الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمُقْتَضَى هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَأَنَّهَا تَفُوتُ بِالْفَرَاغِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، فَإِنَّهُ لَا مُعَارِضَ لِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَلَا نَاسِخَ، وَلَا إِجْمَاعَ يَدْفَعُ الْقَوْلَ بِهِمَا، وَكَانَ شَيْخُنَا يُقَوِّي ذَلِكَ وَيَنْصُرُهُ، وَنَظِيرُهُ تَرْتِيبُ الْأُضْحِيَّةِ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ، لَا عَلَى وَقْتِهَا، وَأَنَّ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَمْ تَكُنْ ذَبِيحَتُهُ أُضْحِيَّةً بَلْ شَاةَ لَحْمٍ. وَهَذَا أَيْضًا هُوَ الصَّوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى، وَهَذَا هَدْيُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَوْضِعَيْنِ.
[هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم تَخْصِيصُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ للْمَسَاكِينِ]
فَصْلٌ
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم تَخْصِيصُ الْمَسَاكِينِ بِهَذِهِ الصَّدَقَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَقْسِمُهَا عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ قَبْضَةً قَبْضَةً، وَلَا أَمَرَ بِذَلِكَ، وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلَا مَنْ بَعْدَهُمْ، بَلْ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا إِلَّا عَلَى الْمَسَاكِينِ خَاصَّةً، وَهَذَا الْقَوْلُ أَرْجَحُ مِنَ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ قِسْمَتِهَا عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ.
[فصل هديه صلى الله عليه وسلم في صدقة التطوع]
فَصْلٌ
فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ
كَانَ صلى الله عليه وسلم أَعْظَمَ النَّاسِ صَدَقَةً بِمَا مَلَكَتْ يَدُهُ، وَكَانَ لَا يَسْتَكْثِرُ شَيْئًا أَعْطَاهُ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَا يَسْتَقِلُّهُ، وَكَانَ لَا يَسْأَلُهُ أَحَدٌ شَيْئًا عِنْدَهُ إِلَّا أَعْطَاهُ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، وَكَانَ عَطَاؤُهُ عَطَاءَ مَنْ لَا يَخَافُ الْفَقْرَ، وَكَانَ الْعَطَاءُ وَالصَّدَقَةُ أَحَبَّ شَيْءٍ إِلَيْهِ، وَكَانَ سُرُورُهُ وَفَرَحُهُ بِمَا يُعْطِيهِ أَعْظَمَ مِنْ سُرُورِ الْآخِذِ بِمَا يَأْخُذُهُ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، يَمِينُهُ كَالرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
وَكَانَ إِذَا عَرَضَ لَهُ مُحْتَاجٌ آثَرَهُ عَلَى نَفْسِهِ، تَارَةً بِطَعَامِهِ، وَتَارَةً بِلِبَاسِهِ.
وَكَانَ يُنَوِّعُ فِي أَصْنَافِ عَطَائِهِ وَصَدَقَتِهِ، فَتَارَةً بِالْهِبَةِ، وَتَارَةً بِالصَّدَقَةِ، وَتَارَةً بِالْهَدِيَّةِ، وَتَارَةً بِشِرَاءِ الشَّيْءِ ثُمَّ يُعْطِي الْبَائِعَ الثَّمَنَ وَالسِّلْعَةَ جَمِيعًا، كَمَا فَعَلَ بِبَعِيرِ