الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي " السُّنَنِ " عَنْهُ أَيْضًا: ( «إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ. وَمَنْ سَقَاهُ اللَّهُ لَبَنًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِيهِ وَزِدْنَا مِنْهُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ وَيُجْزِئُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ غَيْرَ اللَّبَنِ» ) حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَيُذْكَرُ عَنْهُ أَنَّهُ: ( «كَانَ إِذَا شَرِبَ فِي الْإِنَاءِ تَنَفَّسَ ثَلَاثَةَ أَنْفَاسٍ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ فِي كُلِّ نَفَسٍ، وَيَشْكُرُهُ فِي آخِرِهِنَّ» )
[فَصْلٌ في أَحْكَامُ الطَّعَامِ]
فَصْلٌ ( «وَكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ رُبَّمَا يَسْأَلُهُمْ هَلْ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ وَمَا عَابَ طَعَامًا قَطُّ، بَلْ كَانَ إِذَا اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ وَسَكَتَ» ) وَرُبَّمَا قَالَ: ( «أَجِدُنِي أَعَافُهُ، إِنِّي لَا أَشْتَهِيهِ» )
وَكَانَ يَمْدَحُ الطَّعَامَ أَحْيَانًا، كَقَوْلِهِ لَمَّا سَأَلَ أَهْلَهُ الْإِدَامَ فَقَالُوا: مَا عِنْدَنَا إِلَّا خَلٌّ، فَدَعَا بِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُ وَيَقُولُ:( «نِعْمَ الْأُدْمُ الْخَلُّ» ) وَلَيْسَ فِي هَذَا تَفْضِيلٌ لَهُ عَلَى اللَّبَنِ وَاللَّحْمِ وَالْعَسَلِ وَالْمَرَقِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَدْحٌ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ الَّتِي حَضَرَ فِيهَا، وَلَوْ حَضَرَ لَحْمٌ أَوْ لَبَنٌ كَانَ أَوْلَى بِالْمَدْحِ مِنْهُ، وَقَالَ هَذَا جَبْرًا وَتَطْيِيبًا لِقَلْبِ مَنْ قَدَّمَهُ، لَا تَفْضِيلًا لَهُ عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الْإِدَامِ.
«وَكَانَ إِذَا قُرِّبَ إِلَيْهِ طَعَامٌ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ: (إِنِّي صَائِمٌ» ) وَأَمَرَ مَنْ قُرِّبَ إِلَيْهِ الطَّعَامُ وَهُوَ صَائِمٌ أَنْ يُصَلِّيَ أَيْ يَدْعُو لِمَنْ قَدَّمَهُ، وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ.
وَكَانَ إِذَا دُعِيَ لِطَعَامٍ وَتَبِعَهُ أَحَدٌ، أَعْلَمَ بِهِ رَبَّ الْمَنْزِلِ وَقَالَ:( «إِنَّ هَذَا تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ رَجَعَ» ) وَكَانَ يَتَحَدَّثُ عَلَى طَعَامِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْخَلِّ، وَكَمَا قَالَ لِرَبِيبِهِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ يُؤَاكِلُهُ:( «سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» ) .
وَرُبَّمَا كَانَ يُكَرِّرُ عَلَى أَضْيَافِهِ عَرْضَ الْأَكْلِ عَلَيْهِمْ مِرَارًا، كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْكَرَمِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هَرِيرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي قِصَّةِ شُرْبِ اللَّبَنِ وَقَوْلِهِ لَهُ مِرَارًا: اشْرَبْ "، فَمَا زَالَ يَقُولُ اشْرَبْ حَتَّى قَالَ:( «وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا» )
وَكَانَ إِذَا أَكَلَ عِنْدَ قَوْمٍ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يَدْعُوَ لَهُمْ فَدَعَا فِي مَنْزِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، فَقَالَ:( «اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِيمَا رَزَقْتَهُمْ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ» ) ذَكَرَهُ مسلم. وَدَعَا فِي مَنْزِلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ: ( «أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الْأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلَائِكَةُ» ) وَذَكَرَ أبو داود عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ «لَمَّا دَعَاهُ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَأَكَلُوا، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ: (أَثِيبُوا أَخَاكُمْ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا إِثَابَتُهُ؟ قَالَ: " إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا دُخِلَ بَيْتُهُ فَأُكِلَ طَعَامُهُ وَشُرِبَ شَرَابُهُ فَدَعَوْا لَهُ فَذَلِكَ إِثَابَتُهُ» ) . وَصَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ دَخَلَ مَنْزِلَهُ لَيْلَةً فَالْتَمَسَ طَعَامًا فَلَمْ يَجِدْهُ فَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي، وَاسْقِ مَنْ سَقَانِي) » .
وَذُكِرَ عَنْهُ «أَنَّ عمرو بن الحمق سَقَاهُ لَبَنًا فَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَمْتِعْهُ بِشَبَابِهِ) فَمَرَّتْ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَنَةً لَمْ يَرَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ» .
وَكَانَ يَدْعُو لِمَنْ يُضِيفُ الْمَسَاكِينَ، وَيُثْنِي عَلَيْهِمْ، فَقَالَ مَرَّةً: أَلَا رَجُلٌ يُضِيفُ هَذَا رحمه الله، وَقَالَ لِلْأَنْصَارِيِّ وَامْرَأَتِهِ اللَّذَيْنِ آثَرَا بِقُوتِهِمَا وَقُوتِ صِبْيَانِهِمَا ضَيْفَهُمَا:( «لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ» )
وَكَانَ لَا يَأْنَفُ مِنْ مُؤَاكَلَةِ أَحَدٍ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، أَعْرَابِيًّا أَوْ مُهَاجِرًا، حَتَّى لَقَدْ رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْهُ «أَنَّهُ أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ فَوَضَعَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ فَقَالَ (كُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثِقَةً بِاللَّهِ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ» )
وَكَانَ يَأْمُرُ بِالْأَكْلِ بِالْيَمِينِ وَيَنْهَى عَنِ «الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ» وَيَقُولُ ( «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ» ) وَمُقْتَضَى هَذَا تَحْرِيمُ الْأَكْلِ بِهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ الْآكِلَ بِهَا، إِمَّا شَيْطَانٌ وَإِمَّا مُشَبَّهٌ بِهِ. وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ «قَالَ لِرَجُلٍ أَكَلَ
عِنْدَهُ فَأَكَلَ بِشِمَالِهِ ("كُلْ بِيَمِينِكَ"، فَقَالَ لَا أَسْتَطِيعُ فَقَالَ " لَا اسْتَطَعْتَ ") فَمَا رَفَعَ يَدَهُ إِلَى فِيهِ بَعْدَهَا» فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا، لَمَا دَعَا عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ كِبْرُهُ حَمَلَهُ عَلَى تَرْكِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ فَذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْعِصْيَانِ وَاسْتِحْقَاقِ الدُّعَاءِ عَلَيْهِ.
( «وَأَمَرَ مَنْ شَكَوْا إِلَيْهِ أَنَّهُمْ لَا يَشْبَعُونَ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِهِمْ وَلَا يَتَفَرَّقُوا، وَأَنْ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ يُبَارَكُ لَهُمْ فِيهِ» ) وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ( «إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ يَأْكُلُ الْأَكْلَةَ يَحْمَدُهُ عَلَيْهَا، وَيَشْرَبُ الشَّرْبَةَ يَحْمَدُهُ عَلَيْهَا» ) وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: ( «أَذِيبُوا طَعَامَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ عز وجل وَالصَّلَاةِ، وَلَا تَنَامُوا عَلَيْهِ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ» ) وَأَحْرَى بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَالْوَاقِعُ فِي التَّجْرِبَةِ يَشْهَدُ بِهِ.