الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم {فاذْكُرُوني أذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُون} [البقرة:152]
الحمد للَّه الواحد القهَّار، العزيز الغفَّار، مقدِّر الأقدار، مصرِّف الأمور، مُكوِّر الليل (1) على النهار، تبصرةَ لأُولي القلوب والأبصار، الذي أيقظ من خلقه ومن اصطفاه فأدخله في جملة الأخيار، ووفَّق من اجتباه من عبيده فجعلَه من المقرَّبين الأبرار، وبصَّرَ من أحبَّه فزهَّدهم (2) في هذه الدار، فاجتهدوا في مرضاته والتأهُّب لدار القرار، واجتناب ما يُسخطه والحذر من عذاب النار، وأخذوا أنفسهم بالجدِّ في طاعته وملازمة ذكره بالعشيّ والإِبكار، وعند تغاير الأحوال وجميع آناء الليل والنهار، فاستنارت قلوبُهم بلوامع الأنوار، أحمده أبلغَ الحمد على جميع نعمه، وأسألُه المزيد من فضله وكرمه. وأشهد أن لا إله إلَاّ اللَّه العظيم، الواحد الصمد العزيز الحكيم؛ وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله، وصفيُّه وحبيبه وخليله، أفضلُ المخلوقين، وأكرمُ السابقين واللاحقين، صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين، وآل كلٍّ وسائر الصالحين.
(1)"مُكوِّر الليل .. ": وهو مقتبس من الآية الكريمة: {يكوِّر الليل على النهار} [الزمر:5] ومعناها: يلفُّ الليل على النهار لفَّ اللباس على اللابس فيسترُه، فتظهر الظلمة. وفي تفسير الواحدي: يكوِّر الليل على النهار: يُدخل هذا على هذا، والتكوير: هو طرح الشيء بعضه على بعض.
(2)
في "ب": "فزهَّده .. ".
أما بعد: فقد قال الله العظيم العزيز الحكيم: {فاذْكُرُوني أذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وقال تعالى: {وَمَا خَلقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلا ليَعْدون} [الذاريات:56] فعُلِم بهذا أمن أفضل ـ أو أفضل ـ حال العبد، حال ذكره ربَّ العالمين، واشتغاله بالأذكار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد المرسلين.
وقد صنَّف العلماءُ رضي اللهع عنهم في عمل اليوم والليلة والدعوات والأذكار كتبًا كثيرةً معلومةً عند العارفين، ولكنها مطوّلة بالأسانيد والتكرير، فضَعُفَتْ عنها هممُ الطالبين، فقصدتُ تسهيل ذلك على الراغبين، فشرعتُ في جمع هذا الكتاب مختصرًا مقاصد ما ذكرته تقريبًا للمعتنين، وأحذف الأسانيد في معظمه لما ذكرته من إيثار الاختصار، ولكونه موضوعًا للمتعبدين، وليسوا إلى معرفة الأسانيد (1) متطلعين، بل يكرهونه وإن قَصُرَ إلا الأقلّين، ولأن المقصود به معرفةُ الأذكار والعمل بها، وإيضاحُ مظانّها للمسترشدين، وأذكر إن شاء الله تعالى بدلًا من الأسانيد ما هو أهم منها مما يخلّ به غالبًا، وهو بيان صحيح (2)
الأحاديث وحسنها وضعيفها ومنكرها،
(1)"الأسانيد": جمع إسناد، وهو الإخبار عن طريق المتن، والسند رجاله، وقيلب هما بمعنى.
(2)
" صحيح الأحاديث" قال ابن علاّن ـ رحمه الله تعالى ـ ما خلاصته: "الصحيح في الأصل من أوصاف الأجسام، ثم جُعل وصفًا للحديث. ثم هو قسمان: صحيح لذاته، وهو ما اتصل سنده برواية العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علّة قادحة. وصحيح لغيره، وهو ما كان راويه دون ذلك في الضبط والإتقان، فيكون حديثه في مرتبة الحسن، فيرتقي بعدد طرقه إلى الصحة، ويقال له: صحيح لغيره. والحسن قسمان كذلك: حسن لذاته، وهو الذي عرَّفه الخطّابيُّ بقوله: أن يكون راويه مشهورًا بالصدق والأمانة، لكن لم يبلغ درجة الصحيح؛ لقصور راويه عن رواة الصحيح في الحفظ والإتقان، وهو مرتفع عن حال من يُعَدُّ تفرده مُنكرًا. وحسن لغيره، وهو الذي عرفه الترمذي بقوله: أن لا يخلو الإسناد من مستور لم تتحقق أهليته، وليس مغفلًا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث، ولا ظهر منه سبب آخر مُفسِّقٌ، ويكون الحديث معروفًا برواية مثله أو نحوه، من وجه آخر، ولا بدّ للحكم بحسن الحديث مطلقًا سلامته =
فإنه مما يفتقر إلى معرفته جميعُ الناس إلا النادر من المحدّثين، وهذا أهمّ ما يجب الاعتناء به، وما يُحقِّقهُ الطالبُ من جهة الحفاظ المتقنين، والأئمة الحُذَّاق المعتمدين، وأضمُّ إليه إن شاء الله الكريم جملًا من النفائس من علم الحديث، ودقائق الفقه، ومهمات القواعد، ورياضات النفوس، والآداب التي تتأكد معرفتُها على السالكين. وأذكرُ جميعَ ما أذكرُه مُوَضَّحًا بحيث يسهلُ فهمه على العوام والمتفقهين.
وقد روينا في صحيح مسلم (1)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"مَنْ دَعا إلى هُدىً كانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلَ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لا يَنْقُصُ ذلك مِنْ أُجُورِهِمْ شَيئًا".
فأردت مساعدة أهل الخير بتسهيل طريقه والإِشارة إليه، وإيضاح سلوكه والدلالة عليه، وأذكر في أوَّلِ الكتاب فصولًا مهمة يحتاجُ إليها صاحبُ هذا الكتاب وغيره من المعتنين، وإذا كان في الصحابة مَن ليس مشهورًا عند مَن لا يعتني بالعمل نبَّهتُ عليه فقلت: روينا عن فلان الصحابيّ، لئلا يُشكَّ قي صحبته.
وأقتصر في هذا الكتاب على الأحاديث التي في الكتب المشهورة التي هي أصول الإِسلام وهي خمسة: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي. وقد أروي يسيرًا من الكتب المشهورة غيرها.
وأما الأجزاء والمسانيد فلستُ أنقل منها شيئًا إلا في نادر من
= من العلّة القادحة والشذوذ .. والضعيف ما فقد فيه شرط من شروط القبول الشاملة للصحيح والحسن من الاتصال والعدالة والضبط وعدم الشذوذ والعلّة القادحة، وهو أنواع منها الشاذ والمنكر .. " الفتوحات الربانية 1/ 23ـ24.
(1)
مسلم (2674)، وأبو داود (4609)، والترمذي (2676)، والموطأ 1/ 218.