الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله عنه قال:
كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ إنَّا نَسألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالسَّلامَةَ مِنْ كُلّ إثْمٍ، وَالغَنِيمَةَ مِنْ كُلّ بِرٍّ، وَالفَوْزَ بالجَنَّةَ وَالنَّجاةَ (بعونِك) منَ النَّارِ" قال الحاكم: حديث صحيح على شرط مسلم.
[42/ 1035] وفيه، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "وَاذُنُوباهُ وَاذُنُوباهُ! مرّتين أو ثلااثًا، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "قُلِ اللَّهُمَّ مَغْفِرَتُكَ أوْسَعُ مِنْ ذُنُوبي، وَرَحْمَتُكَ أرْجَى عِنْدِي مِنْ عَمَلي، فقالها، ثم قال: عُدْ، فعاد، ثم قال: عُدْ، فعاد، فقال: قُمْ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ".
[43/ 1036] وفيه، عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِلَّهِ تَعالى مَلَكًا مُوَكَّلًا بِمَنْ يَقُولُ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، فَمَنْ قالها ثلاثًا قالَ لَهُ المَلَكُ: إنَّ أرْحَمَ الرَّاحِمينَ قَدْ أقْبَلَ عَلَيْكَ فَسَلْ".
338 ـ بابٌ في آدابِ الدعاء
اعلم أن المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدّثون وجماهير العلماء من الطوائف كلها من السلف والخلف: أن الدعاء مستحبّ، قال الله تعالى:{وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] والآيات في ذلك كثيرة مشهورة.
[1035] المستدرك 1/ 543، وقال: حديث رواته عن آخرهم مدنيون ممّن لا يُعرف واحد منهم بجرح. ووافقه الذهبي على ذلك. ومعنى "مغفرتك أوسع من ذنوبي" أي إن ذنوبي وإن عظمت فمغفرتك أعظم منها. وما أحسن قول الإِمام الشافعي:
تعاظمني ذنبي فلما قرنتُه
…
بعفوكَ ربي كانَ عفوكَ أعظما
[1036]
المستدرك للحاكم، وإسناده ضعيف. انظر ضعيف الجامع الصغير 2/ 183.
وأما الأحاديث الصحيحة فهي أشهر من أن تُشهر، وأظهر من أن تُذكر، وقد ذكرنا قريبًا في الدعوات ما به أبلغ كفاية، وبالله التوفيق.
وروينا في رسالة الإِمام أبي القاسم القشيريّ رضي الله عنه قال: اختلفَ الناسُ في أن الأفضل الدعاء أم السكوت والرضا؟ فمنهم من قال: الدعاء عبادة للحديث السابق "الدُّعاءُ هُوَ العِبادَة"(1) ولأنَّ الدعاءَ إظهارُ الافتقار إلى الله تعالى. وقالت طائفة: السكوت والخمودُ تحت جريان الحكم أتمّ، والرضا بما سبق به القدر أولى. وقال قوم: يكون صاحبُ دعاءٍ بلسانه ورضا بقلبه ليأتيَ بالأمرين جميعًا.
قال القشيري: والأولى أن يُقال: الأوقات مختلفة؛ ففي بعض الأحوال الدعاء أفضل من السكوت وهو الأدب، وفي بعض الأحوال السكوت أفضل من الدعاء وهو الأدب، وإنما يُعرف ذلك بالوقت؛ فإذا وجدَ في قلبه إشارةً إلى الدعاء، فالدعاءُ أولى به؛ وإذا وجد إشارةً إلى السكوت فالسكوتُ أتمّ. قال: ويصحّ أن يُقال ما كان للمسلمين فيه نصيب، أو لله سبحانه وتعالى فيه حقّ، فالدعاء أولى لكونه عبادة، وإن كان لنفسك فيه حظّ فالسكوت أتمّ. قال: ومن شرائط الدعاء أن يكون مطعمُه حلالًا. وكان يحيى بن معاذ الرازي رضي الله عنه يقول: كيف أدعوك وأنا عاصٍ؟ وكيف لا أدعوك وأنت كريم؟.
ومن آدابه: حضور القلب، وسيأتي دليله إن شاء الله تعالى. وقال بعضُهم: المراد بالدعاء إظهارُ الفاقة، وإلا فالله سبحانه وتعالى يفعلُ ما يشاء.
وقال الإِمام أبو حامد الغزالي في الإِحياء: آدابُ الدعاء عشرة:
(1) أبو داود (1479)، والترمذي (3244)، وقد تقدم برقم 1/ 994
الأول: أن يترصَّدَ الأزمان الشريفة؛ كيوم عَرَفَة وشهر رمضان ويوم الجمعة والثلث الأخير من الليل ووقت الأسحار.
الثاني: أن يغتنمَ الأحوالَ الشريفة؛ كحالة السجود، والتقاء الجيوش، ونزول الغيث، وإقامة الصلاة وبعدَها. قلتُ: وحالة رقّة القلب.
الثالث: استقبالُ القبلة ورفعُ اليدين ويمسحُ بهما وجهه في آخره.
الرابع: خفضُ الصوت بين المخافتة والجهر.
الخامس؛ أن لا يتكلَّف السجعَ وقد فسَّر به الاعتداء في الدعاء، والأولى أن يقتصر على الدعوات المأثورة، فما كل أحد يُحسن الدعاءَ فيخاف عليه الاعتداء. وقال بعضهم: ادعُ بلسان الذلّة والافتقار، لا بلسان الفصاحة والانطلاق، ويُقال: إن العلماء والأبدال لا يزيدون في الدعاء على سبع كلمات ويشهد له ما ذكره الله سبحانه وتعالى في آخر سورة البقرة {رَبَّنا لا تُؤَاخِذْنا} إلى آخرها [البقرة: 286] لم يخبر سبحانه في موضع عن أدعية عباده بأكثر من ذلك. قلتُ: ومثلهُ قول الله سبحانه وتعالى في سورة إبراهيم صلى الله عليه وسلم: {وَإِذْ قالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا} إلى آخره [إبراهيم:35]. قلتُ: والمختار الذي عليه جماهير العلماء أنه لا حجرَ في ذلك، ولا تُكرهُ الزيادةُ على السبع، بل يُستحبّ الإِكثارُ من الدعاء مطلقًا.
السادس: التضرّعُ والخشوعُ والرهبة، قال الله تعالى:{إنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ في الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنا رَغَبًا وَرَهَبًا وكانُوا لَنا خاشِعِينَ} [الأنبياء:90] وقال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف:55].
السابع: أن يجزمَ بالطلب ويُوقن بالإِجابة ويصدقَ رجاءه فيها، ودلائلُه كثيرةٌ مشهورة. قال سفيان بن عُيينة رحمه الله: لا يمنعنّ أحدَكم