الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله عنه: ثلاثٌ من جَمعهنّ فقد جمعَ الإِيمانَ؛ الإِنصافُ من نفسك، وبذلُ السَّلام للعالم، والإِنفاقُ من الإِقتار.
وروينا هذا في غير البخاري مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: قد جمعَ في هذه الكلمات الثلاث خيراتِ الآخرة والدنيا، فإنَّ الإِنصافَ يقتضي أن يؤدّي إلى الله تعالى جميع حقوقه وما أمره به، ويجتنب جميع ما نهاه عنه، وأن يؤدّي إلى الناس حقوقهم، ولا يطلب ما ليس له، وأن ينصف أيضًا نفسه فلا يوقعها في قبيح أصلًا. وأما بذلُ السلام للعالم فمعناه لجميع الناس، فيتضمن أن لا يتكبر على أحد، وأن لا يكون بينه وبين أحد جفاء يمتنع من السلام عليه بسببه. وأما الإِنفاق من الإقتار فيقتضي كمال الوثوق بالله تعالى والتوكل عليه والشفقة على المسلمين إلى غير ذلك، نسأل الله تعالى الكريم التوفيق لجميعه.
213 ـ بابُ كيفيّة السَّلام
اعلم أن الأفضل أن يقول المسلم: السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فيأتي بضمير الجمع وإن كان المسلَّم عليه واحدًا، ويقولُ المجيب: وَعَلَيْكُمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَركاتُه، ويأتي بواو العطف في قوله: وعليكم.
وممّن نصّ على أن الأفضل في المبتدىء أن يقول "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" الإِمام أقضى القضاة أبو الحسن الماورديّ في كتابه "الحاوي" في كتاب السِّيَر، والإِمام أبو سعد المتولي من أصحابنا في كتاب "صلاة الجمعة" وغيرها.
[1/ 607] ودليله ما رويناه في مسند الدارمي وسنن أبي داود والترمذي، عن عمران بن الحصين رضي الله عنهما قال:
"جاء رجلٌ إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فردّ عليه ثم جلس، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: عَشْرٌ، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فردّ عليه ثم جلس، فقال: عِشْرُونَ، ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه، فردّ عليه فجلس، فقال: "ثلاثُونَ". فقال الترمذي: حديث حسن.
وفي رواية لأبي داود، من رواية معاذ بن أنس رضي الله عنه، زيادة على هذا، قال:"ثم أتى آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال: أرْبَعُونَ، وقال: هَكَذَا تَكُونُ الفَضَائِلُ".
[2/ 608] وروينا في كتاب ابن السني، بإسناد ضعيف، عن أنس رضي الله عنه قال:
كان رجلٌ يمرّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم يَرعى دوابّ أصحابه فيقول: السلام عليك يا رسول الله! فيقول له النبيّ صلى الله عليه وسلم: "وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِضْوَانُهُ"، فقيل: يا رسول الله! تُسَلِّم على هذا سلامًا ما تُسلِّمه على أحدٍ من أصحابك؟ قال: "وَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذلكَ وَهُوَ يَنْصَرِفُ بأجْرِ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا؟ ".
قال أصحابنا: فإن قال المبتدىء: السلام عليكم، حصل السَّلامُ، وإن قال: السلام عليكَ، أو سلام عليكَ، حصل أيضًا. وأما الجواب فأقلّه: وعليكَ السلام، أو وعليكم السلام، فإن حذف الواو فقال: عليكم
[607] الدارمي 2/ 277، وأبو داود (5195)، والترمذي (2690)، عن عمران بن الحصين، وهو حديث حسن. وأبو داود (5196)، عن معاذ بن أنس، وهو حديث ضعيف.
[608]
ابن السني (234) وإسناده ضعيف، لكن له شواهد بمعناه يقوى بها، ذكرها الحافظ ابن حجر. انظر الفتوحات 5/ 292ـ293.
السَّلام أجزأه ذلك وكان جوابًا، هذا هو المذهب الصحيح المشهور الذي نصّ عليه إمامنا الشافعي رحمه الله في "الأُم" وقال به جمهور من أصحابنا. وجزم أبو سعد المتولّي من أصحابنا في كتابه "التتمة" بأنه لا يجزئه ولا يكون جوابًا، وهذا ضعيف أو غلط، وهو مخالفٌ للكتاب والسنّة ونصّ إمامنا الشافعي.
أما الكتاب فقال الله تعالى: {قالُوا سَلامًا، قالَ سَلامٌ} [هود:69] وهذا وإن كان شرعًا لِما قَبْلنا فقد جاء شرعنا بتقريره، وهو حديث أبي هريرة الذي قدَّمناه (1) في جواب الملائكة آدم صلى الله عليه وسلم، فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم أخبرنا "أن الله تعالى قال: هي تحيتك وتحية ذرّيتك" وهذه الأمة داخلة في ذرّيته، والله أعلم.
واتفق أصحابنا على أنه لو قال في الجواب: عليكم لم يكن جوابًا، فلو قال: وعليكم بالواو فهل يكون جوابًا؟ فيه وجهان لأصحابنا؛ ولو قال المبتدىء: سلام عليكم، أو قال: السلام عليكم، فللمُجيب أن يقول في الصورتين: سلام عليكم، وله أن يقول: السلام عليكم، قال الله تعالى:{قالُوا سَلامًا، قالَ سَلامٌ} قال الإِمام أبو الحسن الواحديّ من أصحابنا: أنت في تعريف السلام وتنكيره بالخيار؛ قلت: ولكن الألف واللام أولى.
[فصل]:
[3/ 609] روينا في صحيح البخاري، عن أنس رضي الله عنه،
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تُفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلَّم عليهم سلَّمَ عليهم ثلاثًا.
[609] البخاري (94)، والترمذي (2724).
(1)
تقدم الحديث برقم 2/ 600