الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة إحدى وتسعين ومائتين
فيها خرجت التّرك في جيش لجب [1] ، فاستنفر إسماعيل بن أحمد النّاس عامة، وكبس التّرك في الليل، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وكانت من الملاحم الكبار، ونصر الله تعالى المسلمين [2] ، لكن أصيب المسلمون من جهة أخرى، خرجت الرّوم في مائة ألف، فوصلوا إلى الحدث [3] فقتلوا، وسبوا، وأحرقوا، ورجعوا سالمين، فنهض جيش من طرسوس، عليهم غلام زرافة، فوغلوا في الرّوم، حتّى نازلوا أنطالية [4]- مدينة صغيرة قريبة من قسطنطينية العظمى- فافتتحوها عنوة، وقتلوا من الرّوم نحو خمسة آلاف، وغنموا غنيمة لم يعهد مثلها، بحيث إنه بلغ سهم الفارس ألف دينار، ولله الحمد.
وأما القرمطيّ، صاحب الشامة، واسمه حسين، فعظم به الخطب، والتزم له أهل دمشق بمال عظيم، حتّى ترحّل عنهم، وتملّك حمص، وسار إلى حماة، والمعرّة، فقتل وسبى، وعطف إلى بعلبك، فقتل أكثر أهلها، ثم سار فأخذ سلميّة وقتل أهلها قتلا ذريعا، حتّى ما ترك بها عينا تطرف، وجاء
[1] قال ابن منظور: عسكر لجب: عرمرم وذو لجب وكثرة. «لسان العرب» (لجب) .
[2]
لفظة «المسلمين» لم ترد في المطبوع، و «العبر» للذهبي.
[3]
قلعة حصينة بين ملطية وسميساط ومرعش، من الثغور، ويقال لها: الحمراء، لأن تربتها جميعا حمراء، وقلعتها على جبل يقال له الأحيدب. انظر «معجم البلدان» (2/ 227) .
[4]
في الأصل، والمطبوع، و «العبر» للذهبي (2/ 93) :«أنطاكية» وهو خطأ، والتصحيح من «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 533) ، وانظر «معجم البلدان» (1/ 270) ، و «بلدان الخلافة الشرقية» ص (183- 184) .
جيش المكتفي، فالتقاهم بقرب حمص، فكسروه، وأسر خلق من جنده، وركب هو وابن عمّه الملقّب بالمدّثر، وآخر، فاخترقوا ثلاثتهم البريّة، فمرّوا بداليّة بن طوق، فأنكرهم، وإلى تلك الناحية فقرّرهم، فاعترف صاحب الشامة، فحملهم إلى المكتفي، فقتلهم وأحرقهم [1] .
وقام بأمر القرامطة بعدهم أخوهما أبو الفضل، وسار إلى أذرعات [2] وبصرى من حوران، والبثنيّة [3] من أعمال دمشق، فخرج إليه السلطان حمدان بن حمدون التغلبي، فهزمه القرمطي، وسار إلى هيت وحرّقها بالنّار بعد قتل أهلها، ورجع إلى ناحية البر، فأنفذ المكتفي جيشا عظيما، فخاف أصحاب القرمطي إحاطة الجيوش بهم، فقتله رجل منهم يعرف بأبي الذّيب غيلة، وحمل رأسه إلى المكتفي، ثم خرج بعدهم من القرامطة زكرويه بن مهرويه، وقيل: هو أبو من تقدّم ذكره، وعاث في البلاد فأكثر فيها الفساد، وقتل ثلاثة ركوب راجعة من الحج، وبلغ عدد المقتولين منهم خمسين ألفا.
وقيل: إن هذا العدد في الركب الثالث وحده. وخذلهم الله على يدي وصيف بن صول الجزري، وأسر زكرويه جريحا، ومات من الغد، وحمل رأسه إلى المكتفي ببغداد.
وفيها توفي علّامة الأدب أبو العبّاس، ثعلب، أحمد بن يحيى بن يزيد الشيبانيّ مولاهم العبسيّ البغداديّ، شيخ اللغة والعربية. حدّث عن غير واحد، وعنه غير واحد، منهم الأخفش الصغير. وسمع من القواريري مائة ألف حديث، فهو من المكثرين، وسيرته في الدّين والصلاح مشهورة. قاله ابن ناصر الدّين.
[1] في «العبر» : «وحرّقهم» .
[2]
وهي المعروفة الآن ب «درعا» مدينة كبيرة تبعد عن دمشق قرابة (110) كم من جهة الجنوب.
انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (1/ 130- 131) .
[3]
انظر خبرها في «معجم ما استعجم» للبكري (1/ 226) ، و «معجم البلدان» لياقوت (1/ 338) .
وقال ابن مجاهد المصري: قال ثعلب: اشتغل أهل القرآن والحديث والفقه بذلك ففازوا، واشتغلت بزيد وعمرو، ليت شعري ما يكون حظّي في الآخرة.
قال ابن مجاهد: فرأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم، في المنام، فقال لي:«أقرئ أبا العبّاس ثعلب عنّي السّلام وقل له: أنت صاحب العلم المستطيل» .
قال العبد الصالح أبو عبد الله الرّوذباري: أراد صلى الله عليه وسلم، أن الكلام به يكمل، والخطاب به يجمل، وأن جميع العلوم تفتقر إليه.
صنّف ثعلب التصانيف المفيدة، منها «كتاب الفصيح» وهو صغير الحجم، كبير [1] الفائدة، و «كتاب القراءات» و «كتاب إعراب القرآن» ، وغير ذلك، وكان ثقة صالحا، مشهورا بالحفظ والمعرفة، وكان أصمّ، فخرج من الجامع بعد العصر وفي يده كتاب ينظر إليه وهو يمشي، فصدمته فرس فألقته في هوّة، فأخرج منها وهو كالمختلط، فمات في اليوم الثاني، وكان حنبليا.
قال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [2] : قال ثعلب: كنت أحبّ أن أرى [2] أحمد بن حنبل، فصرت إليه، فلما دخلت عليه قال لي: فيم تنظر؟ فقلت في النحو والعربية. فأنشدني أبو عبد الله أحمد بن حنبل:
إذا ما خلوت الدّهر يوما فلا تقل
…
خلوت ولكن قل عليّ رقيب
ولا تحسبنّ الله يغفل ما مضى
…
ولا أنّ ما تخفي [3] عليه يغيب
لهونا عن الأيّام حتّى تتابعت
…
ذنوب على آثارهنّ ذنوب
فيا ليت أنّ الله يغفر ما مضى
…
ويأذن في توباتنا فنتوب
انتهى.
[1] في الأصل: «كثير» وأثبت ما في المطبوع.
[2]
(1/ 83) وفيه: «أحببت أن أرى» والأبيات فيه وفي «تاريخ بغداد» (5/ 205) .
[3]
في الأصل والمطبوع: «ما يخفى» وهو خطأ والتصحيح من «طبقات ابن أبي يعلى» ، و «تاريخ بغداد» .
وفيها علي بن الحسين بن الجنيد الرّازيّ، الحافظ الكبير الثقة، أبو الحسن، في آخر السنة، ويعرف بالمالكي لتصنيفه حديث مالك. طوّف الكثير، وسمع أبا جعفر النّفيلي وطبقته، وعاش نيفا وثمانين سنة.
وقنبل قارئ أهل مكة، وهو أبو عمرو [1] محمد بن عبد الرّحمن المخزوميّ [2] ، مولاهم، المكيّ، وله ست وتسعون سنة. شاخ وهرم، وقطع الإقراء قبل موته بسبع سنين. قرأ على أبي الحسن القوّاس، ورحل إليه القرّاء، وجاوروا وحملوا عنه.
وفيها القاسم بن عبيد الله الوزير ببغداد، وزر للمعتضد وللمكتفي، وكان أبوه أيضا وزير المعتضد، وكان القاسم قليل التقوى، كثير الظلم، وكان يدخله من ضياعه في العام سبعمائة ألف دينار، ولما مات أظهر الناس الشّماتة بموته.
وفيها محمد بن أحمد بن البراء القاضي، أبو الحسن، العبديّ ببغداد. روى عن ابن المديني وجماعة.
وفيها محمد بن أحمد بن النّضر بن سلمة الجاروديّ أبو بكر الأزديّ، ابن بنت معاوية بن عمرو، وله خمس وتسعون سنة. روى عن جدّه، والقعنبي، وكان إماما، حافظا، ثقة، من الرؤساء.
وفيها محدّث مكّة محمد بن علي بن زيد الصّائغ، في ذي القعدة، وهو في عشر المائة. روى عن القعنبيّ، وسعيد بن منصور.
وفيها مقرئ أهل دمشق هارون بن موسى بن شريك، المعروف بالأخفش، صاحب ابن ذكوان، في عشر المائة.
[1] كذا في الأصل والمطبوع، و «الوافي بالوفيات» (3/ 226) وفي معظم المصادر:«أبو عمر» .
[2]
انظر ترجمته ومصادرها في «معرفة القرّاء الكبار» للذهبي (1/ 230) .