الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِي أَمَرَ بِهِ الصَّحَابَةَ إِلَى الْعُمْرَةِ، فَحِينَئِذٍ أَمَرَ كُلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ مِنْهُمْ أَنْ يَفْسَخَ حَجَّهُ إِلَى عُمْرَةٍ، وَقَالَ:( «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ، وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» ) ، وَكَانَ هَذَا أَمْرَ حَتْمٍ بِالْوَحْيِ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا تَوَقَّفُوا فِيهِ قَالَ:" «انْظُرُوا الَّذِي آمُرُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوهُ» ".
فَأَمَّا قَوْلُ عائشة: خَرَجْنَا لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً، فَهَذَا إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا عَنْهَا، وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ، وَإِلَّا نَاقَضَ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ عَنْهَا، أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ عِنْدَ الْمِيقَاتِ بِحَجٍّ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَأَنَّهَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ. وَأَمَّا قَوْلُهَا: نُلَبِّي لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً، فَهَذَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ، وَلَمْ تَقُلْ: إِنَّهُمُ اسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ إِلَى مَكَّةَ، هَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا فَإِنَّ الَّذِينَ سَمِعُوا إِحْرَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا أَهَلَّ بِهِ، شَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ، وَأَخْبَرُوا بِهِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى رَدِّ رِوَايَاتِهِمْ. وَلَوْ صَحَّ عَنْ عائشة ذَلِكَ، لَكَانَ غَايَتُهُ أَنَّهَا لَمْ تَحْفَظْ إِهْلَالَهُمْ عِنْدَ الْمِيقَاتِ، فَنَفَتْهُ وَحَفِظَهُ غَيْرُهَا مِنَ الصَّحَابَةِ فَأَثْبَتَهُ، وَالرِّجَالُ بِذَلِكَ أَعْلَمُ مِنَ النِّسَاءِ.
وَأَمَّا قَوْلُ جابر رضي الله عنه: وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالتَّوْحِيدِ، فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا إِخْبَارُهُ عَنْ صِفَةِ تَلْبِيَتِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيٌ لِتَعْيِينِهِ النُّسُكَ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ. وَبِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَرِيحَةً فِي نَفْيِ التَّعْيِينِ، لَكَانَتْ أَحَادِيثُ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ أَوْلَى بِالْأَخْذِ مِنْهَا؛ لِكَثْرَتِهَا، وَصِحَّتِهَا، وَاتِّصَالِهَا، وَأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ مُبَيِّنَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِزِيَادَةٍ خَفِيَتْ عَلَى مَنْ نَفَى، وَهَذَا بِحَمْدِ اللَّهِ وَاضِحٌ؛ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[عود إلى سِيَاقِ حَجَّتِهِ صلى الله عليه وسلم]
فَصْلٌ
وَلْنَرْجِعْ إِلَى سِيَاقِ حَجَّتِهِ صلى الله عليه وسلم
( «وَلَبَّدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ بِالْغِسْلِ» ) ، وَهُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى وَزْنِ كِفْلٍ
وَهُوَ مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ خِطْمِيِّ وَنَحْوِهِ يُلَبَّدُ بِهِ الشَّعْرُ حَتَّى لَا يَنْتَشِرَ، وَأَهَلَّ فِي مُصَلَّاهُ، ثُمَّ رَكِبَ عَلَى نَاقَتِهِ، وَأَهَلَّ أَيْضًا، ثُمَّ أَهَلَّ لَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ، وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ، وَأَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ.
وَكَانَ يُهِلُّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ تَارَةً، وَبِالْحَجِّ تَارَةً؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ جُزْءٌ مِنْهُ، فَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: قَرَنَ، وَقِيلَ: تَمَتَّعَ، وَقِيلَ: أَفْرَدَ. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الظُّهْرِ بِيَسِيرٍ، وَهَذَا وَهْمٌ مِنْهُ، وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَهَلَّ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ قَطُّ: إِنَّ إِحْرَامَهُ كَانَ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ لَهُ هَذَا. وَقَدْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ:( «مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مِنْ عِنْدِ الشَّجَرَةِ حِينَ قَامَ بِهِ بَعِيرُهُ» )، وَقَدْ قَالَ أنس: إِنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ رَكِبَ) ، وَالْحَدِيثَانِ فِي " الصَّحِيحِ ".
فَإِذَا جَمَعْتَ أَحَدَهُمَا إِلَى الْآخَرِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَهَلَّ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ لَبَّى فَقَالَ:( «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ» ) ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِهَذِهِ التَّلْبِيَةِ حَتَّى سَمِعَهَا أَصْحَابُهُ، وَأَمَرَهُمْ