الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وثمانين ومائتين
فيها وقع الصلح بين المعتضد وخمارويه، وتزوج المعتضد بابنة خمارويه الملقبة قطر النّدى [1] على مهر مبلغه ألف ألف درهم، فأرسلت إلى بغداد وبنى بها المعتضد، وقوّم جهازها بألف ألف دينار، وأعطت ابن الجصاص الذي مشى في الدلالة مائة ألف درهم.
وفيها توفي الحافظ أبو إسحاق الطّوسيّ العنبريّ إبراهيم بن إسماعيل. سمع يحيى بن يحيى التميمي فمن بعده، وكان محدّث الوقت وزاهده بعد محمد بن أسلم بطوس، صنّف «المسند الكبير» في مائتي جزء.
وفيها العلّامة أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حمّاد بن زيد الأزديّ مولاهم البصريّ، الفقيه المالكي، القاضي ببغداد، في ذي الحجة فجأة، وله ثلاث وثمانون سنة وأشهر. سمع مسلم بن إبراهيم وطبقته، وصنّف التصانيف في القراءات، والحديث، والفقه، وأحكام القرآن، والأصول. وتفقّه على أحمد بن المعذل، وأخذ علم الحديث عن
[1] واسمها أسماء بنت خمارويه. انظر ترجمتها ومصادرها في «تاريخ مدينة دمشق» لابن عساكر «تراجم النساء» ص (312) ، و «معجم النساء» لكحالة (4/ 212- 215) ، وسوف يتكلم المؤلف عنها في الصفحتين (336- 337) و (365) من هذا المجلد.
ابن المديني، وكان إماما في العربية، حتّى قال المبرد: هو أعلم بالتصريف منّي.
وفيها الحافظ أبو الفضل، جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطّيالسيّ البغداديّ في رمضان. سمع عفّان وطبقته، وكان ثقة متحرّيا إلى الغاية في التحديث.
وفيها الحافظ أبو محمد الحارث بن محمد بن أبي أسامة التميميّ البغداديّ، صاحب «المسند» يوم عرفة، وله ست وتسعون سنة. سمع عن علي بن عاصم، وعبد الوهّاب بن عطاء، وطبقتهما.
قال الدارقطني: صدوق.
وقيل: فيه لين، كان لفقره يأخذ على التحديث أجرا.
وفيها الحسين بن الفضل بن عمير البجليّ الكوفيّ المفسّر، نزيل نيسابور، كان آية في معاني القرآن [1] ، صاحب فنون وتعبّد.
قيل: إنه كان يصلي في اليوم والليلة ستمائة ركعة، وعاش مائة وأربع سنين، وروى عن يزيد بن هارون والكبار.
وفيها خمارويه بن أحمد بن طولون، الملك، أبو الجيش، متولّي مصر والشام، وحمو المعتضد [بالله] . فتك به غلمان له راودهم في ذي القعدة بدمشق، وعاش اثنتين وثلاثين سنة، وكان شهما صارما كأبيه. قاله في «العبر» [2] .
وقال ابن خلّكان [3] : أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون، لما
[1] في الأصل، والمطبوع:«آية في معان» وأثبت ما في «العبر» للذهبي مصدر المؤلف.
[2]
(2/ 74) .
[3]
في «وفيات الأعيان» (2/ 249) .
توفي أبوه اجتمع الجند على توليته مكانه، فولي وهو ابن عشرين سنة، وكانت ولايته في أيام المعتمد على الله، وفي سنة ست وسبعين تحرّك الأفشين محمد بن أبي الساج ديوداد بن ديودست [1] من إرمينية والجبال في جيش عظيم، وقصد مصر، فلقيه خمارويه في بعض أعمال دمشق، وانهزم الأفشين، واستأمن أكثر عسكره، وسار خمارويه حتّى بلغ الفرات، ودخل أصحابه الرّقة، ثم عاد وقد ملك من الفرات إلى بلاد النوبة.
فلما مات المعتمد وتولى المعتضد الخلافة، بادر إليه خمارويه بالهدايا والتّحف، فأقرّه [المعتضد][2] على عمله، وسأل خمارويه أن يزوّج ابنته قطر النّدى- واسمها أسماء- للمكتفي بالله بن المعتضد [بالله][3] ، وهو إذ ذاك وليّ العهد، فقال المعتضد [بالله] [3] : بل أنا أتزوجها، فتزوجها في سنة إحدى وثمانين ومائتين، والله أعلم.
وكان صداقها ألف ألف درهم، وكانت موصوفة بفرط الجمال والعقل.
حكي أن المعتضد خلا بها يوما للأنس في مجلس أفرده لها ما أحضره سواها، فأخذت الكأس منه، فنام على فخذها، فلما استثقل وضعت رأسه على وسادة، وخرجت فجلست في ساحة القصر، فاستيقظ فلم يجدها، فاستشاط غضبا ونادى بها، فأجابته عن قرب، فقال: ألم أخلك إكراما لك؟
ألم أدفع إليك مهجتي دون سائر حظاياي؟ فتضعين رأسي على وسادة وتذهبين؟! فقالت: يا أمير المؤمنين! لم أجهل [4] قدر ما أنعمت عليّ به،
[1] في الأصل، والمطبوع:«ديوذار بن يوسف» ، وفي «وفيات الأعيان» :«ديوداذ بن دوست» وكلاهما خطأ، والتصحيح من «تاريخ الطبري» (9/ 353) ، و «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 168) .
[2]
زيادة من «وفيات الأعيان» .
[3]
زيادة من «وفيات الأعيان» .
[4]
في «وفيات الأعيان» : «ما جهلت» .
ولكن فيما أدّبني به أبي أن قال: لا تنامي مع القيام [1] ولا تجلسي مع النيام.
ويقال: إن المعتضد أراد بنكاحها افتقار الطولونية، وكذا كان، فإن أباها جهّزها بجهاز لم يعمل مثله، حتّى قيل: إنه كان لها ألف هاون ذهبا، وشرط عليه المعتضد أن يحمل كل سنة بعد القيام بجميع وظائف مصر وأرزاق أجنادها مائتي ألف دينار، فأقام على ذلك إلى أن قتله غلمانه بدمشق على فراشه ليلة الأحد لثلاث بقين من ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين، وعمره اثنتان وثلاثون سنة، وقتل قتلته أجمعون، وحمل تابوته إلى مصر، ودفن عند أبيه بسفح المقطّم، رحمهما الله تعالى.
وكان من أحسن النّاس [2] خطّا. انتهى ما أورده ابن خلّكان.
وفيها الحافظ أبو محمد، الفضل بن محمد بن المسيّب، البيهقيّ الشعرانيّ، طوّف الأقاليم، وكتب الكثير، وجمع وصنّف. روى عن سليمان بن حرب، وسعيد بن أبي مريم، وطبقتهما.
قال في «المغني» [3] : قال أبو حاتم: تكلموا فيه.
وفيها محمد بن الفرج الأزرق، أبو بكر، في المحرم ببغداد. سمع حجّاج بن محمد [4] ، وأبا النّضر، وطبقتهما.
قال في «المغني» [5] : محمد بن الفرج الأزرق، له جزء معروف، وهو صدوق، تكلم الحاكم فيه لصحبته الكرابيسي، وهذا تعنّت. انتهى.
وفيها العلّامة أبو العيناء، محمد بن القاسم بن خلّاد البصريّ الضرير اللغويّ الأخباري، وله إحدى وتسعون سنة، وأضرّ وله أربعون سنة، أخذ عن
[1] في «وفيات الأعيان» : «لا تنامي مع الجلوس» .
[2]
لفظة «الناس» سقطت من الأصل، وأثبتها من المطبوع.
[3]
(2/ 513) .
[4]
في الأصل: «محمد بن حجاج» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب. وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (3/ 1257) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق.
[5]
(2/ 623) .
أبي عبيدة، وأبي عاصم النّبيل، وجماعة، وله نوادر وفصاحة وأجوبة مسكتة.
قاله في «العبر» [1] .
وقال ابن خلّكان [2] : أصله من اليمامة، ومولده بالأهواز، ومنشؤه بالبصرة، وبها طلب الحديث وكسب الأدب [3] ، وسمع من أبي عبيدة، والأصمعي، وأبي زيد الأنصاري، والعتبي، وغيرهم، وكان من أفصح الناس لسانا وأحفظهم، وكان من ظرائف العالم، وفيه من اللّسن وسرعة الجواب والذكاء ما لم يكن في أحد من نظرائه، وله أخبار حسان وأشعار ملاح مع أبي علي الضرير.
وحضر يوما مجلس بعض الوزراء، فتفاوضوا حديث البرامكة وكرمهم وما كانوا عليه من البذل [4] والإفضال، فقال الوزير: قد أكثرت من ذكرهم ووصفك إياهم، وإنما هذا تصنيف الورّاقين وكذب المؤلفين، فقال أبو العيناء: فلم لا يكذب الورّاقون عليك أيها الوزير؟ فسكت الوزير، وعجب الحاضرون من إقدامه عليه.
وشكا إلى عبد الله بن سليمان بن وهب الوزير سوء الحال، فقال له:
أليس قد كتبنا إلى إبراهيم بن المدبّر في أمرك؟ قال: نعم، قد كتبت إلى رجل قد قصر من همّته طول الفقر، وذلّ الأسر، ومعاناة الدّهر، فأخفق سعيي وخابت طلبتي، فقال عبد الله [5] : أنت اخترته، فقال: وما عليّ أيّها الوزير في ذلك، وقد اختار موسى قومه سبعين رجلا فما كان فيهم رشيد، واختار النّبيّ صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن سعد بن أبي سرح كاتبا، فرجع إلى المشركين مرتدّا،
[1](2/ 75) .
[2]
في «وفيات الأعيان» (4/ 343) .
[3]
في الأصل والمطبوع: و «كتب الأدب» وما أثبته من «وفيات الأعيان» مصدر المؤلف.
[4]
في «وفيات الأعيان» : «وما كانوا عليه من الجود» .
[5]
في «وفيات الأعيان» : «عبيد الله» .
واختار علي بن أبي طالب أبا موسى الأشعري حكما له، فحكم عليه، وإنما قال: ذلّ الأسر، لأن إبراهيم المذكور كان قد أسره علي بن محمد صاحب الزّنج بالبصرة وسجنه، فنقب السجن وهرب.
ودخل أبو العيناء على أبي الصقر إسماعيل بن بلبل [1] الوزير يوما، فقال له: ما الذي أخّرك عنّا يا أبا العيناء، فقال سرق حماري. قال: وكيف سرق؟ قال: لم أكن مع اللّصّ فأخبرك. قال: فهلّا أتيتنا على غيره؟ قال:
قعد بي عن الشراء قلّة يساري [2] وكرهت ذلّة المكاري ومنّة العواري [3] .
وخاصم علويا، فقال له العلويّ: أتخاصمني وأنت تقول [كل يوم][4] :
اللهمّ صلّ على محمد وعلى آله؟ قال: لكني أقول: الطيبين الطاهرين ولست منهم.
ووقف عليه رجل من العامّة فلما أحسّ به قال: من هذا؟ قال: رجل من بني آدم، فقال أبو العيناء، مرحبا بك- أطال الله بقاءك- ما كنت أظن هذا النّسل إلا قد انقطع.
وصار يوما إلى باب صاعد بن مخلد، فاستأذن عليه، فقيل: هو مشغول بالصلاة، فقال: لكل جديد لذّة، وكان صاعد قبل الوزارة نصرانيا.
ومرّ بباب عبد الله بن منصور وهو مريض وقد صحّ [5]، فقال لغلامه كيف خبره؟ فقال: كما تحب، فقال: ما لي لا أسمع الصراخ عليه؟.
ودعا سائلا ليعشّيه فلم يدع شيئا إلا أكله، فقال، يا هذا، دعوتك رحمة فتركتني رحمة.
[1] في الأصل، والمطبوع:«إسماعيل بن بابك» وهو خطأ، والتصحيح من «وفيات الأعيان» ، وانظر «تاريخ الطبري» (9/ 544) .
[2]
في الأصل، والمطبوع:«قلة إيساري» والتصحيح من «وفيات الأعيان» .
[3]
الخبر في «معجم الأدباء» لياقوت (18/ 293- 294) .
[4]
زيادة من «وفيات الأعيان» .
[5]
في الأصل: «وقد صلح» وأثبت ما في المطبوع.
وكان بينه وبين ابن مكرم مداعبات فسمع ابن مكرم رجلا يقول: من ذهب بصره قلّت حيلته، فقال: ما أغفلك عن أبي العيناء! ذهب بصره فعظمت حيلته.
وقد ألمّ أبو علي البصير بهذا المعنى، يشير به إلى أبي العيناء:
قد كنت خفت يد الزّما
…
ن عليك إذ ذهب البصر
لم أدر أنّك بالعمى
…
تغنى ويفتقر البشر [1]
وقال له ابن مكرم يوما يعرّض به: كم عدد المكدّين بالبصرة؟ فقال:
مثل عدد البغائين ببغداد.
وروي عنه أنه قال: كنت عند أبي الحكم إذ أتاه رجل فقال له:
وعدتني وعدا، فإن رأيت أن تنجزه، فقال: ما أذكره، فقال: إن لم تذكره فلأن من تعده مثلي كثير، وأنا لا أنساه، لأن من أسأله مثلك قليل، فقال:
أحسنت، لله أبوك، وقضى حاجته.
وكان جدّه الأكبر لقي علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فأعياه [في] المخاطبة معه، فدعا عليه بالعمى له ولولده، فكلّ من عمي من ولد جدّ أبي العيناء فهو صحيح النسب فيهم، هكذا قاله أبو سعد الطلحي [2] وخرج من البصرة وهو بصير، وقدم سرّ من رأى، فاعتلت عيناه، فعمي [وسكن بغداد مدة][3] وعاد إلى البصرة ومات بها. انتهى ما أورده ابن خلّكان مخلصا [4] .
[1] البيتان في «وفيات الأعيان» (4/ 345) ، و «نكت الهيمان» ص (265) ، و «الوافي بالوفيات» (4/ 341) .
[2]
في المطبوع: «أبو سعد الطلمي» ، وفي «وفيات الأعيان» :«أبو سعيد الطلحي» .
[3]
زيادة من «وفيات الأعيان» .
[4]
قلت: وفيها مات الإمام المؤرّخ المهندس أبو حنيفة أحمد بن داود بن ونند الدّينوري، أحد نوابغ الدهر، وصاحب «الأخبار الطوال» وغير ذلك من المصنفات النافعة. وقد استوفيت التعريف به في مقدمتي لهذا الكتاب (1/ 28- 29) وانظر «الأعلام» للزركلي (1/ 123) .