الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ قَدْ أُعِلَّ بِأَنَّ الْمُطَّلِبَ بْنَ حَنْطَبٍ رَاوِيهِ عَنْ جابر لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْهُ قَالَهُ النَّسَائِيُّ.
قَالَ الطَّبَرِيُّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لَهُ: فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ اصْطَادَ أَبُو قَتَادَةَ حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، فَأَحَلَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُمْ: هَلْ أَمَرَهُ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِشَيْءٍ أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ؟ وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ رحمه الله، فَإِنَّ قِصَّةَ أبي قتادة إِنَّمَا كَانَتْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، هَكَذَا رُوِيَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عبد الله ابْنِهِ عَنْهُ قَالَ:( «انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَحْرَمَ أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ» ) ، فَذَكَرَ قِصَّةَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ.
فَصْلٌ
فَلَمَّا مَرَّ بِوَادِي عُسْفَانَ، قَالَ:( «يَا أبا بكر! أَيَّ وَادٍ هَذَا "؟ قَالَ وَادِي عُسْفَانَ. قَالَ لَقَدْ مَرَّ بِهِ هُودٌ وَصَالِحٌ عَلَى بَكْرَيْنِ أَحْمَرَيْنِ خُطُمُهُمَا اللِّيفُ وَأُزُرُهُمُ الْعَبَاءُ، وَأَرْدِيَتُهُمُ النِّمَارُ، يُلَبُّونَ يَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ» ) ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " الْمُسْنَدِ ".
[بَحْثٌ فِي إِحْرَامِ عَائِشَةَ وَهِيَ حَائِضٌ]
( «فَلَمَّا كَانَ بِسَرِفٍ، حَاضَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها، وَقَدْ كَانَتْ أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ
فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ تَبْكِي، قَالَ: مَا يُبْكِيكِ لَعَلَّكِ نَفِسْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: هَذَا شَيْءٌ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ» ) .
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي قِصَّةِ عَائِشَةَ: هَلْ كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً أَوْ مُفْرِدَةً؟ فَإِذَا كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً، فَهَلْ رَفَضَتْ عُمْرَتَهَا، أَوِ انْتَقَلَتْ إِلَى الْإِفْرَادِ وَأَدْخَلَتْ عَلَيْهَا الْحَجَّ وَصَارَتْ قَارِنَةً، وَهَلِ الْعُمْرَةُ الَّتِي أَتَتْ بِهَا مِنَ التَّنْعِيمِ كَانَتْ وَاجِبَةً أَمْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً، فَهَلْ هِيَ مُجْزِئَةٌ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ أَمْ لَا؟ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي مَوْضِعِ حَيْضِهَا، وَمَوْضِعِ طُهْرِهَا، وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْبَيَانَ الشَّافِيَ فِي ذَلِكَ بِحَوْلِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَسْأَلَةٍ مَبْنِيَّةٍ عَلَى قِصَّةِ عائشة، وَهِيَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَحْرَمَتْ بِالْعُمْرَةِ، فَحَاضَتْ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الطَّوَافُ قَبْلَ التَّعْرِيفِ، فَهَلْ تَرْفُضُ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ، وَتُهِلُّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، أَوْ تُدْخِلُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَتَصِيرُ قَارِنَةً؟ فَقَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ فُقَهَاءُ الْكُوفَةِ، مِنْهُمْ أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ، وَبِالثَّانِي: فُقَهَاءُ الْحِجَازِ، مِنْهُمُ: الشَّافِعِيُّ ومالك، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَتْبَاعِهِ.
قَالَ الْكُوفِيُّونَ: ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، عَنْ عروة ( «عَنْ عائشة أَنَّهَا قَالَتْ:" أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ فَقَدِمْتُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَقَالَ انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَدَعِي الْعُمْرَةَ. قَالَتْ: فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْتُ الْحَجَّ أَرْسَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرْتُ مِنْهُ. فَقَالَ: " هِذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ» ) . قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً، وَعَلَى
أَنَّهَا رَفَضَتْ عُمْرَتَهَا وَأَحْرَمَتْ بِالْحَجِّ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " دَعِي عُمْرَتَكِ "، وَلِقَوْلِهِ:( «انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي» ) . وَلَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً عَلَى إِحْرَامِهَا، لَمَا جَازَ لَهَا أَنْ تَمْتَشِطَ، وَلِأَنَّهُ قَالَ لِلْعُمْرَةِ الَّتِي أَتَتْ بِهَا مِنَ التَّنْعِيمِ:" هَذِهِ مَكَانُ عُمْرَتِكِ ". وَلَوْ كَانَتْ عُمْرَتُهَا الْأُولَى بَاقِيَةً لَمْ تَكُنْ هَذِهِ مَكَانَهَا، بَلْ كَانَتْ عُمْرَةً مُسْتَقِلَّةً.
قَالَ الْجُمْهُورُ: لَوْ تَأَمَّلْتُمْ قِصَّةَ عائشة حَقَّ التَّأَمُّلِ، وَجَمَعْتُمْ بَيْنَ طُرُقِهَا وَأَطْرَافِهَا، لَتَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهَا قَرَنَتْ، وَلَمْ تَرْفُضِ الْعُمْرَةَ، فَفِي " صَحِيحِ مسلم ": عَنْ جابر رضي الله عنه قَالَ: ( «أَهَلَّتْ عائشة بِعُمْرَةٍ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِسَرِفٍ عَرَكَتْ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عائشة فَوَجَدَهَا تَبْكِي، فَقَالَ: " مَا شَأْنُكِ "؟ قَالَتْ: شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ وَقَدْ أَحَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحِلَّ، وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إِلَى الْحَجِّ الْآنَ، قَالَ: إِنَّ هَذَا أَمْرٌ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، فَاغْتَسِلِي، ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ "، فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتِ الْمَوَاقِفَ كُلَّهَا، حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. ثُمَّ قَالَ: " قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ "، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ فِي نَفْسِي أَنِّي لَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَجَجْتُ. قَالَ: " فَاذْهَبْ بِهَا يَا عبد الرحمن فَأَعْمِرْهَا مِنَ التَّنْعِيمِ» ) .
وَفِي " صَحِيحِ مسلم ": مِنْ حَدِيثِ طَاوُوسٍ عَنْهَا: ( «أَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، وَقَدِمْتُ وَلَمْ أَطُفْ حَتَّى حِضْتُ، فَنَسَكْتُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّفْرِ: يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» ) .
فَهَذِهِ نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ، أَنَّهَا كَانَتْ فِي حَجٍّ وَعُمْرَةٍ لَا فِي حَجٍّ مُفْرَدٍ، وَصَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ، وَصَرِيحَةٌ فِي أَنَّهَا لَمْ تَرْفُضْ إِحْرَامَ الْعُمْرَةِ، بَلْ بَقِيَتْ فِي إِحْرَامِهَا كَمَا هِيَ لَمْ تَحِلَّ مِنْهُ. وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ
الْحَدِيثِ: ( «كُونِي فِي عُمْرَتِكِ، فَعَسَى أَنَّ اللَّهَ يَرْزُقُكِيهَا» )، وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا قَوْلَهُ:" دَعِي عُمْرَتَكِ ". فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ رَفْضَهَا وَتَرْكَهَا، لَمَا قَالَ لَهَا:( «يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» ) ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ دَعِي أَعْمَالَهَا لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ رَفْضَ إِحْرَامِهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ( «انْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي» ) ، فَهَذَا مِمَّا أَعْضَلَ عَلَى النَّاسِ، وَلَهُمْ فِيهِ أَرْبَعَةُ مَسَالِكَ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى رَفْضِ الْعُمْرَةِ كَمَا قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ.
الْمَسْلَكُ الثَّانِي: إِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَمْشُطَ رَأْسَهُ، وَلَا دَلِيلَ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا تَحْرِيمِهِ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ.
الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ: تَعْلِيلُ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَرَدُّهَا بِأَنَّ عروة انْفَرَدَ بِهَا، وَخَالَفَ بِهَا سَائِرَ الرُّوَاةِ، وَقَدْ رَوَى حَدِيثَهَا طَاوُوسٌ والقاسم والأسود وَغَيْرُهُمْ، فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ. قَالُوا: وَقَدْ رَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة حَدِيثَ حَيْضِهَا فِي الْحَجِّ، فَقَالَ فِيهِ: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: ( «دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي» )، وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ. .. قَالُوا: فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عروة لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ عائشة.
الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ " دَعِي الْعُمْرَةَ "، أَيْ دَعِيهَا، بِحَالِهَا لَا تَخْرُجِي مِنْهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَرْكَهَا، قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ.
أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ: ( «يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ» ) .
الثَّانِي: قَوْلُهُ: " كُونِي فِي عُمْرَتِكِ ". قَالُوا: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى رَفْضِهَا لِسَلَامَتِهِ مِنَ التَّنَاقُضِ. قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُهُ: " هَذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ فعائشة أَحَبَّتْ أَنْ تَأْتِيَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ، فَأَخْبَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ طَوَافَهَا وَقَعَ عَنْ حَجَّتِهَا وَعُمْرَتِهَا، وَأَنَّ