم، قال ابن الأثير: أراد ما يغشاه من السهو الذي لا يخلو منه البشر؛ لأن قلبه صلى الله عليه وسلم كان مشغولًا بالله تعالى، فإن عرض له وقتًا ما عارضٌ بشري يُشغله من أمور الأمة والملّة ومصالحهما، عدَّ ذلك ذنبًا وتقصيرًا فيفرغ إلى الاستغفار.
[1050]
البخاري (6307)، والترمذي (3255).
[1051]
البخاري (6306)، والترمذي (3390)، والنسائي 8/ 279.
اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرّ مَا صَنَعْتُ، أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عليَّ وأبُوءُ بِذَنْبي، فاغْفِرْ لي فإنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَاّ أنْتَ؛ مَنْ قَالَهَا بالنَّهارِ مُوقِنًا بِها فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ موقِن بها فَمَاتَ قَبْلَ أنْ يُصْبحَ فَهُوَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ".
قلت: أبوء بضم الباء وبعد الواو همزة ممدودة، ومعناه: أقرّ وأعترف.
[4/ 1052] وروينا في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه،
عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال: كنّا نعدُّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مِئَةَ مرّة: "ربّ اغْفِرْ لي وَتُبْ عَلَيَّ إنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ" قال الترمذي: حديث صحيح.
[5/ 1053] وروينا في سنن أبي داود وابن ماجه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَمِنْ كُلّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ".
[6/ 1054] وروينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ تَعالى فَيَغفِرُ لَهُمْ".
[1052] أبو داود (1516)، والترمذي (3430)، وابن ماجه (3814)، وابن السني (458) في "اليوم والليلة". قال ابن علاّن: ورواه النسائي والحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإِسناد.
[1053]
أبو داود (1518)، وابن ماجه (3819)، ورواه النسائي (456) في "اليوم والليلة" والإِمام أحمد في المسند 1/ 248، والحاكم في المستدرك 4/ 262 وإسناده ضعيف لوجود الحكم بن مصعب، وهو ضعيف.
[1054]
مسلم (2749).
[7/ 1055] وروينا في سنن أبي داود، عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه؛
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانن يُعجبه أن يدعوَ ثلاثًا، ويستغفرَ ثلاثًا. وقد تقدم هذا الحديث قريبًا في جامع الدعوات.
[8/ 1056] وروينا في كتابي أبي داود والترمذي، عن مولى لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإنْ عادَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً" قال الترمذي: ليس إسناده بالقويّ.
[9/ 1057] وروينا في كتاب الترمذي، عن أنس رضي الله تعالى عنه قال:
سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قالَ اللَّهُ تَعالى: يا بْنَ آدَمَ! إَّنكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ ما كانَ منْكَ وَلا أُبالي، يا بْنَ آدَمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، يابْنَ آدَمَ! لَوْ أتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرْضِ خَطايَا ثُمَّ أتَيْتَنِي لا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِها مَغْفِرَةً" قال الترمذي: حديث حسن.
قلت: عنان السماء بفتح العين: وهو السحاب، واحدتها عنانة؛ وقيل العنان: ما عنّ لك منها، أي ما اعترضَ وظهر لك إذا رفعت رأسك. وأما قراب الأرض فروي بضم القاف وكسرها، والضم هو المشهور، ومعناه: ما يُقارب ملأها، وممّن حكى كسرها صاحب المطالع.
[10/ 1058] وروينا في سنن ابن ماجه، بإسناد جيد عن عبد الله بن
[1055] أبو داود (1524) وقد تقدم برقم 1/ 1040.
[1056]
الترمذي (3554)، وأبو داود (1514)؛ من حديث أبي نُصَيْرةَ، عن مولى لأبي بكر الصدّيق، عن أبي بكر رضي الله عنه. وإسناده ضعيف؛ لجهالة مولى أبي بكر. ولذلك ضعّفه الترمذي، فقال: هذا حديث غريب.
[1057]
الترمذي (3534)، والدارمي (2791). وقال السخاوي في تخريج الأربعين النووية بعد تخريجه: هذا حديث حسن.
[1058]
ابن ماجه (3818)، والنسائي (455) في "اليوم والليلة"، وقال في الزوائد: إسناده =
بُسْرٍ ـ بضم الباء وبالسين المهملة ـ رضي الله تعالى عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ في صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفارًا كَثِيرًا".
[11/ 1059] وروينا في سنن أبي داود والترمذي، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قالَ: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذي لا إِلهَ إِلَاّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وأتُوبُ إِليْهِ، غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ" قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم.
قلتُ: وهذا الباب واسع جدًا، واختصاره أقرب إلى ضبطه، فنقتصر على هذا القدر منه.
[فصل]: ومما يتعلَّق بالاستغفار ما جاء عن الرَّبيع بن خُثَيْم رضي الله تعالى عنه قال: لا يقلْ أحدُكم: أستغفر الله وأتوب إليه فيكون ذنبًا وكذبًا إن لم يفعل، بل يقولُ: اللَّهمّ اغفر لي وتُبْ عليّ، وهذا الذي قاله من قوله: اللَّهمّ اغفر لي وتب عليّ حسن.
وأما كراهيته أستغفرُ الله وتسميته كذبًا فلا نُوافق عليه، لأن معنى أستغفرُ الله أطلبُ مغفرتَه، وليس في هذا كذب، ويكفي في ردّه حديث ابن مسعود المذكور قبله.
وعن الفُضيل رضي الله تعالى عنه: استغفارٌ بلا إقلاع توبةُ الكذّابين، ويُقاربه ما جاءَ عن رابعة العدوية رضي الله تعالى عنها قالت: استغفارُنا يحتاجُ إلى استغفار كثير.
وعن بعضِ الأعراب أنه تعلَّقَ بأستار الكعبة وهو يقول: اللَّهمّ إن
= صحيح، رجاله ثقات. قال ابن علاّن: ورواه النسائي في "اليوم والليلة"، والطبراني، والبيهقي.
[1059]
أبو داود (1517)، والترمذي (3572)، والحاكم في المستدرك 1/ 511، وقال الحافظ المنذري إسناده جيد متصل. الفتوحات الربانية 7/ 288.