الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وثلاثين ومائتين
. وفيها توفي الحكم بن موسى أبو صالح القنطريّ البغداديّ الحافظ أحد العبّاد في شوال. سمع إسماعيل بن عيّاش وطبقته.
وفيها عبد الله بن عون الخرّاز الزّاهد، أبو محمد البغداديّ المحدّث، وكان يقال: إنه من الأبدال. وروى عن مالك وطبقته. توفي في رمضان.
قال السخاويّ في «طبقاته» : عبد الله الخرّاز من كبار مشايخ الرّيّ ومن كبار فتيانهم.
قال عبد الله بن عبد الوهّاب: كان عبد الله الخرّاز إذا دخل مكّة يقول المجاورون: طلعت شمس الحرم.
وقال الجنيد: لا يأتينا من هذه الناحية مثل عبد الله الخرّاز.
وقال يوسف بن الحسين: لم أر مثل عبد الله الخرّاز، ولا رأى عبد الله مثل نفسه. انتهى.
وفيها عمرو بن محمّد النّاقد الحافظ أبو عثمان البغداديّ نزيل الرّقّة وفقيهها ومحدّثها. سمع هشيما وطبقته. توفي في ذي الحجّة ببغداد.
وفيها أبو يحيى هارون بن عبد الله الزّهريّ العوفيّ المكيّ المالكيّ، الإمام القاضي نزيل بغداد. تفقه بأصحاب مالك.
قال أبو إسحاق الشيرازيّ [1] : هو أعلم من صنّف الكتب في مختلف قول مالك.
[1] في «طبقات الفقهاء» ص (153) بتحقيق الدكتور إحسان عبّاس.
وقال الخطيب [1] : إنه سمع من مالك، وإنه ولي قضاء العسكر [2] ثم قضاء مصر.
وفيها يوسف بن عديّ الكوفيّ نزيل مصر، أخو زكريا بن عدي.
حدّث عن مالك، وشريك. وكان محدّثا تاجرا.
وفي ذي الحجّة توفي الواثق بالله أبو جعفر، وقيل: أبو القاسم هارون ابن المعتصم محمد بن الرّشيد بن المهدي العبّاسي عن بضع وثلاثين سنة.
وكانت أيامه خمس سنين وأشهرا. ولّي بعهد من أبيه، وكان أديبا شاعرا، أبيض، تعالوه صفرة، حسن اللّحية، في عيينة نكتة. دخل في القول بخلق القرآن وامتحن النّاس. وقوّى عزمه ابن أبي داود [3] القاضي، ولما احتضر ألصق خده بالأرض وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه. واستخلف بعده أخوه المتوكل، فأظهر السّنّة، ورفع المحنة، وأمر بنشر أحاديث الرؤية والصّفات. قاله في «العبر» [4] .
قال ابن الجوزي في «الشذور» : وسلّم على المتوكل بالخلافة ثمانية كلهم أولاد خليفة، المنتصر ابنه، ومحمد بن الواثق، وأحمد بن المعتصم، وموسى بن المأمون، وعبد الله بن الأمين، وأبو أحمد بن الرّشيد، والعبّاس ابن الهادي، ومنصور بن المهدي، وكانت عدة كل نوبة من نوب الفرّاشين في دار المتوكل أربعة آلاف فرّاش. انتهى.
[1] انظر «تاريخ بغداد» للخطيب البغدادي (14/ 13) .
[2]
يعني ولي قضاء عسكر المهدي ببغداد أيام المأمون. وهو ما ذكره الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» .
[3]
في الأصل: «ابن أبي داود» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. انظر:
«العبر» للذهبي (1/ 412) ، و «غربال الزمان» ص (218) وقد ذكر العامري فيه بأن اسمه «أحمد بن أبي دؤاد» .
[4]
(1/ 412- 413) .
قال ابن الفرات: كان الواثق مشغوفا بحب الجواري، واتخاذ السراري، والتمتع بالأنكحة. روي أنه كان يحب جارية حملت إليه من مصر هدية، فغضبت يوما من شيء جرى بينه وبينها، فجلست مع صاحبات لها، فقالت لهن: لقد هجرته منذ أمس وهو يروم أن أكلّمه فلم أفعل، فخرج من مرقده على غفلة فسمع هذا القول منها، فأنشأ يقول:
يا ذا الذي بعذابي ظلّ مفتخرا
…
هل أنت إلّا مليك جار إذ قدرا
لولا الهوى لتجارينا على قدر
…
وإن أفق منه يوما ما فسوف ترى
فاصطلحا، ولحّنته وجعلت تغنيه به بقية يومه ذلك.
وقيل: كان مع جارية فظنها نامت، فقام إلى أخرى فشعرت به التي كان معها. فقامت مغضبة، فبعث إلى الخليع البصري [1] وأخبره بقصته فقال:
غضبت إذ زرت [2] أخرى خلسة
…
فلها العتبى لدينا والرّضا
يا فدتك النفس كانت هفوة
…
فاغفريها واصفحي عمّا مضى
واتركي العذل على من قاله
…
وانسبي جوري إلى حكم القضا
فلقد نبّهتني من رقدتي
…
وعلى قلبي كنيران الغضا [3]
[1] هو الحسين بن الضحاك بن ياسر البصري الباهلي، أبو علي، شاعر من ندماء الخلفاء، قيل أصله من خراسان. ولد ونشأ في البصرة، وتوفي ببغداد. اتصل بالأمين العباسي ونادمه ومدحه. ولما ظفر المأمون خافه الخليع فانصرف إلى البصرة حتى صارت الخلافة للمعتصم.
فعاد ومدحه ومدح الواثق، ولم يزل مع الخلفاء إلى أيام المستعين. وهو شاعر ماجن مطبوع حسن الافتتان في ضروب الشعر وأنواعه. وبلغ سنا عالية يقال: إنه ولد في سنة (162) هـ ومات في سنة (250) . انظر «الأغاني» (7/ 146- 226) و «تاريخ بغداد» (8/ 54- 55) و «الأعلام» (2/ 239) .
[2]
في «الأغاني» : «غضبت أن زرت أخرى» .
[3]
في الأصل، والمطبوع:«وعلى قلبي كيزان الفضا» والتصحيح من «الأغاني» والأبيات فيه (7/ 161) .
فاصطلحا وأجازه.
وكان الواثق شديد الاعتزال، وقام في أيام المحنة بخلق القرآن القيام الكلّي، وشدد على النّاس في ذلك، وكان سبب موته أن طبيبه ميخائيل [1] عبر عليه ذات يوم فقال له: يا ميخائيل ابغ لي دواء للباه. فقال يا أمير المؤمنين خف الله في نفسك، النكاح يهد البدن. فقال: لا بد من ذلك.
فقال: إذا كان ولا بد، فعليك بلحم السبع، اغله بالخلّ سبع غليات، وخذ منه ثلاثة دراهم على الشراب، وإيّاك أن تكثر منه تقع في الاستسقاء. ففعل الواثق ذلك، وأخذ منه فأكثر لمحبته في الجماع، فاستسقى بطنه فأجمع الأطباء أن لا دواء له إلّا أن يسجر له تنّور [2] بحطب الزيتون، وإذا ملئ جمرا نحى ما في جوفه وألقي فيه على ظهره، ويجعل تحته وفوقه الأشياء الرطب، ويودع فيه ثلاث ساعات، وإذا طلب ماء لم يسق، فإن سقي كان تلفه فيه. فأمر الواثق فصنع به كذلك، وأخرج من التّنّور وهو في رأي العين أنه احترق، فلما أصاب جسمه روح الهواء اشتد عليه، فجعل يخور كما يخور الثور، ويصيح: ردّوني إلى [3] التنور. فاجتمعت جواريه ووزيره محمد بن الزّيّات، فردوه إلى التّنّور، فلما ردوه إليه سكن صياحه وأخرج ميتا.
وقد عدت ميتته هذه من فضائل الإمام أحمد بن حنبل- رضي الله عنه فإن المعتصم لما امتحنه للمقالة بخلق القرآن كان الواثق يقول له: لم لا تقول بمقالة أمير المؤمنين؟ قال: لأنها باطلة. قال: لئن كان ما تقوله أنت حقا أحرقني الله بالنّار، فما مات حتّى حرق بالنّار. انتهى ما قاله ابن الفرات ملخصا.
[1] لم أقف على ذكر له فيما بين يدي من المصادر والمراجع.
[2]
سجر التنور: أحماه. انظر «مختار الصحاح» ص (287) .
[3]
لفظة «إلى» لم ترد في الأصل، وأثبتها من المطبوع.