الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا مَجْمُوعُ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى التَّخْصِيصِ بِالصَّحَابَةِ.
قَالَ الْمُجَوِّزُونَ لِلْفَسْخِ وَالْمُوجِبُونَ لَهُ: لَا حُجَّةَ لَكُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآثَارَ بَيْنَ بَاطِلٍ لَا يَصِحُّ عَمَّنْ نُسِبَ إِلَيْهِ الْبَتَّةَ، وَبَيْنَ صَحِيحٍ عَنْ قَائِلٍ غَيْرِ مَعْصُومٍ لَا تُعَارَضُ بِهِ نُصُوصُ الْمَعْصُومِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّ المرقع لَيْسَ مِمَّنْ تَقُومُ بِرِوَايَتِهِ حُجَّةٌ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ غَيْرِ الْمَدْفُوعَةِ. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: - وَقَدْ عُورِضَ بِحَدِيثِهِ - وَمَنِ المرقع الأسدي؟ وَقَدْ رَوَى أبو ذر عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم الْأَمْرَ بِفَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ. وَغَايَةُ مَا نُقِلَ عَنْهُ - إِنْ صَحَّ - أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحَابَةِ فَهُوَ رَأْيُهُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: إِنَّ ذَلِكَ عَامٌّ لِلْأُمَّةِ، فَرَأْيُ أبي ذر مُعَارَضٌ بِرَأْيِهِمَا.
وَسَلِمَتِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ، ثُمَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ دَعْوَى الِاخْتِصَاصِ بَاطِلَةٌ بِنَصِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّ تِلْكَ الْعُمْرَةَ الَّتِي وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْهَا وَكَانَتْ عُمْرَةَ فَسْخٍ لِأَبَدِ الْأَبَدِ، لَا تَخْتَصُّ بِقَرْنٍ دُونَ قَرْنٍ وَهَذَا أَصَحُّ سَنَدًا مِنَ الْمَرْوِيِّ عَنْ أبي ذر وَأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ مِنْهُ لَوْ صَحَّ عَنْهُ.
[الْأَصْلُ فِي الْمَسَائِلِ الْإِحْكَامُ حَتَّى يَثْبُتَ نَسْخُهَا أَوِ اخْتِصَاصُهَا بِأَحَدٍ]
وَأَيْضًا، فَإِذَا رَأَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَمْرٍ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَنَّهُ فَعَلَهُ وَأَمَرَ بِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ خَاصٌّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بَاقٍ إِلَى الْأَبَدِ، فَقَوْلُ مَنِ ادَّعَى نَسْخَهُ أَوِ اخْتِصَاصَهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ، فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبُرْهَانٍ، وَإِنَّ أَقَلَّ مَا فِي الْبَابِ مُعَارَضَتُهُ بِقَوْلِ مَنِ ادَّعَى بَقَاءَهُ وَعُمُومَهُ، وَالْحُجَّةُ تَفْصِلُ بَيْنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ، وَالْوَاجِبُ الرَّدُّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. فَإِذَا قَالَ أبو ذر وعثمان: إِنَّ الْفَسْخَ مَنْسُوخٌ أَوْ خَاصٌّ، وَقَالَ أبو موسى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّهُ بَاقٍ وَحُكْمُهُ عَامٌّ، فَعَلَى مَنِ ادَّعَى النَّسْخَ وَالِاخْتِصَاصَ الدَّلِيلُ.
وَأَمَّا حَدِيثُهُ الْمَرْفُوعُ - حَدِيثُ بلال بن الحارث - فَحَدِيثٌ لَا يُكْتَبُ، وَلَا يُعَارَضُ بِمِثْلِهِ تِلْكَ الْأَسَاطِينُ الثَّابِتَةُ.
قَالَ عبد الله بن أحمد: كَانَ أَبِي يَرَى لِلْمُهِلِّ بِالْحَجِّ أَنْ يَفْسَخَ حَجَّهُ إِنْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. وَقَالَ فِي الْمُتْعَةِ: هِيَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم. وَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: ( «اجْعَلُوا حَجَّكُمْ عُمْرَةً» ) . قَالَ عبد الله: فَقُلْتُ لِأَبِي: فَحَدِيثُ بلال بن الحارث فِي فَسْخِ الْحَجِّ، يَعْنِي قَوْلَهُ " لَنَا خَاصَّةً "؟ قَالَ: لَا أَقُولُ بِهِ، لَا يُعْرَفُ هَذَا الرَّجُلُ، هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْمَعْرُوفِ، لَيْسَ حَدِيثُ بلال بن الحارث عِنْدِي يَثْبُتُ. هَذَا لَفْظُهُ.
قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَصِحُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أَخْبَرَ عَنْ تِلْكَ الْمُتْعَةِ الَّتِي أَمَرَهُمْ أَنْ يَفْسَخُوا حَجَّهُمْ إِلَيْهَا أَنَّهَا لِأَبَدِ الْأَبَدِ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ عَنْهُ بَعْدَ هَذَا أَنَّهَا لَهُمْ خَاصَّةً؟ هَذَا مِنْ أَمْحَلِ الْمُحَالِ. وَكَيْفَ يَأْمُرُهُمْ بِالْفَسْخِ وَيَقُولُ:( «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ) ، ثُمَّ يَثْبُتُ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحَابَةِ دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ، فَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّ حَدِيثَ بلال بن الحارث هَذَا، لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ غَلَطٌ عَلَيْهِ، وَكَيْفَ تُقَدَّمُ رِوَايَةُ بلال بن الحارث عَلَى رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ حَمَلَةِ الْعِلْمِ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم خِلَافَ رِوَايَتِهِ.
ثُمَّ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا ثَابِتًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه يُفْتِي بِخِلَافِهِ. وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ طُولَ عُمْرِهِ بِمَشْهَدٍ مِنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مُتَوَافِرُونَ، وَلَا يَقُولُ لَهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: هَذَا كَانَ مُخْتَصًّا بِنَا، لَيْسَ لِغَيْرِنَا حَتَّى يَظْهَرَ بَعْدَ مَوْتِ الصَّحَابَةِ أَنَّ أبا ذر كَانَ يَرَى اخْتِصَاصَ ذَلِكَ بِهِمْ؟
وَأَمَّا قَوْلُ عثمان رضي الله عنه فِي مُتْعَةِ الْحَجِّ: إِنَّهَا كَانَتْ لَهُمْ لَيْسَتْ
لِغَيْرِهِمْ فَحُكْمُهُ حُكْمُ قَوْلِ أبي ذر سَوَاءٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْوِيَّ عَنْ أبي ذر وعثمان يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ.
أَحَدُهَا: اخْتِصَاصُ جَوَازِ ذَلِكَ بِالصَّحَابَةِ، وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ مَنْ حَرَّمَ الْفَسْخَ.
الثَّانِي: اخْتِصَاصُ وُجُوبِهِ بِالصَّحَابَةِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَرَاهُ شَيْخُنَا - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - يَقُولُ: إِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمُ الْفَسْخُ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَهُمْ بِهِ وَحَتْمِهِ عَلَيْهِمْ، وَغَضَبِهِ عِنْدَمَا تَوَقَّفُوا فِي الْمُبَادَرَةِ إِلَى امْتِثَالِهِ. وَأَمَّا الْجَوَازُ وَالِاسْتِحْبَابُ فَلِلْأُمَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَكِنْ أَبَى ذَلِكَ الْبَحْرُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَجَعَلَ الْوُجُوبَ لِلْأُمَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّ فَرْضًا عَلَى كُلِّ مُفْرِدٍ وَقَارِنٍ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، أَنْ يَحِلَّ وَلَا بُدَّ، بَلْ قَدْ حَلَّ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ، وَأَنَا إِلَى قَوْلِهِ أَمْيَلُ مِنِّي إِلَى قَوْلِ شَيْخِنَا.
الِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِ الصَّحَابَةِ أَنْ يَبْتَدِئَ حَجًّا قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا بِلَا هَدْيٍ، بَلْ هَذَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى الْفَسْخِ، لَكِنْ فُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أَصْحَابَهُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ مِنَ التَّمَتُّعِ لِمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، وَالْقِرَانُ لِمَنْ سَاقَ، كَمَا صَحَّ عَنْهُ ذَلِكَ. وَإِمَّا أَنْ يُحْرِمَ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ، ثُمَّ يَفْسَخَهُ عِنْدَ الطَّوَافِ إِلَى عُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَيَجْعَلَهُ مُتْعَةً، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، بَلْ هَذَا إِنَّمَا كَانَ لِلصَّحَابَةِ، فَإِنَّهُمُ ابْتَدَءُوا الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ الْمُفْرَدِ قَبْلَ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بِالتَّمَتُّعِ وَالْفَسْخِ إِلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ بِالتَّمَتُّعِ وَالْفَسْخِ إِلَيْهِ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُخَالِفَهُ وَيُفْرِدَ، ثُمَّ يَفْسَخَهُ.
وَإِذَا تَأَمَّلْتَ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ رَأَيْتَهُمَا إِمَّا رَاجِحِينَ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ، أَوْ مُسَاوِيَيْنِ لَهُ، وَتَسْقُطُ مُعَارَضَةُ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ الصَّرِيحَةِ بِهِ جُمْلَةً، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مسلم فِي " صَحِيحِهِ ": عَنْ أبي ذر، أَنَّ الْمُتْعَةَ فِي الْحَجِّ كَانَتْ لَهُمْ خَاصَّةً. فَهَذَا إِنْ أُرِيدَ بِهِ أَصْلُ الْمُتْعَةِ، فَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
بَلِ الْمُسْلِمُونَ مُتَّفِقُونَ عَلَى جَوَازِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مُتْعَةُ الْفَسْخِ، احْتَمَلَ الْوُجُوهَ الثَّلَاثَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ. وَقَالَ الأثرم فِي " سُنَنِهِ ": وَذَكَرَ لَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ حَدَّثَهُ عَنْ سفيان، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أبي ذر، فِي مُتْعَةِ الْحَجِّ كَانَتْ لَنَا خَاصَّةً. فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: رَحِمَ اللَّهُ أبا ذر هِيَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ} [البقرة: 196][الْبَقَرَةِ 196] .
قَالَ الْمَانِعُونَ مِنَ الْفَسْخِ: قَوْلُ أبي ذر وعثمان: إِنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ أَوْ خَاصٌّ بِالصَّحَابَةِ، لَا يُقَالُ مِثْلُهُ بِالرَّأْيِ، فَمَعَ قَائِلِهِ زِيَادَةُ عِلْمٍ خَفِيَتْ عَلَى مَنِ ادَّعَى بَقَاءَهُ وَعُمُومَهُ، فَإِنَّهُ مُسْتَصْحِبٌ لِحَالِ النَّصِّ بَقَاءً وَعُمُومًا، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْيَدِ فِي الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ، وَمُدِّعِي فَسْخَهُ وَاخْتِصَاصَهُ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي تُقَدَّمُ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ.
قَالَ الْمُجَوِّزُونَ لِلْفَسْخِ: هَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ لَا شَكَّ فِيهِ، بَلْ هَذَا رَأْيٌ لَا شَكَّ فِيهِ، وَقَدْ صَرَّحَ - بِأَنَّهُ رَأْيُ مَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ عثمان وأبي ذر - عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ "، وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ: تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَنَزَلَ الْقُرْآنُ، فَقَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ. وَلَفْظُ مسلم:( «نَزَلَتْ آيَةُ الْمُتْعَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ - وَأَمَرَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم ثُمَّ لَمْ تَنْزِلْ آيَةٌ تَنْسَخُ مُتْعَةَ الْحَجِّ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم حَتَّى مَاتَ، قَالَ رَجُلٌ بِرَأْيِهِ مَا شَاءَ» )، وَفِي لَفْظٍ: يُرِيدُ عمر.
وَقَالَ عبد الله بن عمر لِمَنْ سَأَلَهُ عَنْهَا؛ وَقَالَ لَهُ إِنَّ أَبَاكَ نَهَى عَنْهَا: أَأَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَوْ أَمْرُ أَبِي؟ !
(وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمَنْ كَانَ يُعَارِضُهُ فِيهَا بأبي بكر وعمر: يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَتَقُولُونَ قَالَ أبو بكر وعمر) . فَهَذَا جَوَابُ الْعُلَمَاءِ لَا جَوَابُ مَنْ يَقُولُ عثمان وأبو ذر أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْكُمْ، فَهَلَّا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: أبو بكر وعمر أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِنَّا، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا أَحَدٌ مِنَ التَّابِعِينَ يَرْضَى بِهَذَا الْجَوَابِ فِي دَفْعِ نَصٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَتْقَى لَهُ مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَى قَوْلِ الْمَعْصُومِ رَأْيَ غَيْرِ الْمَعْصُومِ، ثُمَّ قَدْ ثَبَتَ النَّصُّ عَنِ الْمَعْصُومِ بِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَدْ قَالَ بِبَقَائِهَا: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وأبو موسى، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَجُمْهُورُ التَّابِعِينَ
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ رَأْيٌ مَحْضٌ لَا يُنْسَبُ إِلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَمَّا نَهَى عَنْهَا قَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! مَا أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ؟ فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ رَبِّنَا، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196][الْبَقَرَةِ 196] ، وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ، فَهَذَا اتِّفَاقٌ مِنْ أبي موسى وعمر عَلَى أَنَّ مَنْعَ الْفَسْخِ إِلَى الْمُتْعَةِ وَالْإِحْرَامِ بِهَا ابْتِدَاءً، إِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ مِنْهُ أَحْدَثَهُ فِي النُّسُكِ لَيْسَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَإِنِ اسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا اسْتَدَلَّ.
وأبو موسى كَانَ يُفْتِي النَّاسَ بِالْفَسْخِ فِي خِلَافَةِ أبي بكر رضي الله عنه كُلِّهَا، وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عمر حَتَّى فَاوَضَ عمر رضي الله عنه فِي نَهْيِهِ عَنْ ذَلِكَ، وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ رَأْيٌ أَحْدَثَهُ عمر رضي الله عنه فِي النُّسُكِ، ثُمَّ صَحَّ عَنْهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ.