الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ: إِنَّ عروة أَخْبَرَهُ عَنْ عائشة بِمِثْلِ حَدِيثِ سالم عَنِ ابْنِ عُمَرَ؟
قِيلَ: الَّذِي أَخْبَرَتْ بِهِ عائشة مِنْ ذَلِكَ، هُوَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا عَنْ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِرِوَايَةِ عروة عَنْهَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ "، «وَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا» ، فَهَذَا مِثْلُ الَّذِي رَوَاهُ سالم عَنْ أَبِيهِ سَوَاءٌ. وَكَيْفَ تَقُولُ عائشة: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَقَدْ قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «لَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ» "، وَقَالَتْ:«وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ» ؟ فَعُلِمَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُهِلَّ فِي ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[عُذْرُ مَنْ قَالَ أَحْرَمَ صلى الله عليه وسلم إِحْرَامًا مُطْلَقًا لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ نُسُكًا ثُمَّ عَيَّنَهُ بَعْدَ إِحْرَامِهِ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُ أَحْرَمَ إِحْرَامًا مُطْلَقًا، لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ نُسُكًا، ثُمَّ عَيَّنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا جَاءَهُ الْقَضَاءُ وَهُوَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَهُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله نَصَّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ " اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ ". قَالَ: وَثَبَتَ أَنَّهُ خَرَجَ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ مَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهُ عُمْرَةً، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ وَصَفَ انْتِظَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقَضَاءَ، إِذْ لَمْ يَحُجَّ مِنَ الْمَدِينَةِ بَعْدَ نُزُولِ الْفَرْضِ طَلَبًا لِلِاخْتِيَارِ فِيمَا وَسَّعَ اللَّهُ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَحْفَظَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُتِيَ بِالْمُتَلَاعِنَيْنِ، فَانْتَظَرَ الْقَضَاءَ، كَذَلِكَ حُفِظَ عَنْهُ فِي الْحَجِّ يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ.
وَعُذْرُ أَرْبَابِ هَذَا الْقَوْلِ مَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ عائشة رضي الله عنها، قَالَتْ:( «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً "، وَفِي لَفْظٍ: " يُلَبِّي لَا يَذْكُرُ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً» )، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا: ( «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ حَتَّى إِذَا دَنَوْنَا مِنْ
مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ» ) ، وَقَالَ طَاوُوسٌ:«خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ لَا يُسَمِّي حَجًّا وَلَا عُمْرَةً يَنْتَظِرُ الْقَضَاءَ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً» . .. الْحَدِيثَ.
وَقَالَ جابر فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي سِيَاقِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ( «فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ، فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ. وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَلْبِيَتَهُ» ) ، فَأَخْبَرَ جابر أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذِهِ التَّلْبِيَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَضَافَ إِلَيْهَا حَجًّا وَلَا عُمْرَةً، وَلَا قِرَانًا، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ مَا يُنَاقِضُ أَحَادِيثَ تَعْيِينِهِ النُّسُكَ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَأَنَّهُ الْقِرَانُ.
فَأَمَّا حَدِيثُ طَاوُوسٍ، فَهُوَ مُرْسَلٌ لَا يُعَارِضُ بِهِ الْأَسَاطِينَ الْمُسْنَدَاتِ، وَلَا يُعْرَفُ اتِّصَالُهُ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ وَلَا حَسَنٍ. وَلَوْ صَحَّ، فَانْتِظَارُهُ لِلْقَضَاءِ كَانَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِيقَاتِ، فَجَاءَهُ الْقَضَاءُ وَهُوَ بِذَلِكَ الْوَادِي، ( «أَتَاهُ آتٍ مِنْ رَبِّهِ تَعَالَى فَقَالَ: صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ، وَقُلْ: عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ» ) ، فَهَذَا الْقَضَاءُ الَّذِي انْتَظَرَهُ، جَاءَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ، فَعَيَّنَ لَهُ الْقِرَانَ. وَقَوْلُ طَاوُوسٍ: نَزَلَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، هُوَ قَضَاءٌ آخَرُ غَيْرُ الْقَضَاءِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ بِإِحْرَامِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ بِوَادِي الْعَقِيقِ، وَأَمَّا الْقَضَاءُ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَهُوَ قَضَاءُ الْفَسْخِ