الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، فَأَنْشَأَ الْعُمْرَةَ مِنْهَا، وَاعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَقَامَ حَتَّى يَحُجَّ أَوِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِهِ، وَرَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ، ثُمَّ حَجَّ فَهَاهُنَا قَدْ أَتَى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النُّسُكَيْنِ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ، وَهَذَا إِتْيَانٌ بِهِمَا عَلَى الْكَمَالِ، فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ.
قُلْتُ: فَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ عمر لِلنَّاسِ، فَظَنَّ مَنْ غَلِطَ مِنْهُمْ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْمُتْعَةِ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ نَهْيَهُ عَلَى مُتْعَةِ الْفَسْخِ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى تَرْكِ الْأَوْلَى تَرْجِيحًا لِلْإِفْرَادِ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَارَضَ رِوَايَاتِ النَّهْيِ عَنْهُ بِرِوَايَاتِ الِاسْتِحْبَابِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَيْنِ عَنْ عمر، كَمَا عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الْمَسَائِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ النَّهْيَ قَوْلًا قَدِيمًا، وَرَجَعَ عَنْهُ أَخَيْرًا، كَمَا سَلَكَ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعُدُّ النَّهْيَ رَأْيًا رَآهُ مَنْ عِنْدَهُ لِكَرَاهَتِهِ أَنْ يَظَلَّ الْحَاجُّ مُعْرِسِينَ بِنِسَائِهِمْ فِي ظِلِّ الْأَرَاكِ.
قَالَ أبو حنيفة: عَنْ حماد، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا وَاقِفٌ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِعَرَفَةَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُرَجَّلٍ شَعْرَهُ يَفُوحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ، فَقَالَ لَهُ عمر: أَمُحْرِمٌ أَنْتَ؟ قَالَ نَعَمْ. فَقَالَ عمر: مَا هَيْئَتُكَ بِهَيْئَةِ مُحْرِمٍ إِنَّمَا الْمُحْرِمُ الْأَشْعَثُ الْأَغْبَرُ الْأَدْفَرُ. قَالَ إِنِّي قَدِمْتُ مُتَمَتَّعًا، وَكَانَ مَعِي أَهْلِي، وَإِنَّمَا أَحْرَمْتُ الْيَوْمَ. فَقَالَ عمر عِنْدَ ذَلِكَ لَا تَتَمَتَّعُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَإِنِّي لَوْ رَخَّصْتُ فِي الْمُتْعَةِ لَهُمْ، لَعَرَّسُوا بِهِنَّ فِي الْأَرَاكِ، ثُمَّ رَاحُوا بِهِنَّ حُجَّاجًا. وَهَذَا يُبَيِّنُ، أَنَّ هَذَا مِنْ عمر رَأْيٌ رَآهُ.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: فَكَانَ مَاذَا؟ وَحَبَّذَا ذَلِكَ؟ وَقَدْ طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نِسَائِهِ، ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْوَطْءَ مُبَاحٌ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَقِيَّةُ طُرُقِ الْمَانِعِينَ مِنْ فَسْخِ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ]
فَصْلٌ
وَقَدْ سَلَكَ الْمَانِعُونَ مِنَ الْفَسْخِ طَرِيقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ، نَذْكُرُهُمَا وَنُبَيِّنُ فَسَادَهُمَا.
الطَّرِيقَةُ الْأُولَى: قَالُوا: إِذَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي جَوَازِ الْفَسْخِ، فَالِاحْتِيَاطُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْهُ صِيَانَةً لِلْعِبَادَةِ عَمَّا لَا يَجُوزُ فِيهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَكَانُوا يَقُولُونَ إِذَا بَرَأَ الدَّبَرُ، وَعَفَا الْأَثَرُ، وَانْسَلَخَ صَفَرُ، فَقَدْ حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرَ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْفَسْخِ؛ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَهَاتَانِ الطَّرِيقَتَانِ بَاطِلَتَانِ.
أَمَّا الْأُولَى: فَلِأَنَّ الِاحْتِيَاطَ إِنَّمَا يُشْرَعُ، إِذَا لَمْ تَتَبَيِّنِ السُّنَّةُ، فَإِذَا تَبَيَّنَتْ فَالِاحْتِيَاطُ هُوَ اتِّبَاعُهَا وَتَرْكُ مَا خَالَفَهَا; فَإِنْ كَانَ تَرْكُهَا لِأَجْلِ الِاخْتِلَافِ احْتِيَاطًا، فَتَرْكُ مَا خَالَفَهَا وَاتِّبَاعُهَا، أَحْوَطُ وَأَحْوَطُ، فَالِاحْتِيَاطُ نَوْعَانِ: احْتِيَاطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ، وَاحْتِيَاطٌ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ السُّنَّةِ، وَلَا يَخْفَى رُجْحَانُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الِاحْتِيَاطَ مُمْتَنِعٌ هُنَا، فَإِنَّ لِلنَّاسِ فِي الْفَسْخِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ مُحَرَّمٌ.