الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُرَادَهُ عَنْهُ. وَقِيلَ: هُوَ دُعَاءٌ لَهُ بِثَبَاتِهِ عَلَى قَوَائِمِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الشَّوَامِتِ وَهِيَ الْقَوَائِمُ.
وَقِيلَ: هُوَ تَشْمِيتٌ لَهُ بِالشَّيْطَانِ، لِإِغَاظَتِهِ بِحَمْدِ اللَّهِ عَلَى نِعْمَةِ الْعُطَاسِ، وَمَا حَصَلَ لَهُ بِهِ مِنْ مَحَابِّ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ، فَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ اللَّهَ وَحَمِدَهُ، سَاءَ ذَلِكَ الشَّيْطَانَ مِنْ وُجُوهٍ:
مِنْهَا: نَفْسُ الْعُطَاسِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَحَمْدُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَدُعَاءُ الْمُسْلِمِينَ لَهُ بِالرَّحْمَةِ، وَدُعَاؤُهُ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ، وَإِصْلَاحُ الْبَالِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ غَائِظٌ لِلشَّيْطَانِ، مُحْزِنٌ لَهُ، فَتَشْمِيتُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْظِ عَدُوِّهِ وَحُزْنِهِ وَكَآبَتِهِ، فَسُمِّيَ الدُّعَاءُ لَهُ بِالرَّحْمَةِ تَشْمِيتًا لَهُ، لِمَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ شَمَاتَتِهِ بِعَدُوِّهِ، وَهَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ إِذَا تَنَبَّهَ لَهُ الْعَاطِسُ وَالْمُشَمِّتُ انْتَفَعَا بِهِ وَعَظُمَتْ عِنْدَهُمَا مَنْفَعَةُ نِعْمَةِ الْعُطَاسِ فِي الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ، وَتَبَيَّنَ السِّرُّ فِي مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ الَّذِي هُوَ أَهْلُهُ كَمَا يَنْبَغِي لِكَرِيمِ وَجْهِهِ وَعِزِّ جَلَالِهِ.
[فَصْلٌ آدَابُ الْعُطَاسِ]
فَصْلٌ
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُطَاسِ مَا ذَكَرَهُ أبو داود، وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:( «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ، وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بَهْ صَوْتَهُ» ) قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَيُذْكَرُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم: ( «إِنَّ التَّثَاؤُبَ الشَّدِيدَ، وَالْعَطْسَةَ الشَّدِيدَةَ مِنَ الشَّيْطَانِ» )
وَيُذْكَرُ عَنْهُ ( «إِنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالتَّثَاؤُبِ وَالْعُطَاسِ» ) .
وَصَحَّ عَنْهُ: ( «إِنَّهُ عَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: " يَرْحَمُكَ اللَّهُ ". ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى، فَقَالَ: الرَّجُلُ مَزْكُومٌ» ) . هَذَا لَفْظُ مسلم أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا الترمذي: فَقَالَ فِيهِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ: ( «عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا شَاهِدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَرْحَمُكَ اللَّهُ "، ثُمَّ عَطَسَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ» ) .
قَالَ الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ رَوَى أبو داود عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (شَمِّتْ أَخَاكَ ثَلَاثًا، فَمَا زَادَ، فَهُوَ زُكَامٌ)
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ سعيد، قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنَّهُ رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَاهُ. قَالَ أبو داود: رَوَاهُ أبو نعيم، عَنْ موسى بن قيس، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سعيد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى. وموسى بن قيس هَذَا الَّذِي رَفَعَهُ هُوَ الحضرمي الكوفي يعرف بعصفور الجنة. قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لَا بَأْسَ بِهِ.
وَذَكَرَ أبو داود، عَنْ عبيد بن رفاعة الزرقي، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «تُشَمِّتُ الْعَاطِسَ ثَلَاثًا، فَإِنْ شِئْتَ فَشَمِّتْهُ، وَإِنْ شِئْتَ فَكُفَّ» )، وَلَكِنْ لَهُ عِلَّتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: إِرْسَالُهُ فَإِنَّ عبيدا هَذَا لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ فِيهِ أبا خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالاني، وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ.
وَفِي الْبَابِ حَدِيثٌ آخَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ ( «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيُشَمِّتْهُ جَلِيسُهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَهُوَ مَزْكُومٌ، وَلَا تُشَمِّتْهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ» ) وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ حَدِيثُ أبي داود الَّذِي قَالَ فِيهِ: رَوَاهُ أبو نعيم، عَنْ موسى بن قيس، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سعيد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ.
فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ بَهْ زُكَامٌ، فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُدْعَى لَهُ مِمَّنْ لَا عِلَّةَ بِهِ؟ قِيلَ: يُدْعَى لَهُ كَمَا يُدْعَى لِلْمَرِيضِ، وَمَنْ بِهِ دَاءٌ وَوَجَعٌ.
وَأَمَّا سُنَّةُ الْعُطَاسِ الَّذِي يُحِبُّهُ اللَّهُ، وَهُوَ نِعْمَةٌ، وَيَدُلُّ عَلَى خِفَّةِ الْبَدَنِ، وَخُرُوجِ الْأَبْخِرَةِ الْمُحْتَقِنَةِ، فَإِنَّمَا يَكُونُ إِلَى تَمَامِ الثَّلَاثِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا يُدْعَى لِصَاحِبِهِ بِالْعَافِيَةِ.
وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: (الرَّجُلُ مَزْكُومٌ) تَنْبِيهٌ عَلَى الدُّعَاءِ لَهُ بِالْعَافِيَةِ؛ لِأَنَّ الزَّكْمَةَ عِلَّةٌ، وَفِيهِ اعْتِذَارٌ مِنْ تَرْكِ تَشْمِيتِهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ لِيَتَدَارَكَهَا وَلَا يُهْمِلَهَا، فَيَصْعُبُ أَمْرُهَا، فَكَلَامُهُ صلى الله عليه وسلم كُلُّهُ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَعِلْمٌ وَهُدًى.
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الْعَاطِسَ إِذَا حَمِدَ اللَّهَ فَسَمِعَهُ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ دُونَ بَعْضٍ، هَلْ يُسَنُّ لِمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ تَشْمِيتُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، وَالْأَظْهَرُ: أَنَّهُ يُشَمِّتُهُ إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ سَمَاعَ الْمُشَمِّتِ لِلْحَمْدِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ نَفْسُ حَمْدِهِ، فَمَتَى تَحَقَّقَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ التَّشْمِيتُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُشَمِّتُ أَخْرَسَ وَرَأَى حَرَكَةَ شَفَتَيْهِ بِالْحَمْدِ. ( «وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَإِنْ حَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ» ) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا تَرَكَ الْحَمْدَ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَضَرَهُ أَنْ يُذَكِّرَهُ الْحَمْدَ؟ قَالَ ابن العربي: لَا يُذَكِّرُهُ، قَالَ: وَهَذَا جَهْلٌ مِنْ فَاعِلِهِ. وَقَالَ النووي: أَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ