الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفَعَلَ هَذَا، وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ النُّهْبَةِ فِي النِّثَارِ فِي الْعُرْسِ وَنَحْوِهِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا لَا يَتَبَيَّنُ.
[فَصْلٌ هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم فِي ذَبْحِ هَدْيِ الْعُمْرَةِ وَالْقِرَانِ]
فَصْلٌ
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم ذَبْحُ هَدْيِ الْعُمْرَةِ عِنْدَ الْمَرْوَةِ، وَهَدْيِ الْقِرَانِ بِمِنًى، وَكَذَلِكَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُ، وَلَمْ يَنْحَرْ هَدْيَهُ صلى الله عليه وسلم قَطُّ إِلَّا بَعْدَ أَنْ حَلَّ، وَلَمْ يَنْحَرْهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَلْبَتَّةَ، وَلَمْ يَنْحَرْهُ أَيْضًا إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ الرَّمْيِ، فَهِيَ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ مُرَتَّبَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ، أَوَّلُهَا: الرَّمْيُ، ثُمَّ النَّحْرُ، ثُمَّ الْحَلْقُ، ثُمَّ الطَّوَافُ، وَهَكَذَا رَتَّبَهَا صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي النَّحْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَلْبَتَّةَ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِهَدْيِهِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ إِذَا ذُبِحَتْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
[فَصْلٌ هَدْيُهُ فِي الْأَضَاحِي]
فَصْلٌ وَأَمَّا هَدْيُهُ فِي الْأَضَاحِي فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَدَعُ الْأُضْحِيَّةَ، وَكَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَكَانَ يَنْحَرُهُمَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ ( «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ» ) هَذَا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ سُنَّتُهُ وَهَدْيُهُ لَا الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ، بَلْ بِنَفْسِ فِعْلِهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ ( «وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَذْبَحُوا الْجَذَعَ مِنَ الضَّأْنِ وَالثَّنِيَّ مِمَّا سِوَاهُ» ) وَهِيَ الْمُسِنَّةُ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ( «كُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» ) لَكِنَّ الْحَدِيثَ مُنْقَطِعٌ لَا يَثْبُتُ وَصْلُهُ.
وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنِ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِي فَوْقَ ثَلَاثٍ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَيَّامَ الذَّبْحِ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ دَلِيلٌ عَلَى نَهْيِ الذَّابِحِ أَنْ يَدَّخِرَ شَيْئًا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ ذَبْحِهِ، فَلَوْ أَخَّرَ الذَّبْحَ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ لَجَازَ لَهُ الِادِّخَارُ وَقْتَ النَّهْيِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالَّذِينَ حَدَّدُوهُ بِالثَّلَاثِ
فَهِمُوا مِنْ نَهْيِهِ عَنِ الِادِّخَارِ فَوْقَ ثَلَاثٍ أَنَّ أَوَّلَهَا مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، قَالُوا: وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ مَشْرُوعًا فِي وَقْتٍ يَحْرُمُ فِيهِ الْأَكْلُ، قَالُوا: ثُمَّ نُسِخَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ فَبَقِيَ وَقْتُ الذَّبْحِ بِحَالِهِ.
فَيُقَالُ لَهُمْ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَ إِلَّا عَنِ الِادِّخَارِ فَوْقَ ثَلَاثٍ لَمْ يَنْهَ عَنِ التَّضْحِيَةِ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ؟ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ مَا نَهَى عَنْهُ، وَبَيْنَ اخْتِصَاصِ الذَّبْحِ بِثَلَاثٍ لِوَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَسُوغُ الذَّبْحُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، فَيَجُوزُ لَهُ الِادِّخَارُ إِلَى تَمَامِ الثَّلَاثِ مِنْ يَوْمِ الذَّبْحِ، وَلَا يَتِمُّ لَكُمُ الِاسْتِدْلَالُ حَتَّى يَثْبُتَ النَّهْيُ عَنِ الذَّبْحِ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ إِلَى هَذَا.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ لَسَاغَ لَهُ حِينَئِذٍ الِادِّخَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ، وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه: أَيَّامُ النَّحْرِ يَوْمُ الْأَضْحَى، وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ إِمَامِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ الحسن، وَإِمَامِ أَهْلِ مَكَّةَ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَإِمَامِ أَهْلِ الشَّامِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَإِمَامِ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَاخْتَارَهُ ابن المنذر؛ وَلِأَنَّ الثَّلَاثَةَ تَخْتَصُّ بِكَوْنِهَا أَيَّامَ مِنًى، وَأَيَّامَ الرَّمْيِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ، وَيَحْرُمُ صِيَامُهَا، فَهِيَ إِخْوَةٌ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ فَكَيْفَ تَفْتَرِقُ فِي جَوَازِ الذَّبْحِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إِجْمَاعٍ. وَرُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَشُدُّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:( «كُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ذَبْحٌ» ) رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ، وَمِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عطاء عن جابر.