الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عُمْرَتَهَا قَدْ دَخَلَتْ فِي حَجِّهَا، فَصَارَتْ قَارِنَةً، فَأَبَتْ إِلَّا عُمْرَةً مُفْرَدَةً كَمَا قَصَدَتْ أَوَّلًا، فَلَمَّا حَصَلَ لَهَا ذَلِكَ، قَالَ:" هِذِهِ مَكَانَ عُمْرَتِكِ ".
وَفِي " سُنَنِ الأثرم "، عَنِ الأسود، قَالَ: قُلْتُ لعائشة: اعْتَمَرْتِ بَعْدَ الْحَجِّ؟ قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا كَانَتْ عُمْرَةً، مَا كَانَتْ إِلَّا زِيَارَةً زُرْتُ الْبَيْتَ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إِنَّمَا أَعْمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عائشة حِينَ أَلَحَّتْ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: يَرْجِعُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ، وَأَرْجِعُ بِنُسُكٍ؟ فَقَالَ:" يَا عبد الرحمن؛ أَعْمِرْهَا "، فَنَظَرَ إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ، فَأَعْمَرَهَا مِنْهُ.
[مَا أَحْرَمَتْ بِهِ عَائِشَةَ أَوَّلًا]
فَصْلٌ
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَا أَحْرَمَتْ بِهِ عائشة أَوَّلًا عَلَى قَوْلَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عُمْرَةٌ مُفْرَدَةٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَحَادِيثِ. وَفِي " الصَّحِيحِ " عَنْهَا، ( «قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَلْيُهِلَّ، فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ ". قَالَتْ: وَكَانَ مِنَ الْقَوْمِ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، قَالَتْ: فَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ» ) ، وَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ. .. " وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ:" دَعِي الْعُمْرَةَ وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ "، قَالَهُ لَهَا بِسَرِفٍ قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ إِحْرَامَهَا كَانَ بِعُمْرَةٍ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا أَحْرَمَتْ أَوَّلًا بِالْحَجِّ وَكَانَتْ مُفْرِدَةً، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، وعمرة كُلُّهُمْ عَنْ عائشة، مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مُحْرِمَةً بِحَجٍّ لَا بِعُمْرَةٍ، مِنْهَا: حَدِيثُ عمرة عَنْهَا: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ، وَحَدِيثُ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ مِثْلُهُ، وَحَدِيثُ القاسم:" «لَبَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ» ". قَالَ وَغَلَّطُوا عروة فِي قَوْلِهِ عَنْهَا: " كُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ". قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ: قَدِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ، يَعْنِي الأسود والقاسم وعمرة، عَلَى الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ
الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ عروة غَلَطٌ، قَالَ: وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْغَلَطُ، إِنَّمَا وَقَعَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُمْكِنْهَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَأَنْ تَحِلَّ بِعُمْرَةٍ كَمَا فَعَلَ مَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَتْرُكَ الطَّوَافَ، وَتَمْضِيَ عَلَى الْحَجِّ، فَتَوَهَّمُوا بِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ مُعْتَمِرَةً، وَأَنَّهَا تَرَكَتْ عُمْرَتَهَا، وَابْتَدَأَتْ بِالْحَجِّ. قَالَ أبو عمر: وَقَدْ رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهَا كَانَتْ مُهِلَّةً بِعُمْرَةٍ، كَمَا رَوَى عَنْهَا عروة. قَالُوا: وَالْغَلَطُ الَّذِي دَخَلَ عَلَى عروة، إِنَّمَا كَانَ فِي قَوْلِهِ:( «انْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَدَعِي الْعُمْرَةَ، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ» ) .
وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا:( «دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ، وَامْتَشِطِي، وَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ» ) . فَبَيَّنَ حماد أَنَّ عروة لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ عائشة.
قُلْتُ: مِنَ الْعَجَبِ رَدُّ هَذِهِ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الَّتِي لَا مَدْفَعَ لَهَا، وَلَا مَطْعَنَ فِيهَا، وَلَا تَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا الْبَتَّةَ بِلَفْظٍ مُجْمَلٍ لَيْسَ ظَاهِرًا فِي أَنَّهَا كَانَتْ مُفْرِدَةً، فَإِنَّ غَايَةَ مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا كَانَتْ مُفْرِدَةً، قَوْلُهَا: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ. فَيَا لَلَّهِ الْعَجَبُ! أَيُظَنُّ بِالْمُتَمَتِّعِ أَنَّهُ خَرَجَ لِغَيْرِ الْحَجِّ، بَلْ خَرَجَ لِلْحَجِّ مُتَمَتِّعًا، كَمَا أَنَّ الْمُغْتَسِلَ لِلْجَنَابَةِ إِذَا بَدَأَ فَتَوَضَّأَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقُولَ: خَرَجْتُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؟ وَصَدَقَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها إِذْ كَانَتْ لَا تَرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ حَتَّى أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ، بِأَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَلَامُهَا يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
وَأَمَّا قَوْلُهَا: لَبَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ، فَقَدْ قَالَ جابر عَنْهَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ ": إِنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ طَاوُوسٌ عَنْهَا فِي " صَحِيحِ مسلم "، وَكَذَلِكَ قَالَ مجاهد عَنْهَا، فَلَوْ تَعَارَضَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهَا، فَرِوَايَةُ الصَّحَابَةِ عَنْهَا أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهَا مِنْ رِوَايَةِ التَّابِعِينَ، كَيْفَ وَلَا تَعَارُضَ فِي ذَلِكَ الْبَتَّةَ، فَإِنَّ الْقَائِلَ فَعَلْنَا كَذَا، يَصْدُقُ ذَلِكَ مِنْهُ بِفِعْلِهِ، وَبِفِعْلِ أَصْحَابِهِ.
وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ
إِلَى الْحَجِّ، مَعْنَاهُ: تَمَتَّعَ أَصْحَابُهُ، فَأَضَافَ الْفِعْلَ إِلَيْهِ لِأَمْرِهِ بِهِ، فَهَلَّا قُلْتُمْ فِي قَوْلِ عائشة: لَبَّيْنَا بِالْحَجِّ إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِنْسُ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ لَبَّوْا بِالْحَجِّ. وَقَوْلِهَا: فَعَلْنَا، كَمَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَافَرْنَا مَعَهُ وَنَحْوِهِ. وَيَتَعَيَّنُ قَطْعًا - إِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ غَلَطًا - أَنْ تُحْمَلَ عَلَى ذَلِكَ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، أَنَّهَا كَانَتْ أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ وَكَيْفَ يُنْسَبُ عُرْوَةُ فِي ذَلِكَ إِلَى الْغَلَطِ، وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيثِهَا وَكَانَ يَسْمَعُ مِنْهَا مُشَافَهَةً بِلَا وَاسِطَةٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ حماد: حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: " دَعِي عُمْرَتَكِ "، فَهَذَا إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْلِيلِهِ، وَرَدِّهِ إِذَا خَالَفَ الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةَ عَنْهَا، فَأَمَّا إِذَا وَافَقَهَا وَصَدَّقَهَا، وَشَهِدَ لَهَا أَنَّهَا أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَحْفُوظٌ، وَأَنَّ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ ضَبَطَهُ وَحَفِظَهُ، هَذَا مَعَ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ انْفَرَدَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّلَةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: فَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، وَخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ، فَرَوَوْهُ مُتَّصِلًا عَنْ عروة عَنْ عائشة.
فَلَوْ قُدِّرَ التَّعَارُضُ، فَالْأَكْثَرُونَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، فَيَا لَلَّهِ الْعَجَبُ! كَيْفَ يَكُونُ تَغْلِيطُ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِهَا وَهُوَ عروة فِي قَوْلِهِ عَنْهَا:" وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ " سَائِغًا بِلَفْظٍ مُجْمَلٍ مُحْتَمَلٍ، وَيُقْضَى بِهِ عَلَى النَّصِّ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ الَّذِي شَهِدَ لَهُ سِيَاقُ الْقِصَّةِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ بَعْضِهَا؟ فَهَؤُلَاءِ أَرْبَعَةٌ رَوَوْا عَنْهَا، أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ جابر، وعروة، وطاووس، ومجاهد، فَلَوْ كَانَتْ رِوَايَةُ الْقَاسِمِ وعمرة والأسود، مُعَارِضَةً لِرِوَايَةِ هَؤُلَاءِ لَكَانَتْ رِوَايَتُهُمْ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ لِكَثْرَتِهِمْ، وَلِأَنَّ فِيهِمْ جابرا، وَلِفَضْلِ عروة وَعِلْمِهِ بِحَدِيثِ خَالَتِهِ رضي الله عنها.
وَمِنَ الْعَجَبِ قَوْلُهُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الطَّوَافَ، وَتَمْضِيَ عَلَى الْحَجِّ، تَوَهَّمُوا لِهَذَا أَنَّهَا كَانَتْ مُعْتَمِرَةً، فَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الْعُمْرَةَ وَتُنْشِئَ إِهْلَالًا بِالْحَجِّ، فَقَالَ لَهَا:" وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ "، وَلَمْ يَقُلِ:" اسْتَمِرِّي عَلَيْهِ "، وَلَا امْضِي فِيهِ، وَكَيْفَ يَغْلَطُ رَاوِي الْأَمْرِ بِالِامْتِشَاطِ بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَتِهِ لِمَذْهَبِ الرَّادِّ؟ فَأَيْنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مَا يُحَرِّمُ عَلَى الْمُحْرِمِ تَسْرِيحَ