الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِغَيْرِهِ، وَقَبْلَ الزَّوَالِ لَا يَخْرُجُ فَيَطُوفُ. وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُوَافِقُ لِعَمَلِ الصَّحَابَةِ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْقَارِنَ يَحْتَاجُ إِلَى سَعْيَيْنِ]
فَصْلٌ
وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ قَالَتْ: إِنَّهُ صلى الله عليه وسلم سَعَى مَعَ هَذَا الطَّوَافِ وَقَالُوا: هَذَا حُجَّةٌ فِي أَنَّ الْقَارِنَ يَحْتَاجُ إِلَى سَعْيَيْنِ كَمَا يَحْتَاجُ إِلَى طَوَافَيْنِ، وَهَذَا غَلَطٌ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَمْ يَسْعَ إِلَّا سَعْيَهُ الْأَوَّلَ كَمَا قَالَتْهُ عائشة، وجابر، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ فِي السَّعْيَيْنِ حَرْفٌ وَاحِدٌ، بَلْ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، فَعَلَيْكَ بِمُرَاجَعَتِهِ.
فَصْلٌ
وَالطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ الَّذِينَ قَالُوا: أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ إِلَى اللَّيْلِ، وَهُمْ طَاوُوسٌ، ومجاهد، وعروة، فَفِي " سُنَنِ أبي داود "، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ عائشة وَابْنِ عَبَّاسٍ:( «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ طَوَافَهُ يَوْمَ النَّحْرِ إِلَى اللَّيْلِ» ) ، وَفِي لَفْظٍ " طَوَافَ الزِّيَارَةِ"، قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ غَلَطٌ بَيِّنٌ خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِحَجَّتِهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَحْنُ نَذْكُرُ كَلَامَ النَّاسِ فِيهِ، قَالَ الترمذي فِي كِتَابِ " الْعِلَلِ " لَهُ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَقُلْتُ لَهُ: أَسَمِعَ أبو الزبير مِنْ عائشة وَابْنِ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: أَمَّا مِنَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَنَعَمْ وَفِي سَمَاعِهِ مِنْ عائشة
نَظَرٌ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَطَّانُ: عِنْدِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، إِنَّمَا طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ نَهَارًا، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا: هَلْ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ أَوْ رَجَعَ إِلَى مِنًى، فَصَلَّى الظُّهْرَ بِهَا بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ؟ فابن عمر يَقُولُ: إِنَّهُ رَجَعَ إِلَى مِنًى، فَصَلَّى الظُّهْرَ بِهَا، وجابر يَقُولُ: إِنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ عائشة مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ أبي الزبير هَذِهِ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ أَخَّرَ الطَّوَافَ إِلَى اللَّيْلِ، وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يُرْوَ إِلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وأبو الزبير مُدَلِّسٌ لَمْ يَذْكُرْ هَاهُنَا سَمَاعًا مِنْ عائشة، وَقَدْ عُهِدَ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْهَا بِوَاسِطَةٍ، وَلَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، فَقَدْ عُهِدَ كَذَلِكَ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيمَا يَرْوِيهِ أبو الزبير عَنْ عائشة وَابْنِ عَبَّاسٍ مِمَّا لَا يَذْكُرُ فِيهِ سَمَاعَهُ مِنْهُمَا، لِمَا عُرِفَ بِهِ مِنَ التَّدْلِيسِ لَوْ عُرِفَ سَمَاعُهُ مِنْهَا لِغَيْرِ هَذَا، فَأَمَّا وَلَمْ يَصِحَّ لَنَا أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عائشة، فَالْأَمْرُ بَيِّنٌ فِي وُجُوبِ التَّوَقُّفِ فِيهِ، وَإِنِّمَا يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي قَبُولِ حَدِيثِ الْمُدَلِّسِ إِذَا كَانَ عَمَّنْ قَدْ عُلِمَ لِقَاؤُهُ لَهُ وَسَمَاعُهُ مِنْهُ هَاهُنَا.
يَقُولُ قَوْمٌ: يُقْبَلُ، وَيَقُولُ آخَرُونَ: يُرَدُّ مَا يُعَنْعِنُهُ عَنْهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الِاتِّصَالُ فِي حَدِيثٍ حَدِيثٍ، وَأَمَّا مَا يُعَنْعِنُهُ الْمُدَلِّسُ عَمَّنْ لَمْ يُعْلَمْ لِقَاؤُهُ لَهُ وَلَا سَمَاعُهُ مِنْهُ فَلَا أَعْلَمُ الْخِلَافَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ.
وَلَوْ كُنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ مُسْلِمٍ بِأَنَّ مُعَنْعَنَ الْمُتَعَاصِرَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ وَلَوْ لَمْ يُعْلَمِ الْتِقَاؤُهُمَا، فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمُدَلِّسِينَ.
وَأَيْضًا فَلِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ طَوَافِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ نَهَارًا. وَالْخِلَافُ فِي رِدِّ حَدِيثِ الْمُدَلِّسِينَ حَتَّى يُعْلَمَ اتِّصَالُهُ أَوْ قَبُولُهُ حَتَّى يُعْلَمَ انْقِطَاعُهُ، إِنَّمَا هُوَ إِذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ، وَهَذَا قَدْ عَارَضَهُ مَا لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَيَدُلُّ عَلَى غَلَطِ أبي الزبير عَلَى عائشة أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَوَى: (عَنْ عائشة أَنَّهَا قَالَتْ: «حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ» ) .
وَرَوَى محمد بن إسحاق عَنْ عبد الرحمن بن القاسم، عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم،
( «أَذِنَ لِأَصْحَابِهِ فَزَارُوا الْبَيْتَ يَوْمَ النَّحْرِ ظَهِيرَةً، وَزَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ نِسَائِهِ لَيْلًا» ) ، وَهَذَا غَلَطٌ أَيْضًا.
قَالَ البيهقي: وَأَصَحُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ حَدِيثُ نافع عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ جابر وَحَدِيثُ أبي سلمة عَنْ عائشة يَعْنِي: أَنَّهُ طَافَ نَهَارًا. قُلْتُ: إِنَّمَا نَشَأَ الْغَلَطُ مِنْ تَسْمِيَةِ الطَّوَافِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ طَوَافَ الْوَدَاعِ إِلَى اللَّيْلِ، كَمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عائشة. قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. . . فَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ، إِلَى أَنْ قَالَتْ:«فَنَزَلْنَا الْمُحَصَّبَ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنَ الْحَرَمِ، ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا، ثُمَّ ائْتِيَانِي هَاهُنَا بِالْمُحَصَّبِ. قَالَتْ: فَقَضَى اللَّهُ الْعُمْرَةَ، وَفَرَغْنَا مِنْ طَوَافِنَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَأَتَيْنَاهُ بِالْمُحَصَّبِ، فَقَالَ: " فَرَغْتُمَا "؟ قُلْنَا: نَعَمْ. فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالرَّحِيلِ، فَمَرَّ بِالْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ، ثُمَّ ارْتَحَلَ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ» . فَهَذَا هُوَ الطَّوَافُ الَّذِي أَخَّرَهُ إِلَى اللَّيْلِ بِلَا رَيْبٍ، فَغَلِطَ فِيهِ أبو الزبير، أَوْ مَنْ حَدَّثَهُ بِهِ، وَقَالَ:"طَوَافَ الزِّيَارَةِ "، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَلَمْ يَرْمُلْ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الطَّوَافِ وَلَا فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ وَإِنَّمَا رَمَلَ فِي طَوَافِ الْقُدُومِ.