الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى أَنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ خُصُّوا بِالتَّحْلِيلِ مِنَ الْإِحْرَامِ مَعَ سَوْقِ الْهَدْيِ دُونَ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ آخَرُونَ، مِنْهُمْ شَيْخُنَا أبو العباس. وَقَالُوا: مَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيثَ الْمُسْتَفِيضَةَ الصَّحِيحَةَ، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحِلَّ لَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِمَّنْ سَاقَ الْهَدْيَ.
[فصل فِي أَعْذَارِ الَّذِينَ وَهِمُوا فِي صِفَةِ حَجَّتِهِ]
فَصْلٌ
فِي أَعْذَارِ الَّذِينَ وَهِمُوا فِي صِفَةِ حَجَّتِهِ
أَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ حَجَّ حَجًّا مُفْرَدًا، لَمْ يَعْتَمِرْ فِيهِ، فَعُذْرُهُ مَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ عائشة، أَنَّهَا قَالَتْ:«خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ» . وَقَالُوا: هَذَا التَّقْسِيمُ وَالتَّنْوِيعُ صَرِيحٌ فِي إِهْلَالِهِ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ.
ولمسلم عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( «أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا» ) .
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ» ) .
وَفِي " صَحِيحِ مسلم "، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ بِالْحَجِّ» .
وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ "، عَنْ جابر، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَفْرَدَ الْحَجَّ» ) .
وَفِي " صَحِيحِ مسلم " عَنْهُ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ» .
وَفِي" سُنَنِ أبي داود ": حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَوُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة قَالَتْ:«خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَالَ: (مَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ» ) ثُمَّ انْفَرَدَ وهيب فِي حَدِيثِهِ بِأَنْ قَالَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم: ( «فَإِنِّي لَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ» ) . وَقَالَ الْآخَرُ: ( «وَأَمَّا أَنَا فَأُهِلُّ بِالْحَجِّ» ) فَصَحَّ بِمَجْمُوعِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ (أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا) .
فَأَرْبَابُ هَذَا الْقَوْلِ عُذْرُهُمْ ظَاهِرٌ كَمَا تَرَى، وَلَكِنْ مَا عُذْرُهُمْ فِي حُكْمِهِ وَخَبَرِهِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَخْبَرَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ، وَخَبَرُ مَنْ هُوَ تَحْتَ بَطْنِ نَاقَتِهِ، وَأَقْرَبُ إِلَيْهِ حِينَئِذٍ مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ مِنْ أَصْدَقِ النَّاسِ يَسْمَعُهُ
يَقُولُ: ( «لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ» ) ، وَخَبَرُ مَنْ هُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم، عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، حِينَ يُخْبِرُ أَنَّهُ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا، وَلَبَّى بِهِمَا جَمِيعًا، وَخَبَرُ زَوْجَتِهِ حفصة فِي تَقْرِيرِهِ لَهَا عَلَى أَنَّهُ مُعْتَمِرٌ بِعُمْرَةٍ لَمْ يَحِلَّ مِنْهَا، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا، بَلْ صَدَّقَهَا، وَأَجَابَهَا بِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ حَاجٌّ، وَهُوَ صلى الله عليه وسلم لَا يُقِرُّ عَلَى بَاطِلٍ يَسْمَعُهُ أَصْلًا، بَلْ يُنْكِرُهُ.
وَمَا عُذْرُهُمْ عَنْ خَبَرِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نَفْسِهِ بِالْوَحْيِ الَّذِي جَاءَهُ مِنْ رَبِّهِ، يَأْمُرُهُ فِيهِ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ فِي عُمْرَةٍ، وَمَا عُذْرُهُمْ عَنْ خَبَرِ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ قَرَنَ؛ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحُجُّ بَعْدَهَا، وَخَبَرِ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ وَلَيْسَ مَعَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ أَفْرَدَ الْحَجَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْبَتَّةَ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْهُ: إِنِّي أَفْرَدْتُ، وَلَا أَتَانِي آتٍ مِنْ رَبِّي يَأْمُرُنِي بِالْإِفْرَادِ، وَلَا قَالَ أَحَدٌ: مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا، وَلَمْ تَحِلَّ مِنْ حَجَّتِكَ، كَمَا حَلُّوا هُمْ بِعُمْرَةٍ، وَلَا قَالَ أَحَدٌ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ الْبَتَّةَ، وَلَا بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، وَلَا قَالَ أَحَدٌ: إِنَّهُ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ الرَّابِعَةَ بَعْدَ حَجَّتِهِ، وَقَدْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ سَمِعُوهُ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ قَارِنٌ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى دَفْعِ ذَلِكَ إِلَّا بِأَنْ يُقَالَ: لَمْ يَسْمَعُوهُ.
وَمَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ تَطَرُّقَ الْوَهْمِ وَالْغَلَطِ إِلَى مَنْ أَخْبَرَ عَمَّا فَهِمَهُ هُوَ مِنْ فِعْلِهِ يَظُنُّهُ كَذَلِكَ أَوْلَى مِنْ تَطَرُّقِ التَّكْذِيبِ إِلَى مَنْ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَذَا وَكَذَا وَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ فَإِنَّ هَذَا لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ إِلَّا التَّكْذِيبُ، بِخِلَافِ خَبَرِ مَنْ أَخْبَرَ عَمَّا ظَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ وَكَانَ وَاهِمًا، فَإِنَّهُ لَا يُنْسَبُ إِلَى الْكَذِبِ، وَلَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ عَلِيًّا، وَأَنَسًا، وَالْبَرَاءَ، وَحَفْصَةَ عَنْ أَنْ يَقُولُوا: سَمِعْنَاهُ يَقُولُ: كَذَا وَلَمْ يَسْمَعُوهُ وَنَزَّهَهُ رَبُّهُ تبارك وتعالى، أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ: أَنِ افْعَلْ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَفْعَلْهُ، هَذَا مِنْ أَمْحَلِ الْمُحَالِ وَأَبْطَلِ الْبَاطِلِ، فَكَيْفَ وَالَّذِينَ ذَكَرُوا الْإِفْرَادَ عَنْهُ لَمْ يُخَالِفُوا هَؤُلَاءِ فِي مَقْصُودِهِمْ، وَلَا نَاقَضُوهُمْ، وَإِنَّمَا أَرَادُوا إِفْرَادَ الْأَعْمَالِ، وَاقْتِصَارَهُ عَلَى عَمَلِ الْمُفْرَدِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي عَمَلِهِ زِيَادَةٌ عَلَى عَمَلِ الْمُفْرَدِ.
وَمَنْ رَوَى عَنْهُمْ مَا يُوهِمُ خِلَافَ هَذَا، فَإِنَّهُ عَبَّرَ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ كَمَا سَمِعَ بكر بن عبد الله بن عمر يَقُولُ: أَفْرَدَ الْحَجَّ، فَقَالَ (لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْدَهُ) فَحَمَلَهُ عَلَى الْمَعْنَى. وَقَالَ سَالِمٌ ابْنُهُ عَنْهُ وَنَافِعٌ مَوْلَاهُ. إِنَّهُ تَمَتَّعَ، فَبَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ
بِالْحَجِّ، فَهَذَا سَالِمٌ يُخْبِرُ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ بَكْرٌ، وَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُ هَذَا عَنْهُ بِأَنَّهُ أُمِرَ بِهِ، فَإِنَّهُ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: وَبَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَكَذَا الَّذِينَ رَوَوُا الْإِفْرَادَ عَنْ عائشة رضي الله عنها، فَهُمَا: عروة، والقاسم، وَرَوَى الْقِرَانَ عَنْهَا عروة، ومجاهد، وأبو الأسود يَرْوِي عَنْ عروة الْإِفْرَادَ، وَالزُّهْرِيُّ يَرْوِي عَنْهُ الْقِرَانَ.
فَإِنْ قَدَّرْنَا تَسَاقُطَ الرِّوَايَتَيْنِ، سَلِمَتْ رِوَايَةُ مجاهد، وَإِنْ حُمِلَتْ رِوَايَةُ الْإِفْرَادِ عَلَى أَنَّهُ أَفْرَدَ أَعْمَالَ الْحَجِّ، تَصَادَقَتِ الرِّوَايَاتُ وَصَدَّقَ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلَا رَيْبَ أَنَّ قَوْلَ عائشة وَابْنِ عُمَرَ (أَفْرَدَ الْحَجَّ)، مُحْتَمِلٌ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ:
أَحَدُهَا: الْإِهْلَالُ بِهِ مُفْرَدًا.
الثَّانِي: إِفْرَادُ أَعْمَالِهِ.
الثَّالِثُ أَنَّهُ حَجَّ حَجَّةً وَاحِدَةً لَمْ يَحُجَّ مَعَهَا غَيْرَهَا، بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ فَإِنَّهَا كَانَتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمَا: تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَبَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَحَكَيَا فِعْلَهُ، فَهَذَا صَرِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَعْنًى وَاحِدٍ، فَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ بِالْمُجْمَلِ، وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وعمرة عَنْ عائشة أَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مَا يُنَاقِضُ رِوَايَةَ مجاهد وعروة عَنْهَا أَنَّهُ قَرَنَ، فَإِنَّ الْقَارِنَ حَاجٌّ مُهِلٌّ بِالْحَجِّ قَطْعًا، وَعُمْرَتُهُ جُزْءٌ مِنْ حَجَّتِهِ، فَمَنْ أَخْبَرَ عَنْهَا أَنَّهُ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَهُوَ غَيْرُ صَادِقٍ.
فَإِنْ ضُمَّتْ رِوَايَةُ مجاهد إِلَى رِوَايَةِ عمرة والأسود ثُمَّ ضُمَّتَا إِلَى رِوَايَةِ عروة تَبَيَّنَ مِنْ مَجْمُوعِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا، وَصَدَّقَ بَعْضُهَا بَعْضًا، حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْتَمِلْ قَوْلُ عائشة وَابْنِ عُمَرَ إِلَّا مَعْنَى الْإِهْلَالِ بِهِ مُفْرَدًا، لَوَجَبَ قَطْعًا أَنْ يَكُونَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ، وَقَوْلِ عائشة أَوْ عروة: إِنَّهُ صلى الله عليه وسلم (اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ) ، إِلَّا أَنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ لَا سَبِيلَ أَصْلًا إِلَى تَكْذِيبِ رُوَاتِهَا، وَلَا تَأْوِيلِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى غَيْرِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ وَلَا سَبِيلَ إِلَى تَقْدِيمِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُجْمَلَةِ الَّتِي قَدِ اضْطَرَبَتْ عَلَى رُوَاتِهَا، وَاخْتُلِفَ عَنْهُمْ فِيهَا، وَعَارَضَهُمْ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُمْ أَوْ مِثْلُهُمْ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا قَوْلُ جابر: إِنَّهُ (أَفْرَدَ الْحَجَّ) ، فَالصَّرِيحُ مِنْ حَدِيثِهِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، وَإِنَّمَا فِيهِ إِخْبَارُهُ عَنْهُمْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَنْوُونَ إِلَّا الْحَجَّ فَأَيْنَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبَّى بِالْحَجِّ مُفْرَدًا.
وَأَمَّا حَدِيثُهُ الْآخَرُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(أَفْرَدَ الْحَجَّ) » ، فَلَهُ ثَلَاثُ طُرُقٍ: أَجْوَدُهَا: طَرِيقُ الدراوردي عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، وَهَذَا يَقِينًا مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَمَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى، وَالنَّاسُ خَالَفُوا الدراوردي فِي ذَلِكَ. وَقَالُوا: أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ. وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: فِيهَا مطرف بن مصعب، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جعفر ومطرف قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: هُوَ مَجْهُولٌ، قُلْتُ: لَيْسَ هُوَ بِمَجْهُولٍ، وَلَكِنَّهُ ابْنُ أُخْتِ مالك رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ، وَبِشْرُ بْنُ مُوسَى، وَجَمَاعَةٌ. قَالَ أبو حاتم: صَدُوقٌ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يَأْتِي بِمَنَاكِيرَ، وَكَأَنَّ أبا محمد بن حزم رَأَى فِي النُّسْخَةِ مطرف بن مصعب فَجَهِلَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ مطرف أبو مصعب، وَهُوَ مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار.
وَمِمَّنْ غَلِطَ فِي هَذَا أَيْضًا، محمد بن عثمان الذهبي فِي كِتَابِهِ " الضُّعَفَاءِ " فَقَالَ: مطرف بن مصعب المدني عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.
قُلْتُ: وَالرَّاوِي عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، والدراوردي، ومالك هُوَ مطرف أبو مصعب المدني، وَلَيْسَ بِمُنْكَرِ الْحَدِيثِ، وَإِنَّمَا غَرَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَدِيٍّ يَأْتِي بِمَنَاكِيرَ، ثُمَّ سَاقَ لَهُ مِنْهَا ابْنُ عَدِيٍّ جُمْلَةً لَكِنْ هِيَ مِنْ رِوَايَةِ أحمد بن داود بن صالح عَنْهُ، كَذَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْبَلَاءُ فِيهَا مِنْهُ.
وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ: لِحَدِيثِ جابر فِيهَا محمد بن عبد الوهاب يُنْظَرُ فِيهِ مَنْ هُوَ وَمَا حَالُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، إِنْ كَانَ الطَّائِفِيُّ فَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ ابْنِ مَعِينٍ، ضَعِيفٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: سَاقِطٌ الْبَتَّةَ وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِيهِ لِغَيْرِهِ، وَقَدِ اسْتَشْهَدَ بِهِ مسلم، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ؟ قُلْتُ: لَيْسَ بِغَيْرِهِ بَلْ هُوَ الطَّائِفِيُّ يَقِينًا. وَبِكُلِّ حَالٍ فَلَوْ صَحَّ هَذَا عَنْ جابر لَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَرْوِيِّ عَنْ عائشة وَابْنِ عُمَرَ وَسَائِرِ الرُّوَاةِ الثِّقَاتِ، إِنَّمَا قَالُوا: (أَهَلَّ