الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحفاظ والأئمة يحتجّون بروايته عن الشاميين، وقد روي هذا الحديث عن معاوية بن يحيى الشامي.
[فصل]: إذا تثاءب فالسنّة أن يردّ ما استطاع للحديث الصحيح الذي قدّمناه. والسنّة أن يضع يده على فيه.
[18/ 692] لما رويناه في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذَا تَثاءَبَ أحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ على فَمِهِ، فإنَّ الشَّيْطانَ يَدْخُلُ".
قلتُ: وسواء كان التثاؤب في الصلاة أو خارجها، يستحبّ وضعُ اليد على الفم، وإنما يكره للمصلّي وضعُ يده على فمه في الصلاة إذا لم تكن حاجة كالتثاؤب وشبهه، والله أعلم.
222 ـ بابُ المَدْحِ
اعلم أنَّ مدح الإِنسان والثناءَ عليه بجميل صفاته قد يكون في وجه الممدوح، وقد يكون بغير حضوره، فأما الذي في غير حضورِه فلا منعَ منه إلا أن يُجازف المادحُ ويدخل في الكذب فيحرُم عليه بسبب الكذب لا لكونه مدحًا، ويُستحبُّ هذا المدح الذي لا كذبَ فيه إذا ترتب عليه مصلحةٌ ولم يجرّ إلى مفسدة بأن يبلغَ الممدوحَ فيفتتن به، أو غير ذلك. وأما المدحُ في وجه الممدوح فقد جاءت فيه أحاديث تقتضي إباحتَه أو استحبابه، وأحاديث تقتضي المنع منه. قال العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث أن يُقال: إن كان الممدوحُ عنده كمالُ إيمان وحسنُ يقين ورياضةُ نفس ومعرفةٌ تامة بحيث لا يفتتن ولا يغترّ بذلك ولا تلعبُ به نفسُه فليس
[692] مسلم (2995)، وأبو داود (5026 و 5027).
بحرام ولا مكروه، وإن خيف عليه شيءٌ من هذه الأمور كُرِهَ مدحُه كراهةً شديدة.
فمن أحاديث المنع:
[1/ 693] ما رويناه في صحيح مسلم عن المقداد رضي الله عنه؛
أن رجلًا جعلَ يمدحُ عثمانَ رضي الله عنه، فعمدَ المقدادُ فجثا على ركبتيه، فجعلَ يحثو في وجهه الحصباءَ، فقال له عثمانُ: ما شأنُك؟ فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذَا رأيْتُم المَدَّاحِينَ فاحْثُوا في وُجُوهِهِمْ التُّرابَ".
[2/ 694] وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
سمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلًا يُثني على رجل ويُطريه في المِدْحَةِ، فقال:"أَهْلَكْتُمْ أوْ قَطَعْتُمْ ظَهْرَ الرَّجُلِ".
قلتُ: قوله يُطريه: بضم الياء وإسكان الطاء المهملة وكسر الراء وبعدها ياء مثناة تحت. والإِطراء: المبالغة في المدح ومجاوزة الحدّ، وقيل: هو المدح.
[3/ 695] وروينا في صحيحيهما، عن أبي بكرة رضي الله عنه؛
أن رجلًا ذُكِرَ عندَ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فأثى عليه رجلٌ خيرًا، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ ـ يقوله مرارًا ـ إنْ كانَ أحَدُكُمْ مادِحًا لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أحْسِبُ كَذَا وكَذَا إنْ كانَ يَرَى أنَّهُ كَذَلِكَ وَحَسِيبُهُ اللَّهُ وَلا يُزَكِّي على اللَّهِ أحَدًا".
[693] مسلم (3002)(69)، وأبو داود (4804)، والترمذي (2395)، ومعنى "جثا": جلس على ركبتيه. و"يحثو": من الحثو، وهو الحفن باليد. و"الحَصْبَاء" الحصى الصغار.
[694]
البخاري (2663)، ومسلم (3001).
[695]
البخاري (2662)، ومسلم (3000)، وأبو داود (4805).
وأما أحاديث الإِباحة فكثيرةٌ لا تنحصر، ولكن نُشير إلى أطراف منها:
فمنها قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لأبي بكر رضي الله عنه "ما ظَنُّكَ باثْنَيْنِ اللَّهُ ثالِثُهُما؟ "(1) وفي الحديث الآخر "لَسْتَ مِنْهُم (2) " أي لستَ من الذين يُسبلون أُزرَهم خيلاء. وفي الحديث الآخر "يا أبا بَكْرٍ! لا تَبْكِ، إنَّ أمَنَّ النَّاسِ عَليَّ في صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لاتَّخَذْتُ أبا بَكْرٍ خَلِيلًا"(3)" وفي الحديث الآخر "أرْجُو أنْ تَكُونَ مِنْهُم" (4) " أي من الذين يُدْعون من جميع أبواب الجنة لدخولها. وفي الحديث الآخر "ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ"(5) وفي الحديث الآخر "اثْبُتْ أُحُدُ فإنَّمَا عَلَيْكَ نَبيٌّ وَصِدّيقٌ وَشَهِيدَانِ "(6) ".
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَرأيْتُ قَصْرًا، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ قالُوا: لِعُمَرَ، فأرَدْتُ أنْ أدْخُلَهُ فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ"(7) فقال عمر رضي الله عنه: بأبي وأمي يا رسول الله! أعليك أغار؟. وفي الحديث الآخر "ياعُمَرُ! ما لَقِيَكَ الشَّيْطانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَاّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ"(8).
وفي الحديث الآخر "افْتَحْ لِعُثْمانَ وَبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ"(9).
وفي الحديث الآخر قال لعليّ: "أنْتَ مِنِّي وأنا مِنْكَ"(10)
وفي الحديث
(1) البخاري (3653)، ومسلم (2381)، والترمذي (3095)
(2)
البخاري (3665)، ومسلم (2382)، والترمذي (3661)
(3)
البخاري (3656)، و (3657)
(4)
البخاري (3666)، ومسلم (1027)(86)
(5)
البخاري (3674)، ومسلم (2403)، والترمذي (3711)
(6)
البخاري (3699)
(7)
البخاري (3679)، ومسلم (2395)
(8)
البخاري (3683)، ومسلم (2396)
(9)
البخاري (3674)، ومسلم (2403)
(10)
البخاري تعليقًا 7/ 70
الآخر قال لعليّ: "أما تَرْضَى أنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟ "(1).
وفي الحديث الآخر قال لبلال "سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ في الجَنَّةِ"(2).
وفي الحديث الآخر قال لأُبيّ بن كعب "لِيَهْنَأْكَ العِلْمُ أبا المنْذِرِ"(3).
وفي الحديث الآخر قال لعبد الله بن سَلَام "أنْتَ على الإِسْلامِ حتَّى تَمُوتَ"(4).
وفي الحديث الآخر قال للأنصاري "ضَحِكَ اللَّهُ عز وجل، أوْ عَجِبَ مِنْ فِعَالِكُما"(5).
وفي الحديث الآخر قال للأنصار "أنْتُمْ مِنْ أحَبّ النَّاس إِليَّ"(6).
وفي الحديث الآخر قال لأشجّ عبد القيس: "إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُما اللَّهُ تَعالى وَرَسُولُهُ: الحِلْمَ وَالأناة"(7).
وكلّ هذه الأحاديث التي أشرت إليها في الصحيح مشهورة، فلهذا لم أضفها، ونظائر ما ذكرناه من مدحه صلى الله عليه وسلم في الوجه كثيرة. وأما مدح الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والأئمة الذين يُقتدى بهم رضي الله عنهم أجمعين فأكثر من أن تُحصر، والله أعلم.
قال أبو حامد الغزالي في آخر كتاب الزكاة من الإِحياء: إذا تصدق
(1) البخاري (3706)، ومسلم (2404)
(2)
البخاري (1149، ومسلم (2458)
(3)
مسلم (810)، وفيه:"ليهنكَ" وأبو داود (1460)
(4)
البخاري (3813)، ومسلم (2484)
(5)
البخاري (3798) و (4889)، ومسلم (2053) و (2054)
(6)
البخاري (3785)، ومسلم (2508)
(7)
مسلم (2593)