الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَصِلَ السِّنُّ إِلَى مُنْتَهَاهُ، فَحِينَئِذٍ جَعَلَ زِيَادَةَ عَدَدِ الْوَاجِبِ فِي مُقَابَلَةِ زِيَادَةِ عَدَدِ الْمَالِ.
فَاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ أَنْ جَعَلَ فِي الْأَمْوَالِ قَدْرًا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ، وَلَا يُجْحِفُ بِهَا، وَيَكْفِي الْمَسَاكِينَ، وَلَا يَحْتَاجُونَ مَعَهُ إِلَى شَيْءٍ، فَفَرَضَ فِي أَمْوَالِ الْأَغْنِيَاءِ مَا يَكْفِي الْفُقَرَاءَ، فَوَقَعَ الظُّلْمُ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ، الْغَنِيُّ يَمْنَعُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَالْآخِذُ يَأْخُذُ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ، فَتَوَلَّدَ مِنْ بَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَفَاقَةٌ شَدِيدَةٌ أَوْجَبَتْ لَهُمْ أَنْوَاعَ الْحِيَلِ وَالْإِلْحَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَالرَّبُّ سُبْحَانَهُ تَوَلَّى قَسْمَ الصَّدَقَةِ بِنَفْسِهِ وَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ، يَجْمَعُهَا صِنْفَانِ مِنَ النَّاسِ.
أَحَدُهُمَا: مَنْ يَأْخُذُ لِحَاجَةٍ فَيَأْخُذُ بِحَسَبِ شِدَّةِ الْحَاجَةِ وَضَعْفِهَا وَكَثْرَتِهَا وَقِلَّتِهَا، وَهُمُ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ، وَفِي الرِّقَابِ، وَابْنِ السَّبِيلِ.
وَالثَّانِي: مَنْ يَأْخُذُ لِمَنْفَعَتِهِ وَهُمُ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا، وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ، وَالْغَارِمُونَ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَالْغُزَاةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْآخِذُ مُحْتَاجًا، وَلَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَا سَهْمَ لَهُ فِي الزَّكَاةِ.
[فَصْلٌ إِعْطَاؤُهُ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلزَّكَاةِ]
فَصْلٌ.
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَلِمَ مِنَ الرَّجُلِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ أَعْطَاهُ، وَإِنْ سَأَلَهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَلَمْ يَعْرِفْ حَالَهُ، أَعْطَاهُ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهُ لَا حَظَّ فِيهَا لِغَنِيٍّ وَلَا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ.
وَكَانَ يَأْخُذُهَا مِنْ أَهْلِهَا، وَيَضَعُهَا فِي حَقِّهَا.
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ تَفْرِيقُ الزَّكَاةِ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ الَّذِينَ فِي بَلَدِ الْمَالِ، وَمَا فَضَلَ عَنْهُمْ مِنْهَا حُمِلَتْ إِلَيْهِ فَفَرَّقَهَا هُوَ صلى الله عليه وسلم، وَلِذَلِكَ كَانَ يَبْعَثُ سُعَاتَهُ إِلَى الْبَوَادِي، وَلَمْ يَكُنْ يَبْعَثُهُمْ إِلَى الْقُرَى، بَلْ أَمَرَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَاءِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَيُعْطِيَهَا فُقَرَاءَهُمْ، وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِحَمْلِهَا إِلَيْهِ.
وَلَمْ يَكُنْ مِنْ هَدْيِهِ أَنْ يَبْعَثَ سُعَاتَهُ إِلَّا إِلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ مِنَ الْمَوَاشِي وَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، وَكَانَ يَبْعَثُ الْخَارِصَ فَيَخْرُصُ عَلَى أَرْبَابِ النَّخِيلِ تَمْرَ نَخِيلِهِمْ، وَيَنْظُرُ كَمْ يَجِيءُ مِنْهُ وَسْقًا، فَيَحْسِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الزَّكَاةِ بِقَدْرِهِ، وَكَانَ يَأْمُرُ
الْخَارِصَ أَنْ يَدَعَ لَهُمُ الثُّلُثَ أَوِ الرُّبُعَ فَلَا يَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ، لِمَا يَعْرُو النَّخِيلَ مِنَ النَّوَائِبِ، وَكَانَ هَذَا الْخَرْصُ لِكَيْ تُحْصَى الزَّكَاةُ قَبْلَ أَنْ تُؤْكَلَ الثِّمَارُ وَتُصْرَمَ، وَلِيَتَصَرَّفَ فِيهَا أَرْبَابُهَا بِمَا شَاءُوا وَيَضْمَنُوا قَدْرَ الزَّكَاةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ يَبْعَثُ الْخَارِصَ إِلَى مَنْ سَاقَاهُ مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ وَزَارَعَهُ، فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمُ الثِّمَارَ وَالزُّرُوعَ وَيُضَمِّنُهُمْ شَطْرَهَا، وَكَانَ يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، فَأَرَادُوا أَنْ يَرْشُوهُ فَقَالَ عبد الله: ( «تُطْعِمُونِي السُّحْتَ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَلَأَنْتُمْ