الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ هُنَاكَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِئْذَانِ مِنْ فَتْحِ بَابٍ فَتْحُهُ دَلِيلٌ عَلَى الدُّخُولِ، أَوْ رَفْعِ سِتْرٍ، أَوْ تَرَدُّدِ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ وَنَحْوِهِ، أَغْنَى ذَلِكَ عَنِ الِاسْتِئْذَانِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْهُ، وَالْحُكْمُ مُعَلَّلٌ بِعِلَّةٍ قَدْ أَشَارَتْ إِلَيْهَا الْآيَةُ، فَإِذَا وُجِدَتْ، وُجِدَ الْحُكْمُ، وَإِذَا انْتَفَتِ انْتَفَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَذْكَارِ الْعُطَاسِ]
ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم ( «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ، كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ، فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ» ) ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي " صَحِيحِهِ ": ( «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ: فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» )
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أنس: «أَنَّهُ عَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ، فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُشَمِّتِ الْآخَرَ، فَقَالَ الَّذِي لَمْ يُشَمِّتْهُ: عَطَسَ فُلَانٌ فَشَمَّتَّهُ، وَعَطَسْتُ فَلَمْ تُشَمِّتْنِي، فَقَالَ (هَذَا حَمِدَ اللَّهَ، وَأَنْتَ لَمْ تَحْمَدِ اللَّهَ)
»
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي " صَحِيحِ مسلم ": ( «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ، فَلَا تُشَمِّتُوهُ» )
وَثَبَتَ عَنْهُ فِي " صَحِيحِهِ ": مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ( «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ: إِذَا لَقِيتَهُ، فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ وَحَمِدَ اللَّهَ، فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ، وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ» )
وَرَوَى أبو داود عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: ( «إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَقُلْ هُوَ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» )
وَذَكَرَ مالك، عَنْ نافع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:( «كَانَ إِذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، قَالَ: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ، وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ» )
فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَبْدُوءِ بِهِ: أَنَّ التَّشْمِيتَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ الْعَاطِسَ يَحْمَدُ اللَّهَ، وَلَا يُجْزِئُ تَشْمِيتُ الْوَاحِدِ عَنْهُمْ، وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ، وَاخْتَارَهُ ابن أبي زيد، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيَّانِ، وَلَا دَافِعَ لَهُ.
وَقَدْ رَوَى أبو داود: ( «أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَعَلَى أُمِّكَ " ثُمَّ قَالَ: " إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ " قَالَ: فَذَكَرَ بَعْضَ الْمَحَامِدِ، وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، وَلْيَرُدَّ - يَعْنِي عَلَيْهِمْ - يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ» )
وَفِي السَّلَامِ عَلَى أُمِّ هَذَا الْمُسَلِّمِ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ، وَهِيَ إِشْعَارُهُ بِأَنَّ سَلَامَهُ قَدْ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَوْقِعِهِ اللَّائِقِ بِهِ، كَمَا وَقَعَ هَذَا السَّلَامُ عَلَى أُمِّهِ، فَكَمَا أَنَّ سَلَامَهُ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَذَلِكَ سَلَامُهُ هُوَ.
وَنُكْتَةٌ أُخْرَى أَلْطَفُ مِنْهَا، وَهِيَ تَذْكِيرُهُ بِأُمِّهِ وَنَسَبِهِ إِلَيْهَا، فَكَأَنَّهُ أُمِّيٌّ مَحْضٌ
مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمِّ، بَاقٍ عَلَى تَرْبِيَتِهَا لَمْ تُرَبِّهِ الرِّجَالُ، وَهَذَا أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْأُمِّيِّ، أَنَّهُ الْبَاقِي عَلَى نِسْبَتِهِ إِلَى الْأُمِّ.
وَأَمَّا النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ: فَهُوَ الَّذِي لَا يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَقْرَأُ الْكِتَابَ.
وَأَمَّا الْأُمِّيُّ الَّذِي لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ، فَهُوَ الَّذِي لَا يُصَحِّحُ الْفَاتِحَةَ، وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِعُلُومٍ كَثِيرَةٍ.
وَنَظِيرُ ذِكْرِ الْأُمِّ هَاهُنَا ذِكْرُ هَنِ الْأَبِ لِمَنْ تَعَزَّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: اعْضُضْ هَنَ أَبِيكَ، وَكَانَ ذِكْرُ هَنِ الْأَبِ هَاهُنَا أَحْسَنَ تَذْكِيرًا لِهَذَا الْمُتَكَبِّرِ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ بِالْعُضْوِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، وَهُوَ هَنُ أَبِيهِ، فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى طَوْرَهُ، كَمَا أَنَّ ذِكْرَ الْأُمِّ هَاهُنَا أَحْسَنُ تَذْكِيرًا لَهُ بِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى أُمِّيَّتِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.
وَلَمَّا كَانَ الْعَاطِسُ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ بِالْعُطَاسِ نِعْمَةٌ وَمَنْفَعَةٌ بِخُرُوجِ الْأَبْخِرَةِ الْمُحْتَقِنَةِ فِي دِمَاغِهِ الَّتِي لَوْ بَقِيَتْ فِيهِ أَحْدَثَتْ لَهُ أَدْوَاءً عَسِرَةً، شُرِعَ لَهُ حَمْدُ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ مَعَ بَقَاءِ أَعْضَائِهِ عَلَى الْتِئَامِهَا وَهَيْئَتِهَا بَعْدَ هَذِهِ الزَّلْزَلَةِ الَّتِي هِيَ لِلْبَدَنِ كَزَلْزَلَةِ الْأَرْضِ لَهَا، وَلِهَذَا يُقَالُ: سَمَّتَهُ وَشَمَّتَهُ بِالسِّينِ وَالشِّينِ فَقِيلَ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، قَالَهُ أبو عبيدة وَغَيْرُهُ.
قَالَ: وَكُلُّ دَاعٍ بِخَيْرٍ، فَهُوَ مُشَمِّتٌ وَمُسَمِّتٌ. وَقِيلَ: بِالْمُهْمَلَةِ دُعَاءٌ لَهُ بِحُسْنِ السَّمْتِ، وَبِعَوْدِهِ إِلَى حَالَتِهِ مِنَ السُّكُونِ وَالدَّعَةِ، فَإِنَّ الْعُطَاسَ يُحْدِثُ فِي الْأَعْضَاءِ حَرَكَةً وَانْزِعَاجًا. وَبِالْمُعْجَمَةِ: دُعَاءٌ لَهُ بِأَنْ يَصْرِفَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يُشَمِّتُ بِهِ أَعْدَاءَهُ، فَشَمَّتَهُ: إِذَا أَزَالَ عَنْهُ الشَّمَاتَةَ، كَقَرَّدَ الْبَعِيرَ: إِذَا أَزَالَ