الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رِوَايَتَانِ عَنْ أحمد، أَشْهَرُهُمَا: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَالَّذِينَ قَالُوا بِالصِّحَّةِ، كأبي حنيفة وَأَصْحَابِهِ رحمهم الله، بَنَوْهُ عَلَى أُصُولِهِمْ، وَأَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ، وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ، فَإِذَا أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ، فَقَدِ الْتَزَمَ زِيَادَةَ عَمَلٍ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، وَمَنْ قَالَ: يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ، وَسَعْيٌ وَاحِدٌ، قَالَ: لَمْ يُسْتَفَدْ بِهَذَا الْإِدْخَالِ إِلَّا سُقُوطُ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ بِهِ زِيَادَةَ عَمَلٍ، بَلْ نُقْصَانَهُ، فَلَا يَجُوزُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ.
[عُذْرُ مَنْ قَالَ أَحْرَمَ صلى الله عليه وسلم بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ]
فَصْلٌ
وَأَمَّا الْقَائِلُونَ: إِنَّهُ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ، فَعُذْرُهُمْ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ:«تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى، فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ، وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمَّا حَجَّ زَمَنَ ابن الزبير أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ:«أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي، وَأَهْدَى هَدْيًا اشْتَرَاهُ بِقَدِيدٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ يُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْحَرْ، وَلَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرْ، وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرَمَ مِنْهُ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، فَنَحَرَ وَحَلَقَ، وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الْأَوَّلِ. وَقَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» .
فَعِنْدَ هَؤُلَاءِ، أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا فِي ابْتِدَاءِ إِحْرَامِهِ، قَارِنًا فِي أَثْنَائِهِ، وَهَؤُلَاءِ أَعْذَرُ مِنَ الَّذِينَ قَبْلَهُمْ، وَإِدْخَالُ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ جَائِزٌ بِلَا نِزَاعٍ يُعْرَفُ، وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها بِإِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ، فَصَارَتْ قَارِنَةً، وَلَكِنْ سِيَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، يَرُدُّ عَلَى أَرْبَابِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ.
فَإِنَّ أنسا أَخْبَرَ أَنَّهُ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا، وَفِي " الصَّحِيحِ " (عَنْ عائشة قَالَتْ:«خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، فَلَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ "، قَالَتْ: وَكَانَ مِنَ الْقَوْمِ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، فَقَالَتْ: فَكُنْتُ أَنَا مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ» ) ، وَذَكَرَتِ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مسلم.
فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يُهِلَّ إِذْ ذَاكَ بِعُمْرَةٍ، فَإِذَا جَمَعْتَ بَيْنَ قَوْلِ عائشة هَذَا، وَبَيْنَ قَوْلِهَا فِي " الصَّحِيحِ ":«تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ» ، وَبَيْنَ قَوْلِهَا وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ، وَالْكُلُّ فِي " الصَّحِيحِ "، عَلِمْتَ أَنَّهَا إِنَّمَا نَفَتْ عُمْرَةً مُفْرَدَةً، وَأَنَّهَا لَمْ تَنْفِ عُمْرَةَ الْقِرَانِ، وَكَانُوا يُسَمُّونَهَا تَمَتُّعًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَاقِضُ إِهْلَالَهُ بِالْحَجِّ، فَإِنَّ عُمْرَةَ الْقِرَانِ فِي ضِمْنِهِ، وَجُزْءٌ مِنْهُ، وَلَا يُنَافِي قَوْلَهَا: أَفْرَدَ الْحَجَّ، فَإِنَّ أَعْمَالَ الْعُمْرَةِ لَمَّا دَخَلَتْ فِي أَعْمَالِ الْحَجِّ، وَأَفْرَدَتْ أَعْمَالَهُ، كَانَ ذَلِكَ إِفْرَادًا بِالْفِعْلِ.
وَأَمَّا التَّلْبِيَةُ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، فَهُوَ إِفْرَادٌ بِالْقَوْلِ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَمَتَّعَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ» ، مَرْوِيٌّ بِالْمَعْنَى مِنْ حَدِيثِهِ الْآخَرِ، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ هُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ عَامَ حَجِّهِ فِي فِتْنَةِ ابن الزبير، وَأَنَّهُ بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ قَالَ: مَا شَأْنُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي، فَأَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَإِنَّمَا أَرَادَ اقْتِصَارَهُ عَلَى طَوَافٍ وَاحِدٍ، وَسَعْيٍ وَاحِدٍ، فَحُمِلَ عَلَى الْمَعْنَى، وَرُوِيَ بِهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، وَإِنَّمَا الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ، وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ، بَلْ مُتَعَيَّنٌ، فَإِنَّ عائشة قَالَتْ عَنْهُ:" «لَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ» " وأنس قَالَ عَنْهُ: إِنَّهُ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ، أَوْجَبَ حَجًّا وَعُمْرَةً؛ وعمر رضي الله عنه أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّ الْوَحْيَ جَاءَهُ مِنْ رَبِّهِ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ.