الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالثَّانِي: (قَوْلُ الشريد بن سويد: «أَفَضْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا مَسَّتْ قَدَمَاهُ الْأَرْضَ حَتَّى أَتَى جَمْعًا» ) وَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ حِينِ أَفَاضَ مَعَهُ مَا مَسَّتْ قَدَمَاهُ الْأَرْضَ إِلَى أَنْ رَجَعَ، وَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا بِرَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، فَإِنَّ شَأْنَهُمَا مَعْلُومٌ. قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشريد بن سويد، إِنَّمَا أَرَادَ الْإِفَاضَةَ مَعَهُ مِنْ عَرَفَةَ، وَلِهَذَا قَالَ: حَتَّى أَتَى جَمْعًا وَهِيَ مُزْدَلِفَةُ، وَلَمْ يُرِدِ الْإِفَاضَةَ إِلَى الْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا بِنُزُولِهِ عِنْدَ الشِّعْبِ حِينَ بَالَ، ثُمَّ رَكِبَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنُزُولٍ مُسْتَقِرٍّ، وَإِنَّمَا مَسَّتْ قَدَمَاهُ الْأَرْضَ مَسًّا عَارِضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ أَيْنَ صَلَّى صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ حِينَ رُجُوعِهِ إِلَى مِنًى]
فَصْلٌ
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى، وَاخْتُلِفَ أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَئِذٍ فَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ": عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ( «أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» ) .
وَفِي " صَحِيحِ مسلم ": عَنْ جابر أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ( «صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ» ) وَكَذَلِكَ قَالَتْ عائشة. وَاخْتُلِفَ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ
حَزْمٍ: قَوْلُ عائشة وجابر أَوْلَى، وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا جَمَاعَةٌ، وَرَجَّحُوا هَذَا الْقَوْلَ بِوُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ رِوَايَةُ اثْنَيْنِ، وَهُمَا أَوْلَى مِنَ الْوَاحِدِ.
الثَّانِي: أَنَّ عائشة أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَهَا مِنَ الْقُرْبِ وَالِاخْتِصَاصِ بِهِ وَالْمَزِيَّةِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهَا.
الثَّالِثُ: أَنَّ سِيَاقَ جابر لِحَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا أَتَمُّ سِيَاقٍ، وَقَدْ حَفِظَ الْقِصَّةَ وَضَبَطَهَا، حَتَّى ضَبَطَ جُزْئِيَّاتِهَا حَتَّى ضَبَطَ مِنْهَا أَمْرًا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَنَاسِكِ، وَهُوَ نُزُولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ جَمْعٍ فِي الطَّرِيقِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ عِنْدَ الشِّعْبِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا خَفِيفًا، فَمَنْ ضَبَطَ هَذَا الْقَدْرَ فَهُوَ بِضَبْطِ مَكَانِ صَلَاتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْلَى.
الرَّابِعُ: أَنَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ كَانَتْ فِي آذَارَ، وَهُوَ تَسَاوِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَقَدْ دَفَعَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى مِنًى، وَخَطَبَ بِهَا النَّاسَ، وَنَحَرَ بُدْنًا عَظِيمَةً وَقَسَمَهَا، وَطُبِخَ لَهُ مِنْ لَحْمِهَا، وَأَكَلَ مِنْهُ، وَرَمَى الْجَمْرَةَ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَتَطَيَّبَ، ثُمَّ أَفَاضَ، فَطَافَ وَشَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَمِنْ نَبِيذِ السِّقَايَةِ، وَوَقَفَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَسْقُونَ، وَهَذِهِ أَعْمَالٌ تَبْدُو فِي الْأَظْهَرِ أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي فِي مِقْدَارٍ يُمْكِنُ مَعَهُ الرُّجُوعُ إِلَى مِنًى، بِحَيْثُ يُدْرِكُ وَقْتَ الظُّهْرِ فِي فَصْلِ آذَارَ.
الْخَامِسُ: أَنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ جَارِيَانِ مَجْرَى النَّاقِلِ وَالْمُبْقِي، فَقَدْ كَانَتْ عَادَتُهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّتِهِ الصَّلَاةَ فِي مَنْزِلِهِ الَّذِي هُوَ نَازِلٌ فِيهِ بِالْمُسْلِمِينَ، فَجَرَى ابْنُ عُمَرَ عَلَى الْعَادَةِ، وَضَبَطَ جابر وعائشة رضي الله عنهما الْأَمْرَ الَّذِي هُوَ خَارِجٌ عَنْ عَادَتِهِ، فَهُوَ أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْمَحْفُوظَ. وَرَجَّحَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ لِوُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ، لَمْ تُصَلِّ الصَّحَابَةُ بِمِنًى وُحْدَانًا
وَزَرَافَاتٍ، بَلْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنَ الصَّلَاةِ خَلْفَ إِمَامٍ يَكُونُ نَائِبًا عَنْهُ، وَلَمْ يَنْقُلْ هَذَا أَحَدٌ قَطُّ، وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ: إِنَّهُ اسْتَنَابَ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ، وَلَوْلَا عِلْمُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فَيُصَلِّي بِهِمْ. لَقَالَ: إِنْ حَضَرَتِ الصَّلَاةُ وَلَسْتُ عِنْدَكُمْ، فَلْيُصَلِّ بِكُمْ فُلَانٌ، وَحَيْثُ لَمْ يَقَعْ هَذَا وَلَا هَذَا، وَلَا صَلَّى الصَّحَابَةُ هُنَاكَ وُحْدَانًا قَطْعًا، وَلَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ إِذَا اجْتَمَعُوا أَنْ يُصَلُّوا عِزِينَ، عُلِمَ أَنَّهُمْ صَلَّوْا مَعَهُ عَلَى عَادَتِهِمْ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِمَكَّةَ، لَكَانَ خَلْفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْبَلَدِ وَهُمْ مُقِيمُونَ، وَكَانَ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُتِمُّوا صَلَاتَهُمْ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ قَامُوا فَأَتَمُّوا بَعْدَ سَلَامِهِ صَلَاتَهُمْ، وَحَيْثُ لَمْ يُنْقَلْ هَذَا وَلَا هَذَا، بَلْ هُوَ مَعْلُومُ الِانْتِفَاءِ قَطْعًا، عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ حِينَئِذٍ بِمَكَّةَ. وَمَا يَنْقُلُهُ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ أَنَّهُ قَالَ:( «يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا صَلَاتَكُمْ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ» ) فَإِنَّمَا قَالَهُ عَامَ الْفَتْحِ، لَا فِي حَجَّتِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمَّا طَافَ، رَكَعَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا خَلْفَهُ يَقْتَدُونَ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ وَمَنَاسِكِهِ، فَلَعَلَّهُ لَمَّا رَكَعَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ يَقْتَدُونَ بِهِ، ظَنَّ الظَّانُّ أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَهَذَا الْوَهْمُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُ احْتِمَالِهِ بِخِلَافِ صَلَاتِهِ بِمِنًى، فَإِنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَ الْفَرْضِ.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَا يُحْفَظُ عَنْهُ فِي حَجِّهِ أَنَّهُ صَلَّى الْفَرْضَ بِجَوْفِ مَكَّةَ، بَلْ إِنَّمَا كَانَ يُصَلِّي بِمَنْزِلِهِ بِالْأَبْطَحِ بِالْمُسْلِمِينَ مُدَّةَ مُقَامِهِ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ أَيْنَ نَزَلُوا لَا يُصَلِّي فِي مَكَانٍ آخَرَ غَيْرِ الْمَنْزِلِ الْعَامِّ.
الْخَامِسُ: أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَحَدِيثَ جابر مِنْ أَفْرَادِ مسلم. فَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ أَصَحُّ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي إِسْنَادِهِ فَإِنَّ رُوَاتَهُ أَحْفَظُ وَأَشْهَرُ وَأَتْقَنُ، فَأَيْنَ يَقَعُ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ مِنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ، وَأَيْنَ يَقَعُ حِفْظُ جعفر مِنْ حِفْظِ نافع؟
السَّادِسُ: أَنَّ حَدِيثَ عائشة قَدِ اضْطَرَبَ فِي وَقْتِ طَوَافِهِ، فَرُوِيَ عَنْهَا عَلَى