الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة ست وتسعين ومائتين
دخلت والملأ يستصبون المقتدر، ويتكلمون في خلافته، فاتفق طائفة على خلعه، وخاطبوا عبد الله بن المعتز، فأجاب بشرط أن لا يكون فيها حرب، وكان رأسهم محمد بن داود بن الجرّاح، وأحمد بن يعقوب القاضي، والحسين بن حمدان، واتفقوا على قتل المقتدر، ووزيره العبّاس بن الحسن، وفاتك الأمير، فلما كان في عاشر ربيع الأول، ركب الحسين بن حمدان، والوزير، والأمراء، فشدّ ابن حمدان على الوزير فقتله، فأنكر فاتك قتله، فعطف على فاتك فألحقه بالوزير، ثم ساق ليثلّث بالمقتدر، وهو يلعب بالصوالجة، فسمع الهيعة [1] ، فدخل وأغلقت الأبواب، ثم نزل ابن حمدان بدار سليمان بن وهب، واستدعى ابن المعتز، وحضر الأمراء والقضاة، سوى خواصّ المقتدر، فبايعوه ولقّبوه الغالب بالله، فاستوزر ابن الجرّاح، واستحجب يمن الخادم، ونفذت الكتب بخلافته إلى البلاد، وأرسلوا إلى المقتدر ليتحوّل من دار الخلافة، فأجاب، ولم يكن بقي معه غير مؤنس [2] الخادم، ومؤنس الخازن، وخاله الأمير غريب، فتحصنوا، وأصبح الحسين بن
[1] قال ابن منظور: الهيعة: صوت الصارخ للفزع، وقيل: الهيعة الصوت الذي تفزع منه وتخافه من عدوّ. «لسان العرب» (هيع) .
[2]
في الأصل والمطبوع: «يونس» وهو خطأ والتصحيح من «العبر» (2/ 110) وانظر «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 15) .
حمدان على محاصرتهم، فرموه بالنشاب، وتناخوا [1] ، ونزلوا على حميّة، وقصدوا ابن المعتز، فانهزم كلّ من حوله، وركب ابن المعتز فرسا ومعه وزيره وحاجبه، وقد شهر سيفه، وهو ينادي: معاشر العامة، ادعوا لخليفتكم، وقصد سامرّا ليثبّت بها أمره، فلم يتبعه كثير [2] أحد، وخذل، فنزل عن فرسه، فدخل دار ابن الجصّاص، واختفى وزيره، ووقع النهب والقتل في بغداد، وقتل جماعة من الكبار، واستقام الأمر للمقتدر، ثم أخذ ابن المعتز وقتل سرّا، وصودر ابن الجصّاص، وقام بأعباء الخلافة الوزير ابن الفرات، ونشر العدل، واشتغل المقتدر باللعب.
وأما الحسين بن حمدان، فأصلح أمره، وبعث إلى ولاية قم، وقاشان.
رجع إلى الكلام على ابن المعتز.
قال ابن خلّكان رحمه الله تعالى [3] : أبو العبّاس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرّشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العبّاس بن عبد المطّلب الهاشمي، أخذ الأدب عن أبي العبّاس المبرّد، وأبي العبّاس ثعلب، وغيرهما، وكان أديبا، بليغا، شاعرا، مطبوعا، مقتدرا على الشعر، قريب المأخذ، سهل اللفظ، جيّد القريحة، حسن الإبداع للمعاني، مخالطا للعلماء والأدباء، معدودا من جملتهم، إلى أن جرت له الكائنة في خلافة المقتدر، واتفق معه جماعة من رؤساء الأجناد ووجوه الكتّاب، فخلعوا المقتدر يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين، وبايعوا عبد الله المذكور، ولقّبوه المرتضي بالله،
[1] لفظة «وتناخوا» لم ترد في «العبر» الذي بين يدي.
[2]
في الأصل: «كبير» وأثبت لفظ المطبوع.
[3]
في «وفيات الأعيان» (3/ 76- 79) .
وقيل: المنصف بالله، وقيل: الغالب بالله، وقيل: الراضي بالله، وأقام يوما وليلة، ثم إن أصحاب المقتدر تحزّبوا وتراجعوا، وحاربوا أعوان ابن المعتز وشتتوهم، وأعادوا المقتدر إلى دسته، واختفى ابن المعتز في دار أبي عبد الله بن الحسين [بن عبد الله بن الحسين][1] المعروف بابن الجصاص الجوهري، فأخذه المقتدر وسلّمه إلى مؤنس الخادم الخازن، فقتله وسلّمه إلى أهله ملفوفا في كساء، وقيل: إنه مات حتف أنفه، وليس بصحيح، بل خنقه مؤنس، وذلك يوم الخميس ثاني عشر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين، ودفن في خرابة بإزاء داره، رحمه الله تعالى.
ومولده لسبع بقين من شعبان سنة سبع وأربعين، وقال سنان بن ثابت:
سنة ست وأربعين ومائتين.
ثم قبض المقتدر على ابن الجصّاص المذكور وأخذ منه مقدار ألفي ألف دينار، وسلّم له بعد ذلك مقدار سبعمائة ألف دينار، وكان في ابن الجصّاص غفلة وبله، وتوفي يوم الثلاثاء [2] لثلاث عشرة ليلة خلت من شوّال سنة خمس عشرة وثلاثمائة.
ولعبد الله المذكور من التصانيف كتاب «الزهر والرياض» وكتاب «البديع» وكتاب «مكاتبات الإخوان بالشعر» وكتاب «الجوارح والصيد» وكتاب «السرقات» وكتاب «أشعار الملوك» وكتاب «الآداب» وكتاب «حليّ الأخبار» وكتاب «طبقات الشعراء» وكتاب «الجامع في الغناء» وأرجوزة في ذمّ الصّبوح.
ومن كلامه: البلاغة البلوغ إلى المعنى، ولم يطل سفر الكلام.
ورثاه علي بن بسام الشاعر بقوله:
[1] ما بين حاصرتين زيادة من «وفيات الأعيان» .
[2]
في «وفيات الأعيان» : «يوم الأحد» .
لله درّك من ملك [1] بمضيعة
…
ناهيك في العلم والآداب والحسب
ما فيه لوّ، ولا لولا فتنقصه
…
وإنّما أدركته حرفة الأدب [2]
ولابن المعتز أشعار رائقة وتشبيهات بديعة، فمن ذلك قوله:
سقى المطيرة ذات الظلّ والشجر
…
ودير عبدون هطّال من المطر
فطالما نبّهتني للصّبوح بها
…
في غرّة الفجر والعصفور لم يطر
أصوات رهبان دير في صلاتهم
…
سود المدارع نعّارين في السّحر
مزنّرين على الأوساط قد جعلوا
…
على الرؤوس أكاليلا من الشّعر
كم فيهم من مليح الوجه مكتحل
…
بالسحر يطبق جفنيه على حور
لاحظته بالهوى حتّى استقاد له
…
طوعا وأسلفني الميعاد بالنّظر
وجاءني في قميص اللّيل مستترا
…
يستعجل الخطو من خوف ومن حذر
فقمت [3] أفرش خدّي في الطريق له
…
ذلّا وأسحب أذيالي [4] على الأثر
ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا
…
مثل القلامة قد قدّت من الظّفر
وكان ما كان ممّا لست أذكره
…
فظنّ خيرا ولا تسأل عن الخبر
وله في الخمر المطبوخة، وهو معنى بديع، وفيه دلالة على أنه كان حنفي المذهب:
خليلي قد طاب الشّراب المورّد
…
وقد عدت بعد النّسك والعود أحمد
فهات [5] عقارا في قميص زجاجة
…
كياقوتة في درّة تتوقّد
[1] في الأصل، والمطبوع، و «وفيات الأعيان» ، و «فوات الوفيات» : من «ميت» وأثبت لفظ «تاريخ بغداد» ، و «معاهد التنصيص» .
[2]
البيتان في «تاريخ بغداد» للخطيب (10/ 101) ، و «فوات الوفيات» لابن شاكر (2/ 240) ، و «معاهد التنصيص» للعباسي (2/ 43- 44) .
[3]
في «خزانة الأدب» للبغدادي (11/ 52) : «فبتّ» .
[4]
في «خزانة الأدب» : «أكمامي» .
[5]
في «وفيات الأعيان» : «فهاتا» .
يصوغ عليها الماء شبّاك فضّة
…
له حلق بيض تحلّ وتعقد
وقتني من نار الجحيم بنفسها
…
وذلك من إحسانها ليس يجحد [1]
وكان ابن المعتز شديد السمرة، مسنون الوجه يخضّب بالسواد.
ورأيت في بعض المجاميع، أن عبد الله بن المعتز كان يقول: أربعة من الشعراء سارت أسماؤهم بخلاف أفعالهم، فأبو العتاهية سار شعره بالزهد، وكان على الإلحاد، وأبو نواس سار شعره باللواط وكان أزنى من قرد، وأبو حكيمة الكاتب سار شعره بالعنّة وكان أهبّ من تيس، ومحمد بن حازم سار شعره بالقناعة، وكان أحرص من كلب. انتهى ما أورده ابن خلّكان ملخصا.
وفي سنة ست وتسعين، وصل إلى مصر أمير إفريقية زيادة الله بن الأغلب [2] ، هاربا من المهدي عبيد الله وداعية أبي عبد الله الشيعي، فتوجّه [3] إلى العراق.
وفيها أحمد بن حمّاد بن مسلم، أخو عيسى زغبة التجيبيّ بمصر، في جمادى الأولى. روى عن سعيد بن أبي مريم، وسعيد بن عفير، وطائفة، وعمّر أربعا وتسعين سنة.
[1] الأبيات في «وفيات الأعيان» (3/ 79) .
[2]
هو زيادة الله بن أبي العبّاس عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن الأغلب الأغلبي، أبو مضر، آخر أمراء الدولة الأغلبية بتونس، ولد ونشأ بتونس، وكان ميّالا إلى اللهو، وولّاه أبوه إمارة صقلية، فعكف على لذّاته، فعزله عنها وسجنه، فدسّ لأبيه ثلاثة من خصيان الصقالبة، فقتلوه، ونادوا بزيادة الله أميرا على إفريقية، فتولاها سنة (290) ، وقتل الخصيان الثلاثة. وفتك بمن قدر عليه من أعمامه وإخوته، وعاد إلى ملازمة الندماء، فأهمل شؤون الملك، فاستفحل أمر الثائر أبي عبد الله الشيعي، فصبر له زيادة الله ودافعه زمنا إلى أن يئس من الظفر، وكان مقيما برقّادة، فجمع أهله وماله وفرّ من إفريقية سنة (296) فنزل بمصر، ثم قصد بغداد، فمرّ بالرّقّة، فاستوقفه الوزير ابن الفرات مدة، واستأذن فيه المقتدر العباسي، فأمر بردّه إلى المغرب، فعاد إلى مصر، فمرض، فقصد بيت المقدس فمات بالرملة سنة (304) وانقرضت به دولة الأغالبة في إفريقية، وهو ثالث من سمّي «زيادة الله» من الأغالبة. عن «الأعلام» للزركلي (3/ 56) وانظر مصادر ترجمته فيه.
[3]
في «العبر» (2/ 111) : «فوجّه» .
وفيها أحمد بن نجدة الهرويّ [1] المحدّث. روى عن سعيد بن منصور وطائفة.
وفيها أحمد بن يحيى الحلوانيّ، أبو جعفر، الرّجل الصالح ببغداد.
سمع أحمد بن يونس، وسعدويه، وكان من الثقات.
وأحمد بن يعقوب، أبو المثنى القاضي، أحد من قام في خلع المقتدر تديّنا، ذبح صبرا.
وخلف بن عمرو العكبريّ، محتشم نبيل، ثقة. روى عن الحميديّ، وسعيد بن منصور.
وفيها أبو حصين الوادعيّ [2]- بكسر المهملة ثم مهملة نسبة إلى وادعة بطن من همدان- وهو القاضي محمد بن الحسين بن حبيب، في رمضان، صنّف «المسند» ، وكان من حفّاظ الكوفة الثقات، روى عن أحمد بن يونس وأقرانه.
وفيها محمد بن داود الكاتب، أبو عبد الله، الأخباريّ العلّامة، صاحب المصنفات. كان أوحد أهل زمانه في معرفة أيام النّاس. أخذ عن عمر بن شبّة [3] وغيره، وقتل في فتنة ابن المعتز.
[1] ذكره المزّي في «تهذيب الكمال» (1/ 505) مصورة دار المأمون للتراث، فيمن روى عن سعيد بن منصور.
[2]
أقول: الذي في «القاموس المحيط» : «أبو الحصين الوداعي» وكذلك في «اللباب في تهذيب الأنساب» الوداعي. (ع) .
[3]
في الأصل، والمطبوع:«عمرو بن شيبة» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 112- 113) وغيره.