الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَجَّحَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ هَذَا التَّأْوِيلَ، بِأَنَّ الصَّائِمَ لَمَّا ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ مَسَالِكَ الشَّهَوَاتِ وَطُرُقَهَا بِالصَّوْمِ ضَيَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ، فَلَا يَبْقَى لَهُ فِيهَا مَكَانٌ، لِأَنَّهُ ضَيَّقَ طُرُقَهَا عَنْهُ، وَرَجَّحَتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى تَأْوِيلَهَا بِأَنْ قَالَتْ: لَوْ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى لَقَالَ: ضُيِّقَتْ عَنْهُ، وَأَمَّا التَّضْيِيقُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ إِلَّا وَهُوَ فِيهَا.
قَالُوا: وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُوَافِقٌ لِأَحَادِيثِ كَرَاهَةِ صَوْمِ الدَّهْرِ، وَأَنَّ فَاعِلَهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَصُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فصل في حكم صوم المتطوع]
فَصْلٌ ( «وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِهِ فَيَقُولُ: " هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ " فَإِنْ قَالُوا: لَا. قَالَ: " إِنِّي إِذًا صَائِمٌ " فَيُنْشِئُ النِّيَّةَ لِلتَّطَوُّعِ مِنَ النَّهَارِ» ) وَكَانَ أَحْيَانًا يَنْوِي صَوْمَ التَّطَوُّعِ ثُمَّ يُفْطِرُ بَعْدُ، أَخْبَرَتْ عَنْهُ عائشة رضي الله عنها بِهَذَا وَهَذَا، فَالْأَوَّلُ فِي " صَحِيحِ مسلم "، وَالثَّانِي: فِي " كِتَابِ النَّسَائِيِّ ". وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي فِي " السُّنَنِ " عَنْ عائشة: ( «كُنْتُ أَنَا وحفصة صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ،
فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَدَرَتْنِي إِلَيْهِ حفصة، وَكَانَتِ ابْنَةَ أَبِيهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّا كُنَّا صَائِمَتَيْنِ، فَعَرَضَ لَنَا طَعَامٌ اشْتَهَيْنَاهُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ، فَقَالَ: اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ» ) فَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ.
قَالَ الترمذي: رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، ومعمر، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عائشة مُرْسَلًا لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عروة، وَهَذَا أَصَحُّ.
وَرَوَاهُ أبو داود، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ حيوة بن شريح، عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ زميل مولى عروة، عَنْ عروة، عَنْ عائشة مَوْصُولًا، قَالَ النَّسَائِيُّ: زميل لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَا يُعْرَفُ لزميل سَمَاعٌ مِنْ عروة، وَلَا ليزيد بن الهاد مِنْ زميل، وَلَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ.
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ صَائِمًا وَنَزَلَ عَلَى قَوْمٍ أَتَمَّ صِيَامَهُ وَلَمْ يُفْطِرْ، كَمَا ( «دَخَلَ عَلَى أم سليم، فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ، فَقَالَ: أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ، وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ، فَإِنِّي صَائِمٌ» ) . وَلَكِنَّ أم سليم كَانَتْ عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي " الصَّحِيحِ ": عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: ( «إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيَقُلْ: إِنِّي صَائِمٌ» ) .