الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[48/ 981] وروينا في سنن أبي داود والترمذي،
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان تحتي امرأةٌ وكنتُ أُحبها، وكان عمرُ يكرهُها، فقال لي: طلّقْها، فأبيتُ، فأتى عمرُ رضي الله عنه النبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرَ ذلك له، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:"طَلِّقْها" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
332 ـ بابُ النهي عن الكَذبِ وبيان أقسامهِ
قد تظاهرتْ نصوصُ الكتاب والسنّة على تحريم الكذب في الجملة، وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب. وإجماعُ الأمة منعقدٌ على تحريمه مع النصوص المتظاهرة، فلا ضرورة إلى نقل أفرادها، وإنما المهمّ بيان ما يُستثنى منه والتنبيه على دقائقه، ويكفي في التنفير منه الحديث المتفق على صحته:
[1/ 982] وهو ما رويناه في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا ائتُمن خَانَ".
[2/ 983] وروينا في صحيحيهما عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛
أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كانَ مُنافِقًا خالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ نِفاقٍ حتَّى يَدَعَها: إِذَا ائتُمِن خانَ، وَإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خاصَمَ فَجَرَ" وفي
[981] أبو داود (1538)، والترمذي (1189)، وقال المنذري: ورواه ابن ماجه، وابن حبّان في صحيحه، والحاكم بتقديم وتأخير وقال: صحيح الإِسناد.
[982]
البخاري (33)، ومسلم (59)، والترمذي (2633)، والنسائي 8/ 117.
[983]
البخاري (34)، ومسلم (58)، وأبو داود (4688)، والترمذي (2634)، والنسائي 8/ 116.
رواية مسلم "إذا وعدَ أخلفَ" بدل "وإذا ائتُمِن خان".
وأما المستثنى منه:
[3/ 984] فقد روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أُمّ كلثوم رضي الله عنها؛
أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمي خَيْرًا أوْ يَقُولُ خَيْرًا" هذا القدر في صحيحيهما. وزاد مسلم في رواية له: قالت أُمّ كلثوم: ولم أسمعه يُرخِّصُ في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث ـ يعني: الحرب، والإِصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته والمرأة زوجها. فهذا حديث صريح في إباحة بعض الكذب للمصلحة، وقد ضبط العلماءُ ما يُباح منه.
وأحسننُ ما رأيتُه في ضبطه، ما ذكرَه الإِمامُ أبو حامد الغزالي فقال: الكلامُ وسيلةٌ إلى المقاصد، فكلُّ مقصودٍ محمودٍ يُمكن التوصلُ إليه بالصدق والكذب جميعًا، فالكذبُ فيه حرامٌ لعدم الحاجة إليه، وإن أمكنَ التوصل إليه بالكذب ولم يمكن بالصدق فالكذبُ فيه مباحٌ إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحًا، وواجبٌ إن كان المقصود واجبًا، فإذا اختفى مسلم من ظالم وسأل عنه: وجبَ الكذبُ بإخفائه، وكذا لو كان عندَه أو عندَ غيره وديعة وسأل عنها ظالمٌ يُريدُ أخذَها وجبَ عليه الكذب بإخفائها، حتى لو أخبرَه بوديعةٍ عندَه فأخذَها الظالمُ قهرًا، وجبَ ضمانُها على المُودع المُخبر، ولو استحلفَه عليها، لزمَه أن يَحلفَ ويورِّي في يمينه، فإن حلفَ ولم يورّ، حنثَ على الأصحّ، وقيل لا يحنثُ، وكذلك لو كان مقصودُ حَرْبٍ أو إصلاحِ ذاتِ البين أو استمالة قلب المجني عليه في العفو عن الجناية لا
[984] البخاري (2692)، ومسلم (2605)، وأبو داود (4921)، والترمذي (1939).
يحصل إلا بكذب، فالكذبُ ليس بحرام، وهذا إذا لم يحصل الغرضُ إلا بالكذب، والاحتياطُ في هذا كلّه أن يورّي؛ ومعنى التورية أن يقصدَ بعبارته مقصودًا صحيحًا ليس هو كاذبًا بالنسبة إليه، وإن كان كاذبًا في ظاهر اللفظ، ولو لم يقصد هذا بل أطلق عبارةَ الكذب فليس بحرام في هذا الموضع. قال أبو حامد الغزالي: وكذلك كل ما ارتبط به غرضٌ مقصودٌ صحيح له أو لغيره، فالذي له مثلُ أن يأخذَه ظالمٌ ويسألَه عن ماله ليأخذَه فله أن ينكرَه، أو يسألَه السلطانُ عن فاحشةٍ بينَه وبينَ الله تعالى ارتكبَها فله أن ينكرَها ويقول ما زنيتُ، أو ما شربتُ مثلًا.
وقد اشتهرتِ الأحاديث بتلقين الذين أقرّوا بالحدود الرجوع عن الإِقرار. وأما غرضُ غيره، فمثل أن يُسأَلَ عن سرّ أخيه فينكرَهُ ونحو ذلك، وينبغي أن يُقابِلَ بين مَفسدةِ الكذب والمفسدةِ المترتبة على الصدق؛ فإن كانت المفسدةُ في الصدق أشدّ ضررًا فله الكذبُ، وإن كان عكسُه، أو شكّ، حَرُمَ عليه الكذبُ؛ ومتى جازَ الكذبُ فإن كان المبيحُ غرضًا يتعلّقُ بنفسه فيستحبّ أن لا يكذبَ، ومتى كان متعلقًا بغيره لم تجز المسامحةُ بحقّ غيره؛ والحزمُ تركه في كل موضعٍ أُبيحَ إلا إذا كان واجبًا.
واعلم أن مذهبَ أهل السنّة أن الكذبَ هو الإِخبار عن الشيء، بخلاف ما هو، سواء تعمدتَ ذلك أم جهلته، لكن لا يأثمُ في الجهل وإنما يأثمُ في العمد، ودليلُ أصحابنا تقييد النبيّ صلى الله عليه وسلم "مَنْ كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"(1).
(1) البخاري (1291)، عن المغيرة بن شعبة، ومسلم (3) في المقدمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وهو من الأحاديث المتواترة. انظر "نظم المتناثر من الحديث المتواتر"؛ للكتاني ص 20