الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَيْكَ، قَالَ: هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّهِمْ وَإِنْ رَغِمُوا» ، وَقَدْ رَوَى هَذَا عَنِ النِّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَمَّيْنَا وَغَيْرُهُمْ؛ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْهُمْ طَوَائِفُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ، حَتَّى صَارَ مَنْقُولًا نَقْلًا يَرْفَعُ الشَّكَّ، وَيُوجِبُ الْيَقِينَ، وَلَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يُنْكِرَهُ، أَوْ يَقُولَ: لَمْ يَقَعْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَمَذْهَبُ حَبْرِ الْأُمَّةِ وَبَحْرِهَا ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَصْحَابِهِ، وَمَذْهَبُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، وَمَذْهَبُ إِمَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَتْبَاعِهِ، وَأَهْلِ الْحَدِيثِ مَعَهُ، وَمَذْهَبُ عبد الله بن الحسن العنبري قَاضِي الْبَصْرَةِ، وَمَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ.
[أَعْذَارُ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ]
وَالَّذِينَ خَالَفُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ لَهُمْ أَعْذَارٌ.
الْعُذْرُ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ.
الْعُذْرُ الثَّانِي: أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِالصَّحَابَةِ، لَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ مُشَارَكَتُهُمْ فِي حُكْمِهَا.
الْعُذْرُ الثَّالِثُ: مُعَارَضَتُهَا بِمَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ حُكْمِهَا، وَهَذَا مَجْمُوعُ مَا اعْتَذَرُوا بِهِ عَنْهَا.
وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَذِهِ الْأَعْذَارَ عُذْرًا عُذْرًا، وَنُبَيِّنُ مَا فِيهَا بِمَعُونَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ.
أَمَّا الْعُذْرُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ النَّسْخُ، فَيَحْتَاجُ إِلَى أَرْبَعَةِ أُمُورٍ لَمْ يَأْتُوا مِنْهَا بِشَيْءٍ يَحْتَاجُ إِلَى نُصُوصٍ أُخَرَ، تَكُونُ تِلْكَ النُّصُوصُ مُعَارِضَةً لِهَذِهِ، ثُمَّ تَكُونُ مَعَ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ مُقَاوِمَةً لَهَا، ثُمَّ يَثْبُتُ تَأَخُّرُهَا عَنْهَا.
قَالَ الْمُدَّعُونَ لِلنَّسْخِ: قَالَ عمر بن الخطاب السجستاني: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا أبان بن أبي حازم، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو بكر بن حفص، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، ( «عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لَمَّا وَلِيَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَحَلَّ لَنَا
الْمُتْعَةَ ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْنَا» ) ، رَوَاهُ البزار فِي " مُسْنَدِهِ " عَنْهُ.
قَالَ الْمُبِيحُونَ لِلْفَسْخِ: عَجَبًا لَكُمْ فِي مُقَاوَمَةِ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي الَّتِي لَا تُزَعْزِعُهَا الرِّيَاحُ بِكَثِيبٍ مَهِيلٍ تَسْفِيهِ الرِّيَاحُ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَهَذَا الْحَدِيثُ لَا سَنَدَ وَلَا مَتْنَ، أَمَّا سَنَدُهُ فَإِنَّهُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ عَلَيْنَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا مَتْنُهُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتْعَةِ فِيهِ مُتْعَةُ النِّسَاءِ الَّتِي أَحَلَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم ثُمَّ حَرَّمَهَا، لَا يَجُوزُ فِيهَا غَيْرُ ذَلِكَ الْبَتَّةَ لِوُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّ مُتْعَةَ الْحَجِّ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ، بَلْ إِمَّا وَاجِبَةٌ، أَوْ أَفْضَلُ الْأَنْسَاكِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ جَائِزَةٌ، وَلَا نَعْلَمُ لِلْأُمَّةِ قَوْلًا خَامِسًا فِيهَا بِالتَّحْرِيمِ.
الثَّانِي: ( «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه صَحَّ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَوْ حَجَجْتُ لَتَمَتَّعْتُ، ثُمَّ لَوْ حَجَجْتُ لَتَمَتَّعْتُ» ) ، ذَكَرَهُ الأثرم فِي " سُنَنِهِ " وَغَيْرُهُ.
وَذَكَرَ عبد الرزاق فِي " مُصَنَّفِهِ ": عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سُئِلَ أَنَهَى عمر عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ؟ قَالَ: لَا، أَبَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَذَكَرَ عَنْ نافع أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: أَنَهَى عمر عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ؟ قَالَ لَا. وَذَكَرَ أَيْضًا (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: هَذَا الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، - يَعْنِي عمر - سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَوِ اعْتَمَرْتُ، ثُمَّ حَجَجْتُ لَتَمَتَّعْتُ) .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ: صَحَّ عَنْ عمر الرُّجُوعُ إِلَى الْقَوْلِ بِالتَّمَتُّعِ بَعْدَ النَّهْيِ عَنْهُ، وَهَذَا مُحَالٌ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْقَوْلِ بِمَا صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَنْهَى عَنْهَا، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ سَأَلَهُ: هَلْ هِيَ لِعَامِهِمْ ذَلِكَ أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: " بَلْ لِلْأَبَدِ "، وَهَذَا قَطْعٌ لِتَوَهُّمِ وُرُودِ النَّسْخِ عَلَيْهَا.