الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَمِعْتُ أبا داود يَقُولُ: قتادة لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أبي رافع. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ ": وَقَالَ سعيد: عَنْ قتادة، عَنْ أبي رافع، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " هُوَ إِذْنُهُ "، فَذَكَرَهُ تَعْلِيقًا لِأَجْلِ الِانْقِطَاعِ فِي إِسْنَادِهِ.
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اعْتِبَارَ الِاسْتِئْذَانِ بَعْدَ الدَّعْوَةِ وَهُوَ حَدِيثُ مجاهد، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ( «دَخَلْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْتُ لَبَنًا فِي قَدَحٍ، فَقَالَ اذْهَبْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ إِلَيَّ " قَالَ فَأَتَيْتُهُمْ، فَدَعَوْتُهُمْ، فَأَقْبَلُوا، فَاسْتَأْذَنُوا، فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا» ) وَقَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ: بِأَنَّ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى حَالَيْنِ، فَإِنْ جَاءَ الدَّاعِي عَلَى الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى اسْتِئْذَانٍ، وَإِنْ تَرَاخَى مَجِيئُهُ عَنِ الدَّعْوَةِ وَطَالَ الْوَقْتُ، احْتَاجَ إِلَى اسْتِئْذَانٍ.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِنْ كَانَ عِنْدَ الدَّاعِي مَنْ قَدْ أَذِنَ لَهُ قَبْلَ مَجِيءِ الْمَدْعُوِّ، لَمْ يَحْتَجْ إِلَى اسْتِئْذَانٍ آخَرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ قَدْ أَذِنَ لَهُ، لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ إِلَى مَكَانٍ يُحِبُّ الِانْفِرَادَ فِيهِ، أَمَرَ مَنْ يُمْسِكُ الْبَابَ، فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنٍ.
[اسْتِئْذَانُ الْمَمَالِيكِ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ فِي الْعَوْرَاتِ الثَّلَاثِ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا الِاسْتِئْذَانُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْمَمَالِيكَ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ فِي الْعَوْرَاتِ الثَّلَاثِ: قَبْلَ الْفَجْرِ، وَوَقْتَ الظَّهِيرَةِ، وَعِنْدَ النَّوْمِ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَأْمُرُ بِهِ، وَيَقُولُ: تَرَكَ النَّاسُ الْعَمَلَ بِهَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ وَلَمْ تَأْتِ بِحُجَّةٍ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَمْرُ نَدْبٍ وَإِرْشَادٍ، لَا حَتْمٍ وَإِيجَابٍ، وَلَيْسَ مَعَهَا مَا يَدُلُّ عَلَى صَرْفِ الْأَمْرِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ النِّسَاءُ خَاصَّةً، وَأَمَّا الرِّجَالُ، فَيَسْتَأْذِنُونَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، فَإِنَّ جَمْعَ " الَّذِينَ " لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْمُؤَنَّثُ، وَإِنْ جَازَ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِنَّ مَعَ الذُّكُورِ تَغْلِيبًا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَكْسَ هَذَا: إِنَّ الْمَأْمُورَ بِذَلِكَ الرِّجَالُ دُونَ النِّسَاءِ، نَظَرًا إِلَى لَفْظِ " الَّذِينَ " فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَكِنْ سِيَاقُ الْآيَةِ يَأْبَاهُ فَتَأَمَّلْهُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَانَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِلْحَاجَةِ، ثُمَّ زَالَتْ، وَالْحُكْمُ إِذَا ثَبَتَ بِعِلَّةٍ زَالَ بِزَوَالِهَا، فَرَوَى أبو داود فِي " سُنَنِهِ " ( «أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالُوا لِابْنِ عَبَّاسٍ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ! كَيْفَ تَرَى هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِمَا أُمِرْنَا، وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النور: 58] الْآيَةَ [النُّورِ: 58] . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ اللَّهَ حَكِيمٌ رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ، يُحِبُّ السِّتْرَ، وَكَانَ النَّاسُ لَيْسَ لِبُيُوتِهِمْ سُتُورٌ وَلَا حِجَالٌ، فَرُبَّمَا دَخَلَ الْخَادِمُ، أَوِ الْوَلَدُ أَوْ يَتِيمَةُ الرَّجُلِ، وَالرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ، فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْعَوْرَاتِ، فَجَاءَهُمُ اللَّهُ بِالسُّتُورِ وَالْخَيْرِ، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ بَعْدُ» )
وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ ثُبُوتَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَعَنَ فِي عكرمة، وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، وَطَعَنَ فِي عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ، وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ صَاحِبَا الصَّحِيحِ، فَإِنْكَارُ هَذَا تَعَنُّتٌ وَاسْتِبْعَادٌ لَا وَجْهَ لَهُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ عَامَّةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا وَلَا دَافِعَ، وَالْعَمَلُ بِهَا وَاجِبٌ، وَإِنْ تَرَكَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ.