الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَحْثٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُسَلِّمِ بِـ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ]
وَكَانَ يَرُدُّ عَلَى الْمُسَلِّمِ " وَعَلَيْكَ السَّلَامُ " بِالْوَاوِ، وَبِتَقْدِيمِ " عَلَيْكَ " عَلَى لَفْظِ السَّلَامِ.
وَتَكَلَّمَ النَّاسُ هَاهُنَا فِي مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ لَوْ حَذَفَ الرَّادُّ " الْوَاوَ " فَقَالَ:" عَلَيْكَ السَّلَامُ "، هَلْ يَكُونُ صَحِيحًا؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ المتولي وَغَيْرُهُ: لَا يَكُونُ جَوَابًا، وَلَا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الرَّدِّ، لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ الرَّدِّ، وَلِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ هَلْ هُوَ رَدٌّ، أَوِ ابْتِدَاءُ تَحِيَّةٍ؟ فَإِنَّ صُورَتَهُ صَالِحَةٌ لَهُمَا، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَقُولُوا: " وَعَلَيْكُمْ» ) فَهَذَا تَنْبِيهٌ مِنْهُ عَلَى وُجُوبِ الْوَاوِ فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ
الْإِسْلَامِ، فَإِنَّ " الْوَاوَ " فِي مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ تَقْتَضِي تَقْرِيرَ الْأَوَّلِ وَإِثْبَاتَ الثَّانِي، فَإِذَا أُمِرَ بِالْوَاوِ فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ ( «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَقُولُوا: " وَعَلَيْكُمْ» ) فَذِكْرُهَا فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْلَى وَأَحْرَى.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّ ذَلِكَ رَدٌّ صَحِيحٌ، كَمَا لَوْ كَانَ بِالْوَاوِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ، وَاحْتَجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [الذاريات: 24](الذَّارِيَاتِ: 24)، أَيْ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، لَا بُدَّ مِنْ هَذَا، وَلَكِنْ حَسُنَ الْحَذْفُ فِي الرَّدِّ، لِأَجْلِ الْحَذْفِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ، قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فِإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ: " وَرَحْمَةُ اللَّهِ» ) فَقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُهُ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِهِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ الْمُسَلَّمَ عَلَيْهِ مَأْمُورٌ أَنْ يُحَيِّيَ الْمُسَلِّمَ بِمِثْلِ تَحِيَّتِهِ عَدْلًا، وَبِأَحْسَنَ مِنْهَا فَضْلًا، فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ بِمِثْلِ سَلَامِهِ، كَانَ قَدْ أَتَى بِالْعَدْلِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ ( «إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ» ) فَهَذَا الْحَدِيثُ قَدِ اخْتُلِفَ فِي لَفْظَةِ " الْوَاوِ " فِيهِ، فَرُوِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: بِالْوَاوِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ:
كَذَلِكَ رَوَاهُ مالك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، فَقَالَ فِيهِ:(فَعَلَيْكُمْ) وَحَدِيثُ سفيان فِي " الصَّحِيحَيْنِ " وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ بِإِسْقَاطِ " الْوَاوِ "، وَفِي لَفْظٍ لمسلم وَالنَّسَائِيِّ: فَقُلْ (عَلَيْكَ) بِغَيْرِ وَاوٍ.
وَقَالَ الخطابي: عَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَرْوُونَهُ (وَعَلَيْكُمْ) بِالْوَاوِ وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَرْوِيهِ (عَلَيْكُمْ) بِحَذْفِ الْوَاوِ، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا حَذَفَ الْوَاوَ صَارَ قَوْلُهُمُ الَّذِي قَالُوهُ بِعَيْنِهِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ، وَبِإِدْخَالِ الْوَاوِ يَقَعُ الِاشْتِرَاكُ مَعَهُمْ، وَالدُّخُولُ فِيمَا قَالُوا، لِأَنَّ الْوَاوَ حَرْفٌ لِلْعَطْفِ وَالِاجْتِمَاعِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَمْرِ الْوَاوِ لَيْسَ بِمُشْكِلٍ، فَإِنَّ " السَّامَ " الْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ الْمَوْتُ، وَالْمُسَلِّمُ وَالْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ مُشْتَرِكُونَ فِيهِ فَيَكُونُ فِي الْإِتْيَانِ بِالْوَاوِ بَيَانٌ لِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ، وَإِثْبَاتِ الْمُشَارَكَةِ، وَفِي حَذْفِهَا إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُسَلِّمَ أَحَقُّ بِهِ وَأَوْلَى مِنَ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْإِتْيَانُ بِالْوَاوِ هُوَ الصَّوَابَ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ حَذْفِهَا، كَمَا رَوَاهُ مالك وَغَيْرُهُ، وَلَكِنْ قَدْ فُسِّرَ السَّامُ بِالسَّآمَةِ، وَهِيَ الْمَلَالَةُ وَسَآمَةُ الدِّينِ، قَالُوا: وَعَلَى هَذَا فَالْوَجْهُ حَذْفُ الْوَاوِ وَلَا بُدَّ، وَلَكِنَّ هَذَا خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي اللُّغَةِ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ ( «إِنَّ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ» ) وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّهُ الْمَوْتُ. وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَحَذْلِقِينَ