الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُبيد رضي الله عنه، قال:
سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا يدعو في صلاته لم يمجّدِ الله تعالى، ولم يصلّ على النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم:"عَجِلَ هَذَا" ثم دعاه، فقال له أو لغيره:"إذَا صَلَّى أحَدُكُمْ فَلْيَبْدأ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ سُبْحانَهُ وَالثَّناءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي على النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شاءَ" قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
[2/ 302] وروينا في كتاب الترمذي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تُصلِّيَ على نبيّك صلى الله عليه وسلم.
قلت: أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى والثناء عليه، ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك يختم الدعاء بهما، والآثار في هذا الباب كثيرة معروفة.
76 ـ بابُ الصَّلاة على الأنبياءِ وآلهم تبعًا لهم صلى الله عليهم وسلم
أجمعوا على الصلاة على نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك أجمع من يُعتدّ به على جوازها واستحبابها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالًا. وأما غيرُ الأنبياء فالجمهور على أنه لا يُصلّى عليهم ابتداء، فلا يقال: أبو بكر صلى الله عليه وسلم. واختُلف في هذا المنع، فقال بعض أصحابنا: هو حرام، وقال أكثرهم: مكروه كراهة تنزيه، وذهب كثير منهم إلى أنه خلاف الأوْلَى وليس مكروهًا، والصحيحُ الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه لأنه شعار أهل البدع،
[302] الترمذي (486)، وهو موقوف، وفي سنده أبو قرة الأسدي وهو مجهول، لا يُعرف اسمه ولا حاله. الفتوحات 3/ 334.
وقد نُهينا عن شعارهم. والمكروه هو ما ورد فيه نهيٌ مقصود. قال أصحابنا: والمعتمدُ في ذلك أن الصَّلاةَ صارتْ مخصوصةً في لسان السلف بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، كما أن قولنا: عز وجل، مخصوصٌ بالله سبحانه وتعالى، فكما لا يُقال: محمد عز وجل وإن كان عزيزًا جليلًا ـ لا يُقال: أبو بكر أو عليّ صلى الله عليه وسلم، وإن كان معناه صحيحًا.
واتفقوا على جواز جعل غير الأنبياء تبعًا لهم في الصلاة، فيُقال: اللَّهمّ صلّ على محمد، وعلى آل محمد، وأصحابه، وأزواجه، وذرِّيته، وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك؛ وقد أُمرنا به في التشهد، ولم يزل السلفُ عليه خارج الصلاة أيضًا. وأما السلام فقال الشيخ أبو محمد الجوينيُّ من أصحابنا: هو في معنى الصلاة فلا يُستعمل في الغائب، فلا يفرد به غير الأنبياء، فلا يُقال: عليّ عليه السلام؛ وسواء في هذا الأحياء والأموات. وأما الحاضر فيُخاطب به فيقال: سلام عليك، أو: سلام عليكم، أو: السَّلام عليك، أو: عليكم؛ وهذا مجمع عليه، وسيأتي إيضاحه في أبوابه إن شاء الله تعالى.
[فصل]: يُستحبّ الترضّي والترحّم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعبَّاد وسائر الأخيار، فيقال: رضي الله عنه، أو رحمه الله ونحو ذلك. وأما ما قاله بعض العلماء: إن قوله رضي الله عنه مخصوص بالصحابة، ويُقال في غيرهم: رحمه الله فقط، فليس كما قال، ولا يوافق عليه، بل الصحيح الذي عليه الجمهور استحبابه، ودلائله أكثر من أن تُحصر، فإن كان المذكور صحابيًا ابن صحابي قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما، وكذا ابن عباس، وابن الزبير، وابن جعفر، وأُسامة بن زيد ونحوهم، لتشمله وأباه جميعًا.
[فصل]: فإن قيل: إذا ذكر لقمان ومريم هل يُصلّي عليهما كالأنبياء،
أم يترضّى كالصحابة والأولياء، أم يقول عليهما السلام؟. فالجواب أن الجماهير من العلماء على أنهما ليسا نبيين، وقد شذّ من قال: نبيّان، ولا التفات إليه، ولا تعريج عليه، وقد أوضحتُ ذلك في كتاب "تهذيب الأسماء واللغات" فإذا عُرف ذلك، فقد قال بعض العلماء كلامًا يُفهم منه أنه يقول: قال لقمان أو مريم صلَّى الله على الأنبياء وعليه أو وعليها وسلم، قال: لأنهما يرتفعان عن حال من يُقال: رضي الله عنه، لما في القرآن مما يرفعهما؛ والذي أراه أن هذا لا بأس به، وأن الأرجح أن يقال: رضي الله عنه، أو عنها، لأن هذا مرتبة غير الأنبياء ولم يثبتْ كونهما نبيّين. وقد نقل إمام الحرمين إجماع العلماء على أن مريم ليست نبيّة ـ ذكره في الإِرشاد ـ ولو قال: عليه السلام، أو: عليها، فالظاهر أنه لا بأس به، والله أعلم.