الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[عُذْرُ مَنْ قَالَ حَجَّ صلى الله عليه وسلم قَارِنًا طَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهُ حَجَّ قَارِنًا قِرَانًا طَافَ لَهُ طَوَافَيْنِ، وَسَعَى لَهُ سَعْيَيْنِ، كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ، فَعُذْرُهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ مجاهد، «عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا، وَقَالَ: سَبِيلُهُمَا وَاحِدٌ، قَالَ: وَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ، وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ. وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ» .
وَعَنْ علي رضي الله عنه أَيْضًا «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَارِنًا، فَطَافَ طَوَافَيْنِ، وَسَعَى سَعْيَيْنِ» .
وَعَنْ علقمة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:«طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ طَوَافَيْنِ، وَسَعَى سَعْيَيْنِ، وأبو بكر، وعمر، وعلي، وَابْنُ مَسْعُودٍ» . وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَافَ طَوَافَيْنِ، وَسَعَى سَعْيَيْنِ» .
وَمَا أَحْسَنَ هَذَا الْعُذْرَ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَحِيحَةً، بَلْ لَا يَصِحُّ مِنْهَا حَرْفٌ وَاحِدٌ.
أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَفِيهِ الحسن بن عمارة، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَرْوِهِ عَنِ الحكم غَيْرُ الحسن بن عمارة، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ علي رضي الله عنه الْأَوَّلُ، فَيَرْوِيهِ حفص بن أبي داود. وَقَالَ أحمد ومسلم: حفص مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ خِرَاشٍ: هُوَ كَذَّابٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، ضَعِيفٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُهُ الثَّانِي: فَيَرْوِيهِ عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي. حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عيسى بن عبد الله يُقَالُ لَهُ مُبَارَكٌ، وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ علقمة عَنْ عبد الله، فَيَرْوِيهِ أبو بردة عمرو بن يزيد، عَنْ حماد عَنْ إبراهيم، عَنْ علقمة. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وأبو بردة ضَعِيفٌ، وَمَنْ دُونَهُ فِي الْإِسْنَادِ ضُعَفَاءُ انْتَهَى. وَفِيهِ عبد العزيز بن أبان، قَالَ يحيى: هُوَ كَذَّابٌ خَبِيثٌ. وَقَالَ الرازي وَالنَّسَائِيُّ: مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، فَهُوَ مِمَّا غَلِطَ فِيهِ محمد بن يحيى الأزدي، وَحَدَّثَ بِهِ مِنْ حِفْظِهِ، فَوَهِمَ فِيهِ، وَقَدْ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الصَّوَابِ مِرَارًا، وَيُقَالُ: إِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذِكْرِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ.
وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ الدراوردي، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نافع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( «مَنْ قَرَنَ بَيْنَ حَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ، أَجْزَأَهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ» ) . وَلَفْظُ الترمذي: ( «مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا، حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» ) .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ (عَنْ عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: «خَرَجْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ قَالَ: " مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، ثُمَّ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا، فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» ) .
وَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لعائشة: ( «إِنَّ طَوَافَكِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، يَكْفِيكِ لِحَجَّكِ وَعُمْرَتِكِ» ) .
وَرَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عطاء، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ» . وعبد الملك: أَحَدُ الثِّقَاتِ الْمَشْهُورِينَ، احْتَجَّ بِهِ مسلم، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: الْمِيزَانُ، وَلَمْ يُتَكَلَّمْ فِيهِ بِضَعْفٍ وَلَا جُرْحٍ، وَإِنَّمَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ حَدِيثُ الشُّفْعَةِ.
وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْهُ عَارُهَا
وَقَدْ رَوَى الترمذي عَنْ جابر رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا» ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ سفيان، وشعبة، وَابْنُ نُمَيْرٍ، وعبد الرزاق، وَالْخَلْقُ عَنْهُ. قَالَ الثَّوْرِيُّ: وَمَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْرَفُ بِمَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ مِنْهُ، وَعِيبَ عَلَيْهِ التَّدْلِيسُ، وَقَلَّ مَنْ سَلِمَ مِنْهُ. وَقَالَ أحمد: كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ، وَهُوَ صَدُوقٌ يُدَلِّسُ. وَقَالَ أبو حاتم: إِذَا قَالَ حَدَّثَنَا، فَهُوَ صَادِقٌ لَا نَرْتَابُ فِي صِدْقِهِ وَحِفْظِهِ.
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ، مِنْ حَدِيثِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عطاء، وطاووس، ومجاهد، عَنْ جابر، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ
يَطُفْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا لِعُمْرَتِهِمْ وَحَجِّهِمْ» ، وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ مسلم، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَا بَأْسَ بِهِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: كَانَ صَاحِبَ سُنَّةٍ، وَإِنَّمَا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ الْجَمْعَ بَيْنَ عطاء وطاووس ومجاهد حَسْبُ، وَقَالَ عبد الوارث: كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ الْعِلْمِ، وَقَالَ أحمد: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ، وَلَكِنْ حَدَّثَ عَنْهُ النَّاسُ، وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ، ويحيى فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ، وَمِثْلُ هَذَا حَدِيثُهُ حَسَنٌ. وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الصِّحَّةِ.
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ جابر قَالَ: ( «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عائشة، ثُمَّ وَجَدَهَا تَبْكِي فَقَالَ: " مَا يُبْكِيكِ؟ "، فَقَالَتْ: قَدْ حِضْتُ وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ، وَلَمْ أَحِلَّ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ: " اغْتَسِلِي ثُمَّ أَهِلِّي فَفَعَلَتْ، ثُمَّ وَقَفَتِ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ، طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ قَالَ: " قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكَ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا» ) .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أُمُورٍ، أَحَدُهَا: أَنَّهَا كَانَتْ قَارِنَةً، وَالثَّانِي: أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الْعُمْرَةِ الَّتِي حَاضَتْ فِيهَا، ثُمَّ أَدْخَلَتْ عَلَيْهَا الْحَجَّ، وَأَنَّهَا لَمْ تَرْفُضْ إِحْرَامَ الْعُمْرَةِ بِحَيْضِهَا، وَإِنَّمَا رَفَضَتْ أَعْمَالَهَا وَالِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا، وعائشة لَمْ تَطُفْ أَوَّلًا طَوَافَ الْقُدُومِ، بَلْ لَمْ تَطُفْ إِلَّا بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَسَعَتْ مَعَ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيُ بَعْدُ يَكْفِي الْقَارِنَ، فَلِأَنْ يَكْفِيَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ مَعَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَالسَّعْيُ بَعْدُ يَكْفِي الْقَارِنَ، فَلِأَنْ يَكْفِيَهُ طَوَافُ الْقُدُومِ مَعَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ مَعَ أَحَدِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، لَكِنَّ عائشة تَعَذَّرَ عَلَيْهَا الطَّوَافُ الْأَوَّلُ، فَصَارَتْ قِصَّتُهَا حُجَّةً، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الطَّوَافُ الْأَوَّلُ، تَفْعَلُ كَمَا فَعَلَتْ عائشة، تُدْخِلُ
الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ، وَتَصِيرُ قَارِنَةً، وَيَكْفِيهَا لَهُمَا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَالسَّعْيُ عَقِيبَهُ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَطُفْ طَوَافَيْنِ، وَلَا سَعَى سَعْيَيْنِ. قَوْلُ عائشة رضي الله عنها: وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ جابر:«لَمْ يَطُفِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، طَوَافَهُ الْأَوَّلَ» . رَوَاهُ مسلم. وَقَوْلُهُ لعائشة: ( «يُجْزِئُ عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» ) رَوَاهُ مسلم. وَقَوْلُهُ لَهَا فِي رِوَايَةِ أبي داود: ( «طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا» ) .
وَقَوْلُهُ لَهَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ لَمَّا طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: " «قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا» "، قَالَ: وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ نَقَلُوا حَجَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُمْ نَقَلُوا أَنَّهُمْ لَمَّا طَافُوا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَمَرَهُمْ بِالتَّحْلِيلِ إِلَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ طَافَ وَسَعَى، ثُمَّ طَافَ وَسَعَى. وَمِنَ الْمَعْلُومِ، أَنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ. فَلَمَّا لَمْ يَنْقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ.
وَعُمْدَةُ مَنْ قَالَ بِالطَّوَافَيْنِ وَالسَّعْيَيْنِ، أَثَرٌ يَرْوِيهِ الْكُوفِيُّونَ، عَنْ علي وَآخَرُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما.
وَقَدْ رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ علي رضي الله عنه أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ، خِلَافَ مَا رَوَى أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَمَا رَوَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ، مِنْهُ مَا هُوَ مُنْقَطِعٌ، وَمِنْهُ مَا رِجَالُهُ مَجْهُولُونَ أَوْ مَجْرُوحُونَ، وَلِهَذَا طَعَنَ عُلَمَاءُ النَّقْلِ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كُلُّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ، لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَلَا كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَدْ نُقِلَ فِي ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا هُوَ مَوْضُوعٌ بِلَا رَيْبٍ. وَقَدْ حَلَفَ طَاوُوسٌ: مَا طَافَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ صلى الله عليه وسلم لِحَجَّتِهِ وَعُمْرَتِهِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا، وَقَدْ ثَبَتَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وجابر، وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم، وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمْ يُخَالِفُوهَا، بَلْ هَذِهِ الْآثَارُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يَطُوفُوا بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.