الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالْحَجِّ) فَلَعَلَّ هَؤُلَاءِ حَمَلُوهُ عَلَى الْمَعْنَى، وَقَالُوا:(أَفْرَدَ الْحَجَّ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعُمْرَةَ إِذَا دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ فَمَنْ قَالَ: (أَهَلَّ بِالْحَجِّ)، لَا يُنَاقِضُ مَنْ قَالَ: أَهَلَّ بِهِمَا، بَلْ هَذَا فَصَّلَ وَذَاكَ أَجْمَلَ.
وَمَنْ قَالَ: (أَفْرَدَ الْحَجَّ) يَحْتَمِلُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ، وَلَكِنْ هَلْ قَالَ أَحَدٌ قَطُّ عَنْهُ: إِنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: " لَبَّيْكَ بِحَجَّةٍ مُفْرَدَةٍ "، هَذَا مَا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، حَتَّى لَوْ وُجِدَ ذَلِكَ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى تِلْكَ الْأَسَاطِينِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَالَّتِي لَا سَبِيلَ إِلَى دَفْعِهَا الْبَتَّةَ، وَكَانَ تَغْلِيطُ هَذَا أَوْ حَمْلُهُ عَلَى أَوَّلِ الْإِحْرَامِ وَأَنَّهُ صَارَ قَارِنًا فِي أَثْنَائِهِ مُتَعَيِّنًا، فَكَيْفَ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جابر رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «قَرَنَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» . رَوَاهُ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ، عَنْ عبد الله بن أبي زياد القطواني، عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، عَنْ سفيان. وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَأَفْرَدَ بِالْحَجِّ وَلَبَّى بِالْحَجِّ كَمَا تَقَدَّمَ.
[التَّرْجِيحُ لِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى الْقِرَانَ]
فَصْلٌ
فَحَصَلَ التَّرْجِيحُ لِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى الْقِرَانَ لِوُجُوهٍ عَشَرَةٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ أَكْثَرُ كَمَا تَقَدَّمَ.
الثَّانِي: أَنَّ طُرُقَ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ تَنَوَّعَتْ كَمَا بَيَّنَّاهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّ فِيهِمْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ سَمَاعِهِ وَلَفْظِهِ صَرِيحًا، وَفِيهِمْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ إِخْبَارِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَفِيهِمْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ لَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَجِئْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْإِفْرَادِ.
الرَّابِعُ: تَصْدِيقُ رِوَايَاتِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ لَهَا.
الْخَامِسُ: أَنَّهَا صَرِيحَةٌ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ رِوَايَاتِ الْإِفْرَادِ.
السَّادِسُ: أَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ زِيَادَةً سَكَتَ عَنْهَا أَهْلُ الْإِفْرَادِ أَوْ نَفَوْهَا، وَالذَّاكِرُ
الزَّائِدُ مُقَدَّمٌ عَلَى السَّاكِتِ، وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي.
السَّابِعُ: أَنَّ رُوَاةَ الْإِفْرَادِ أَرْبَعَةٌ: عائشة، وَابْنُ عُمَرَ، وجابر، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْأَرْبَعَةُ رَوَوُا الْقِرَانَ، فَإِنْ صِرْنَا إِلَى تَسَاقُطِ رِوَايَاتِهِمْ، سَلِمَتْ رِوَايَةُ مَنْ عَدَاهُمْ لِلْقِرَانِ عَنْ مُعَارِضٍ، وَإِنْ صِرْنَا إِلَى التَّرْجِيحِ، وَجَبَ الْأَخْذُ بِرِوَايَةِ مَنْ لَمْ تَضْطَرِبِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، وَلَا اخْتَلَفَتْ كالبراء، وأنس، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، وحفصة، وَمَنْ مَعَهُمْ مِمَّنْ تَقَدَّمَ.
الثَّامِنُ: أَنَّهُ النُّسُكُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ مِنْ رَبِّهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِيَعْدِلَ عَنْهُ.
التَّاسِعُ: أَنَّهُ النُّسُكُ الَّذِي أُمِرَ بِهِ كُلُّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ، فَلَمْ يَكُنْ لِيَأْمُرَهُمْ بِهِ إِذَا سَاقُوا الْهَدْيَ، ثُمَّ يَسُوقُ هُوَ الْهَدْيَ وَيُخَالِفُهُ.
الْعَاشِرُ: أَنَّهُ النُّسُكُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ آلَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ، وَاخْتَارَهُ لَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِيَخْتَارَ لَهُمْ إِلَّا مَا اخْتَارَ لِنَفْسِهِ.
وَثَمَّتَ تَرْجِيحٌ حَادِي عَشَرَ، وَهُوَ قَوْلُهُ:( «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ) ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهَا قَدْ صَارَتْ جُزْءًا مِنْهُ، أَوْ كَالْجُزْءِ الدَّاخِلِ فِيهِ، بِحَيْثُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، وَإِنَّمَا تَكُونُ مَعَ الْحَجِّ كَمَا يَكُونُ الدَّاخِلُ فِي الشَّيْءِ مَعَهُ.
وَتَرْجِيحٌ ثَانِي عَشَرَ: وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه للصبي بن معبد وَقَدْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ، أَوْ سلمان بن ربيعة، فَقَالَ لَهُ عمر: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَهَذَا يُوَافِقُ رِوَايَةَ عمر عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْوَحْيَ جَاءَهُ مِنَ اللَّهِ بِالْإِهْلَالِ بِهِمَا جَمِيعًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقِرَانَ سُنَّتُهُ الَّتِي فَعَلَهَا، وَامْتَثَلَ أَمْرَ اللَّهِ لَهُ بِهَا.
وَتَرْجِيحٌ ثَالِثَ عَشَرَ: أَنَّ الْقَارِنَ تَقَعُ أَعْمَالُهُ عَنْ كُلٍّ مِنَ النُّسُكَيْنِ، فَيَقَعُ