الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَفْسِهِ وَتَعْظِيمِهَا، وَتَرَفُّعِهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَجْلِهِ أَنْ تُسَمَّى " بَرَّةً "، وَقَالَ:( «لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ» )، وَعَلَى هَذَا فَتُكْرَهُ التَّسْمِيَةُ بِ: التَّقِيِّ وَالْمُتَّقِي، وَالْمُطِيعِ وَالطَّائِعِ وَالرَّاضِي، وَالْمُحْسِنِ وَالْمُخْلِصِ وَالْمُنِيبِ وَالرَّشِيدِ وَالسَّدِيدِ. وَأَمَّا تَسْمِيَةُ الْكُفَّارِ بِذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ التَّمْكِينُ مِنْهُ وَلَا دُعَاؤُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ، وَلَا الْإِخْبَارُ عَنْهُمْ بِهَا، وَاللَّهُ عز وجل يَغْضَبُ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ بِذَلِكَ.
[الْكُنْيَةُ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْكُنْيَةُ فَهِيَ نَوْعُ تَكْرِيمٍ لِلْمَكْنِيِّ، وَتَنْوِيهٌ بِهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
أَكْنِيهِ حِينَ أُنَادِيهِ لِأُكْرِمَهُ
…
وَلَا أُلَقِّبُهُ وَالسَّوْءَةُ اللَّقَبُ
( «وَكَنَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صهيبا بأبي يحيى، وَكَنَّى عليا رضي الله عنه بأبي تراب إِلَى كُنْيَتِهِ بأبي الحسن، وَكَانَتْ أَحَبَّ كُنْيَتِهِ إِلَيْهِ، وَكَنَّى أَخَا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَ صَغِيرًا دُونَ الْبُلُوغِ بأبي عمير» ) .
وَكَانَ هَدْيُهُ صلى الله عليه وسلم تَكْنِيَةُ مَنْ لَهُ وَلَدٌ، وَمَنْ لَا وَلَدَ لَهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ كُنْيَةٍ إِلَّا الْكُنْيَةَ بِأَبِي الْقَاسِمِ، فَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:( «تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي» ) فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَفْرَدَهَا عَنِ اسْمِهِ أَوْ قَرَنَهَا بِهِ، وَسَوَاءٌ مَحْيَاهُ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ، وَعُمْدَتُهُمْ عُمُومُ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَإِطْلَاقُهُ، وَحَكَى البيهقي ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، قَالُوا: لِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ مَعْنَى هَذِهِ الْكُنْيَةِ وَالتَّسْمِيَةِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( «وَاللَّهِ لَا أُعْطِي أَحَدًا، وَلَا أَمْنَعُ أَحَدًا، وَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ» ) قَالُوا: وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَّةَ لَيْسَتْ عَلَى الْكَمَالِ لِغَيْرِهِ. وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي جِوَازِ تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ بِقَاسِمٍ، فَأَجَازَهُ طَائِفَةٌ وَمَنَعَهُ آخَرُونَ، وَالْمُجِيزُونَ نَظَرُوا إِلَى أَنَّ الْعِلَّةَ عَدَمُ مُشَارَكَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا اخْتَصَّ بِهِ مِنَ الْكُنْيَةِ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الِاسْمِ، وَالْمَانِعُونَ نَظَرُوا إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي نَهَى عَنْهُ فِي الْكُنْيَةِ مَوْجُودٌ مِثْلُهُ هُنَا فِي الِاسْمِ سَوَاءٌ، أَوْ هُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، قَالُوا: وَفِي قَوْلِهِ ( «إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ» ) إِشْعَارٌ بِهَذَا الِاخْتِصَاصِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ، فَإِذَا أُفْرِدَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ، فَلَا بَأْسَ. قَالَ أبو داود: بَابٌ: مَنْ رَأَى أَنْ لَا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أبي الزبير عَنْ جابر أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:( «مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِي فَلَا يَتَكَنَّ بِكُنْيَتِي، وَمَنْ تَكَنَّى بِكُنْيَتِي فَلَا يَتَسَمَّ بِاسْمِي» ) وَرَوَاهُ الترمذي وَقَالَ حَدِيثٌ
حَسَنٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ الترمذي أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَلَفْظُهُ:«نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَجْمَعَ أَحَدٌ بَيْنَ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ» ، وَيُسَمِّي مُحَمَّدًا أَبَا الْقَاسِمِ، قَالَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ: فَهَذَا مُقَيِّدٌ مُفَسِّرٌ لِمَا فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ نَهْيِهِ عَنِ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ قَالُوا: وَلِأَنَّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مُشَارَكَةٌ فِي الِاخْتِصَاصِ بِالِاسْمِ وَالْكُنْيَةِ، فَإِذَا أُفْرِدَ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ زَالَ الِاخْتِصَاصُ.
الْقَوْلُ الثَّالِثُ، جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مالك، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا رَوَاهُ أبو داود وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، «عَنْ علي رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ وُلِدَ لِي وَلَدٌ مِنْ بَعْدِكَ أُسَمِّيهِ بِاسْمِكَ وَأُكَنِّيهِ بِكُنْيَتِكَ؟ قَالَ " نَعَمْ» قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَفِي " سُنَنِ أبي داود "«عَنْ عائشة قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِنِّي وَلَدْتُ غُلَامًا فَسَمَّيْتُهُ مُحَمَّدًا وَكَنَّيْتُهُ أَبَا الْقَاسِمِ فَذُكِرَ لِي أَنَّكَ تَكْرَهُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: (مَا الَّذِي أَحَلَّ اسْمِي وَحَرَّمَ كُنْيَتِي) » أَوْ " مَا الَّذِي حَرَّمَ كُنْيَتِي وَأَحَلَّ اسْمِي " قَالَ هَؤُلَاءِ: وَأَحَادِيثُ الْمَنْعِ مَنْسُوخَةٌ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ.
الْقَوْلُ الرَّابِعُ: إِنَّ التَّكَنِّيَ بِأَبِي الْقَاسِمِ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ جَائِزٌ بَعْدَ وَفَاتِهِ، قَالُوا: وَسَبَبُ النَّهْيِ إِنَّمَا كَانَ مُخْتَصًّا بِحَيَاتِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحِ " مِنْ حَدِيثِ أنس قَالَ: «نَادَى رَجُلٌ بِالْبَقِيعِ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَمْ أَعْنِكَ إِنَّمَا دَعَوْتُ فُلَانًا، فَقَالَ