الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رَمْيُ الْجِمَارِ قَبْلَ الْفَجْرِ]
" «وَأَذِنَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِضَعَفَةِ أَهْلِهِ أَنْ يَتَقَدَّمُوا إِلَى مِنًى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ غَيْبُوبَةِ الْقَمَرِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» "حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَحَّحَهُ الترمذي وَغَيْرُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عائشة رضي الله عنها: «أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بأم سلمة لَيْلَةَ
النَّحْرِ، فَرَمَتِ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ، ثُمَّ مَضَتْ، فَأَفَاضَتْ» ، وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي يَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَعْنِي عِنْدَهَا، رَوَاهُ أبو داود، فَحَدِيثٌ مُنْكَرٌ، أَنْكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى إِنْكَارِهِ أَنَّ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تُوَافِيَ صَلَاةَ الصُّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ، وَفِي رِوَايَةٍ:" تُوَافِيَهُ بِمَكَّةَ " وَكَانَ يَوْمَهَا، فَأَحَبَّ أَنْ تُوَافِيَهُ، وَهَذَا مِنَ الْمُحَالِ قَطْعًا.
قَالَ الأثرم: قَالَ لِي أبو عبد الله: حَدَّثَنَا أبو معاوية، عَنْ هشام، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زينب بنت أم سلمة، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تُوَافِيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ، لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُهُ، وَهُوَ خَطَأٌ.
وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تُوَافِيَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَكَّةَ، أَوْ نَحْوَ هَذَا، وَهَذَا أَعْجَبُ أَيْضًا، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ وَقْتَ الصُّبْحِ مَا يَصْنَعُ بِمَكَّةَ؟ يُنْكِرُ ذَلِكَ. قَالَ: فَجِئْتُ إِلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: عَنْ هشام عَنْ أَبِيهِ: " أَمَرَهَا أَنْ تُوَافِيَ " وَلَيْسَ " تُوَافِيهِ " قَالَ: وَبَيْنَ ذَيْنِ فَرْقٌ. قَالَ: وَقَالَ لِي يحيى: سَلْ عبد الرحمن عَنْهُ، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ هَكَذَا سفيان، عَنْ هشام، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ الخلال: سَهَا الأثرم فِي حِكَايَتِهِ عَنْ وَكِيعٍ "تُوَافِيهِ"، وَإِنَّمَا قَالَ وَكِيعٌ: تُوَافِي مِنًى. وَأَصَابَ فِي قَوْلِهِ: " تُوَافِي " كَمَا قَالَ أَصْحَابُهُ، وَأَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ:" مِنًى ".
قَالَ الخلال: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هارون بن عمران، عَنْ
سليمان بن أبي داود، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَخْبَرَتْنِي أم سلمة، قَالَتْ:«قَدَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ قَدَّمَ مِنْ أَهْلِهِ لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ. قَالَتْ: فَرَمَيْتُ بِلَيْلٍ، ثُمَّ مَضَيْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّيْتُ بِهَا الصُّبْحَ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى مِنًى.»
قُلْتُ: سليمان بن أبي داود هذا: هو الدمشقي الخولاني، وَيُقَالُ: ابْنُ دَاوُدَ. قَالَ أبو زرعة، عَنْ أحمد: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ لَيْسَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ: ضَعِيفٌ.
قُلْتُ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِهِ، مَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عائشة، قَالَتِ اسْتَأْذَنَتْ سودة رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ، أَنْ تَدْفَعَ قَبْلَهُ، وَقَبْلَ حَطْمَةِ النَّاسِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً ثَبِطَةً، قَالَتْ فَأَذِنَ لَهَا، فَخَرَجَتْ قَبْلَ دَفْعِهِ، وَحُبِسْنَا حَتَّى أَصْبَحْنَا، فَدَفَعْنَا بِدَفْعِهِ، وَلَأَنْ أَكُونَ اسْتَأَذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سودة أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَفْرُوحٍ بِهِ، فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ، يُبَيُّنُ أَنَّ نِسَاءَهُ غَيْرَ سودة، إِنَّمَا دَفَعْنَ مَعَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِحَدِيثِ عائشة الَّذِي رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " «أَمَرَ نِسَاءَهُ أَنْ يَخْرُجْنَ مِنْ جَمْعٍ لَيْلَةَ جَمْعٍ، فَيَرْمِينَ الْجَمْرَةَ، ثُمَّ تُصْبِحَ فِي مَنْزِلِهَا، وَكَانَتْ تَصْنَعُ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَتْ» ".
قِيلَ: يَرُدُّهُ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ، كَذَّبَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَيَرُدُّهُ أَيْضًا:
حَدِيثُهَا الَّذِي فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَقَوْلُهَا: وَدِدْتُ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا اسْتَأْذَنَتْهُ سودة.
وَإِنْ قِيلَ: فَهَبْ أَنَّكُمْ يُمْكِنُكُمْ رَدَّ هَذَا الْحَدِيثِ، فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مسلم فِي "صَحِيحِهِ"، عَنْ أم حبيبة، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ. قِيلَ قَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ"«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ» ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَنْ قَدَّمَ. وَثَبَتَ أَنَّهُ قَدَّمَ سودة، وَثَبَتَ أَنَّهُ حَبَسَ نِسَاءَهُ عِنْدَهُ حَتَّى دَفَعْنَ بِدَفْعِهِ. وَحَدِيثُ أم حبيبة، انْفَرَدَ بِهِ مسلم. فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا، فَهِيَ إِذًا مِنَ الضَّعَفَةِ الَّتِي قَدَّمَهَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِهِ مَعَ أَهْلِهِ إِلَى مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ، فَرَمَوُا الْجَمْرَةَ مَعَ الْفَجْرِ، قِيلَ: نُقَدِّمُ عَلَيْهِ حَدِيثَهُ الْآخَرَ الَّذِي رَوَاهُ أَيْضًا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ، وَقَالَ:" «لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» " وَلَفْظُ أحمد فِيهِ: قَدَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَلَى حُمُرَاتٍ لَنَا مِنْ جَمْعٍ، فَجَعَلَ يَلْطَحُ أَفْخَاذَنَا وَيَقُولُ:" «أَيْ بَنِيَّ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ» " لِأَنَّهُ أَصَحُّ مِنْهُ، وَفِيهِ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَمْيِ الْجَمْرَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَهُوَ مَحْفُوظٌ بِذِكْرِ الْقِصَّةِ فِيهِ.
وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ: إِنَّمَا فِيهِ: أَنَّهُمْ رَمَوْهَا مَعَ الْفَجْرِ، ثُمَّ تَأَمَّلْنَا فَإِذَا أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، فَإِنَّهُ أَمَرَ الصِّبْيَانَ أَنْ لَا يَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُمْ فِي تَقْدِيمِ الرَّمْيِ، أَمَّا مَنْ قَدَّمَهُ مِنَ النِّسَاءِ فَرَمَيْنَ قَبْلَ