الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَكَّةُ كُلُّهَا مَنْحَرٌ وَمِنًى مُنَاخٌ لِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ]
فَصْلٌ
وَنَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَنْحَرِهِ بِمِنًى، وَأَعْلَمَهُمْ " أَنَّ مِنًى كُلَّهَا مَنْحَرٌ، وَأَنَّ فِجَاجَ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ "، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّحْرَ لَا يَخْتَصُّ بِمِنًى، بَلْ حَيْثُ نَحَرَ مِنْ فِجَاجِ مَكَّةَ أَجْزَأَهُ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا وَقَفَ بِعَرَفَةَ، قَالَ:" «وَقَفْتُ هَاهُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» " وَوَقَفَ بِمُزْدَلِفَةَ، وَقَالَ:" «وَقَفْتُ هَاهُنَا، وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» «وَسُئِلَ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبْنَى لَهُ بِمِنًى بِنَاءٌ يُظِلُّهُ مِنَ الْحَرِّ فَقَالَ: لَا، مِنًى مُنَاخٌ لِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ» " وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاكِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا، وَأَنَّ مَنْ سَبَقَ إِلَى مَكَانٍ مِنْهَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَرْتَحِلَ عَنْهُ وَلَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ.
[الْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ]
فَصْلٌ
فَلَمَّا أَكْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحْرَهُ اسْتَدْعَى بِالْحَلَّاقِ فَحَلَقَ رَأْسَهُ، فَقَالَ لِلْحَلَّاقِ - وَهُوَ معمر بن عبد الله وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِالْمُوسَى وَنَظَرَ فِي وَجْهِهِ - وَقَالَ: «يَا معمر أَمْكَنَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ شَحْمَةِ أُذُنِهِ وَفِي يَدِكَ الْمُوسَى " فَقَالَ معمر: أَمَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيَّ وَمَنِّهِ. قَالَ: " أَجَلْ إِذًا
أَقَرُّ لَكَ» " ذَكَرَ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ ": وَزَعَمُوا أَنَّ الَّذِي حَلَقَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم معمر بن عبد الله بن نضلة بن عوف انْتَهَى.
فَقَالَ لِلْحَلَّاقِ: خُذْ، وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ، قَسَمَ شَعْرَهُ بَيْنَ مَنْ يَلِيهِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْحَلَّاقِ، فَحَلَقَ جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ، ثُمَّ قَالَ هَاهُنَا أبو طلحة؟ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ هَكَذَا وَقَعَ فِي " صَحِيحِ مسلم ".
وَفِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ": عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أنس أَنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ كَانَ أبو طلحة أَوَّلَ مَنْ أَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ» ، وَهَذَا لَا يُنَاقِضُ رِوَايَةَ مسلم، لِجِوَازِ أَنْ يُصِيبَ أبا طلحة مِنَ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ مِثْلُ مَا أَصَابَ غَيْرَهُ، وَيَخْتَصُّ بِالشِّقِّ الْأَيْسَرِ، لَكِنْ قَدْ رَوَى مسلم فِي " صَحِيحِهِ " أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أنس، قَالَ:«لَمَّا رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجَمْرَةَ وَنَحَرَ نُسُكَهُ وَحَلَقَ نَاوَلَ الْحَلَّاقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ فَحَلَقَهُ ثُمَّ دَعَا أَبَا طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيَّ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ ثُمَّ نَاوَلَهُ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ فَقَالَ: احْلِقْ. فَحَلَقَهُ فَأَعْطَاهُ أبا طلحة، فَقَالَ اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ» . فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَمَا تَرَى أَنَّ نَصِيبَ أبي طلحة كَانَ الشِّقَّ الْأَيْمَنَ، وَفِي الْأُولَى: أَنَّهُ كَانَ الْأَيْسَرَ. قَالَ الْحَافِظُ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي، رَوَاهُ مسلم مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، وَعَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمِّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أنس، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «دَفَعَ إِلَى أبي طلحة شَعْرَ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ» ،
وَرَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، «أَنَّهُ دَفَعَ إِلَى أبي طلحة شَعْرَ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ» . قَالَ وَرِوَايَةُ ابن عون، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَرَاهَا تُقَوِّي رِوَايَةَ سفيان وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قُلْتُ: يُرِيدُ بِرِوَايَةِ ابن عون، مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَجَعْلَ الَّذِي سَبَقَ إِلَيْهِ أبو طلحة، هُوَ الشِّقَّ الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَالَّذِي يَقْوَى أَنَّ نَصِيبَ أبي طلحة الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ كَانَ الشِّقَّ الْأَيْسَرَ وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَمَّ، ثُمَّ خَصَّ، وَهَذِهِ كَانَتْ سُنَّتَهُ، فِي عَطَائِهِ، وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ، فَإِنَّ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ، قَالَ لِلْحَلَّاقِ:" «خُذْ " وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ، فَقَسَمَ شَعْرَهُ بَيْنَ مَنْ يَلِيهِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْحَلَّاقِ إِلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَحَلَقَهُ، فَأَعْطَاهُ أم سليم» ، وَلَا يُعَارِضُ هَذَا دَفْعُهُ إِلَى أبي طلحة، فَإِنَّهَا امْرَأَتُهُ.
وَفِي لَفْظٍ ثَالِثٍ: «دَفَعَ إِلَى أبي طلحة شَعْرَ شِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ وَقَسَمَهَا بَيْنَ النَّاسِ» .
وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله مِنْ حَدِيثِ محمد بن عبد الله بن زيد، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ شَهِدَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْمَنْحَرِ، وَرَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهُوَ يَقْسِمُ أَضَاحِيَ فَلَمْ يُصِبْهُ شَيْءٌ، وَلَا صَاحِبَهُ فَحَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ فِي ثَوْبِهِ، فَأَعْطَاهُ فَقَسَمَ مِنْهُ عَلَى رِجَالٍ، وَقَلَّمَ أَظْفَارَهُ فَأَعْطَاهُ صَاحِبَهُ، قَالَ: فَإِنَّهُ عِنْدَنَا مَخْضُوبٌ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ يَعْنِي شَعْرَهُ.
وَدَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ بِالْمَغْفِرَةِ ثَلَاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً، وَحَلَقَ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ، وَهَذَا مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27][الْفَتْحِ 27] وَمَعَ قَوْلِ عائشة رضي الله عنها، «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِإِحْلَالِهِ قَبْلَ