الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
وَلَمَّا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ سَادَاتِ بَنِي آدَمَ، وَأَخْلَاقُهُمْ أَشْرَفَ الْأَخْلَاقِ، وَأَعْمَالُهُمْ أَصَحَّ الْأَعْمَالِ، كَانَتْ أَسَمَاؤُهُمْ أَشْرَفَ الْأَسْمَاءِ، فَنَدَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَهُ إِلَى التَّسَمِّي بِأَسْمَائِهِمْ، كَمَا فِي " سُنَنِ أبي داود "، وَالنَّسَائِيِّ عَنْهُ ( «تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ» ) ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ إِلَّا أَنَّ الِاسْمَ يُذْكَرُ بِمُسَمَّاهُ وَيَقْتَضِي التَّعَلُّقَ بِمَعْنَاهُ لَكَفَى بِهِ مَصْلَحَةً مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَذِكْرِهَا، وَأَنْ لَا تُنْسَى، وَأَنْ تُذْكَرَ أَسَمَاؤُهُمْ بِأَوْصَافِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ.
[فَصْلٌ عِلَّةُ النَّهْيِ عَنِ التَّسْمِيَةِ بِيَسَارٍ وَأَفْلَحَ وَنَجِيحٍ وَرَبَاحٍ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْغُلَامِ بِ: يَسَارٍ وَأَفْلَحَ وَنَجِيحٍ وَرَبَاحٍ، فَهَذَا لِمَعْنًى آخَرَ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ:( «فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّتَ هُوَ؟ فَيُقَالُ: لَا» ) - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - هَلْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ تَمَامِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أَوْ مُدْرَجَةٌ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ؟ وَبِكُلِّ حَالٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ لَمَّا كَانَتْ قَدْ تُوجِبُ تَطَيُّرًا تَكْرَهُهُ النُّفُوسُ، وَيَصُدُّهَا عَمَّا هِيَ بِصَدَدِهِ كَمَا إِذَا قُلْتَ لِرَجُلٍ: أَعِنْدَكَ يَسَارٌ أَوْ رَبَاحٌ أَوْ أَفْلَحُ؟ قَالَ: لَا، تَطَيَّرْتَ أَنْتَ وَهُوَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ تَقَعُ الطِّيَرَةُ لَا سِيَّمَا عَلَى الْمُتَطَيِّرِينَ، فَقَلَّ مَنْ تَطَيَّرَ إِلَّا وَوَقَعَتْ بِهِ طِيَرَتُهُ، وَأَصَابَهُ طَائِرُهُ كَمَا قِيلَ:
تَعَلَّمْ أَنَّهُ لَا طَيْرَ إِلَّا
…
عَلَى مُتَطَيِّرٍ فَهُوَ الثُّبُورُ
اقْتَضَتْ حِكْمَةُ الشَّارِعِ الرَّءُوفِ بِأُمَّتِهِ الرَّحِيمِ بِهِمْ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ أَسِبَابٍ تُوجِبُ لَهُمْ سَمَاعَ الْمَكْرُوهِ أَوْ وُقُوعَهُ، وَأَنْ يَعْدِلَ عَنْهَا إِلَى أَسْمَاءٍ تُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ مِنْ غَيْرِ مَفْسَدَةٍ، هَذَا أَوْلَى، مَعَ مَا يَنْضَافُ إِلَى ذَلِكَ مِنْ تَعْلِيقِ ضِدِّ الِاسْمِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَمَّى يَسَارًا مَنْ هُوَ مِنْ أَعْسَرِ النَّاسِ، وَنَجِيحًا مَنْ لَا نَجَاحَ عِنْدَهُ، وَرَبَاحًا مَنْ هُوَ مِنَ الْخَاسِرِينَ، فَيَكُونُ قَدْ وَقَعَ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ وَعَلَى اللَّهِ. وَأَمْرٌ آخَرُ أَيْضًا، وَهُوَ أَنْ يُطَالَبَ الْمُسَمَّى بِمُقْتَضَى اسْمِهِ فَلَا يُوجَدُ عِنْدَهُ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ سَبَبًا لِذَمِّهِ وَسَبِّهِ كَمَا قِيلَ:
سَمَّوْكَ مِنْ جَهْلِهِمْ سَدِيدًا
…
وَاللَّهِ مَا فِيكَ مِنْ سَدَادِ
أَنْتَ الَّذِي كَوْنُهُ فَسَادًا
…
فِي عَالَمِ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ
فَتَوَصَّلَ الشَّاعِرُ بِهَذَا الِاسْمِ إِلَى ذَمِّ الْمُسَمَّى بِهِ. وَلِي مِنْ أَبْيَاتٍ:
وَسَمَّيْتُهُ صَالِحًا فَاغْتَدَى
…
بِضِدِّ اسْمِهِ فِي الْوَرَى سَائِرًا
وَظَنَّ بِأَنَّ اسْمَهُ سَاتِرٌ
…
لِأَوْصَافِهِ فَغَدَا شَاهِرًا
وَهَذَا كَمَا أَنَّ مِنَ الْمَدْحِ مَا يَكُونُ ذَمًّا وَمُوجِبًا لِسُقُوطِ مَرْتَبَةِ الْمَمْدُوحِ عِنْدَ النَّاسِ فَإِنَّهُ يُمْدَحُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَتُطَالِبُهُ النُّفُوسُ بِمَا مُدِحَ بِهِ وَتَظُنُّهُ عِنْدَهُ فَلَا تَجِدُهُ كَذَلِكَ فَتَنْقَلِبُ ذَمًّا، وَلَوْ تُرِكَ بِغَيْرِ مَدْحٍ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ هَذِهِ الْمَفْسَدَةُ وَيُشْبِهُ حَالُهُ حَالَ مَنْ وَلِيَ وِلَايَةً سَيِّئَةً، ثُمَّ عُزِلَ عَنْهَا، فَإِنَّهُ تَنْقُصُ مَرْتَبَتُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ، وَيَنْقُصُ فِي نَفُوسِ النَّاسِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَهَا، وَفِي هَذَا قَالَ الْقَائِلُ:
إِذَا مَا وَصَفْتَ امْرَأً لِامْرِئٍ
…
فَلَا تَغْلُ فِي وَصْفِهِ وَاقْصِدْ
فَإِنَّكَ إِنْ تَغْلُ تَغْلُ الظُّنُونُ
…
فِيهِ إِلَى الْأَمَدِ الْأَبْعَدِ
فَيَنْقُصُ مِنْ حَيْثُ عَظَّمْتَهُ
…
لِفَضْلِ الْمَغِيبِ عَنِ الْمَشْهَدِ
وَأَمْرٌ آخَرُ: وَهُوَ ظَنُّ الْمُسَمَّى وَاعْتِقَادُهُ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَيَقَعُ فِي تَزْكِيَةِ