الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وتسعين ومائتين
فيها خرج عن الطاعة صاحب مصر هارون بن خمارويه الطولوني، فسارت جيوش المكتفي لحربه، وجرت لهم وقعات، ثم اختلف أمراء هارون واقتتلوا، فخرج ليسكّنهم، فجاءه سهم فقتله، ودخل الأمير محمد بن سليمان قائد جيش المكتفي، فتملّك الإقليم، واحتوى على الخزائن، وقتل [من آل طولون][1] بضعة عشر رجلا، وحبس طائفة، وكتب بالفتح إلى المكتفي، وقيل: إنه همّ بالمضيّ إلى المكتفي- أعني هارون- فامتنع عليه أمراؤه، وشجّعوه، فأبى، فقتلوه غيلة، ولم يمتع محمد بن سليمان، فإنه أرعد وأبرق، وخيف من غيلته وغلبته على بلاد مصر [2] وكاتب وزير المكتفي القواد فقبضوا عليه.
وفيها خرج الخلنجيّ القائد بمصر، وحارب الجيوش، واستولى على مصر.
وفيها توفي القاضي الحافظ، أبو بكر المروزيّ أحمد بن علي بن سعيد، قاضي حمص [3] ، في آخر السنة. روى عن ابن الجعد وطبقته، وحدّث عنه الطبرانيّ وغيره، وكان ثقة، أحد أوعية العلم.
[1] زيادة من «العبر» للذهبي (2/ 97) .
[2]
في «العبر» : «وخيف من غلبته على بلاد مصر» .
[3]
وهو صاحب «مسند أبي بكر الصّدّيق» المطبوع طبعة متقنة نافعة في المكتب الإسلامي بدمشق بتحقيق الأستاذ الشيخ شعيب الأرناؤوط.
وفيها الحافظ أبو بكر البزّار، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري، صاحب المسند الكبير، في ربيع الأول بالرّملة [1] . روى عن هدبة بن خالد وأقرانه، وحدّث في آخر عمره بأصبهان، والعراق، والشام.
قال الدارقطنيّ: ثقة يخطئ ويتّكل على حفظه.
وقال في «المغني» [2] : أحمد بن عمرو، أبو بكر البزّار الحافظ، صاحب «المسند» ، صدوق.
قال أبو أحمد الحاكم: يخطئ في الإسناد والمتن. انتهى.
وفيها، أحمد بن محمد بن الحجّاج بن رشدين بن سعد الحافظ، أبو جعفر، المهديّ المصريّ المقرئ. قرأ القرآن على أحمد بن صالح، وروى عن سعيد بن عفير وطبقته، وفيه ضعف.
قال ابن عدي: يكتب حديثه.
وأبو مسلم الكجّيّ، إبراهيم بن عبد الله البصريّ الحافظ، صاحب «السّنن» ومسند الوقت، في المحرم، وقد قارب المائة أو كمّلها [3] . سمع أبا عاصم النبيل، والأنصاري، والكبار. وثّقة الدارقطني، وكان محدّثا، حافظا، محتشما، كبير الشأن.
قيل: إنه لما فرغوا من سماع «السّنن» عليه عمل لهم مأدبة [4] غرم عليها ألف دينار، تصدّق بجملة منها، ولما قدم بغداد ازدحموا عليه، حتّى حزر مجلسه بأربعين ألفا وزيادة، وكان في المجلس سبعة مستملين، كل واحد يبلّغ الآخر.
[1] هي مدينة عظيمة، تقع في الغرب الأوسط من فلسطين المغتصبة، ردّها الله تعالى إلى المسلمين بفضله وكرمه. انظر خبرها في «معجم البلدان» (3/ 69- 70) .
[2]
(1/ 51) .
[3]
في الأصل، والمطبوع:«وكملها» وأثبت ما في «العبر» للذهبي (2/ 99) مصدر المؤلف.
[4]
في «العبر» : «فائدة» .
وفيها إدريس بن عبد الكريم، أبو الحسن الحدّاد المقرئ المحدّث، يوم الأضحى ببغداد، وله نحو من تسعين سنة. روى عن عاصم بن علي وطبقته، وقرأ القرآن على خلف، وتصدّر للإقراء والعلم.
قال الدارقطني: هو فوق الثقة بدرجة.
وفيها محدّث واسط بحشل، وهو الحافظ أبو الحسن أسلم بن سهل الرزّاز، روى عن جدّه لأمّه وهب بن بقيّة وطبقته، وصنّف التصانيف، وهو ثقة ثبت.
وفيها قاضي القضاة، أبو حازم، عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفي ببغداد، وكان من القضاة العادلة، له أخبار ومحاسن، ولما احتضر، كان يقول: يا رب من القضاء إلى القبر، ثم يبكي، روى عن بندار.
وفيها عيسى بن محمد بن عيسى الطّعمانيّ المروزيّ اللغويّ. ذكر عنه ابن السبكي في «طبقاته الكبرى» [1] قصة مطوّلة ملخصها، قال الحاكم:
سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول: سمعت أبا العبّاس [2] عيسى بن محمد بن عيسى الطّهمانيّ المروزيّ يقول: إني وردت في سنة ثمان وثلاثين ومائتين مدينة من مدائن خوارزم تدعى هزاراسب [3] فخبّرت أن بها امرأة من نساء الشهداء، رأت رؤيا كأنها أطعمت شيئا في منامها، فهي لا تأكل شيئا، ولا تشرب من حين ذلك، ثم مررت بتلك المدينة سنة اثنتين وأربعين ومائتين، فرأيتها، وحدّثتني بحديثها، فلم أستقص عليها لحداثة سنّي، ثم إني عدت إلى خوارزم في آخر سنة اثنتين وخمسين ومائتين، فرأيتها باقية، ووجدت حديثها شائعا مستفيضا، وهذه المدينة على مدرجة
[1](7/ 8- 15) بتحقيق الدكتورين عبد الفتاح محمد الحلو، ومحمود محمد الطناحي، وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف.
[2]
تحرّفت في المطبوع إلى «البعاس» .
[3]
في الأصل والمطبوع: «هزار نيف» وهو خطأ، والتصحيح من «آثار البلاد وأخبار العباد» للقزويني ص (567)، و «طبقات الشافعية الكبرى» (7/ 9) . وقال صديقي الدكتور خالد قوطرش: الصواب «هزارهسب» ومعناها: بالفارسية مدينة الألف حصان.
القوافل، وكان الكثير ممّن ينزلها إذا بلغتهم قصتها أحبّوا أن ينظروا إليها، فلا يسألون عنها رجلا، ولا امرأة، ولا غلاما إلّا عرفها ودلّ عليها، فلما وافيت الناحية طلبتها، فوجدتها غائبة على عدّة فراسخ، فمضيت في أثرها من قرية إلى قرية فأدركتها بين قريتين، تمشي مشية قوية، وإذا هي امرأة نصف، جيدة القامة، حسنة البدن، ظاهرة الدم، متورّدة الخدّين، ذكية الفؤاد، فسايرتني وأنا راكب، فعرضت عليها مركبا فلم تركبه، وأقبلت تمشي معي بقوة.
وكان ذكر لي الثقات من أهل تلك الناحية أنه كان من يلي خوارزم من العمّال يحصرونها الشهر والشهرين والأكثر في بيت يغلقونه عليها، ويوكّلون بها من يراعيها، فلا يرونها تأكل ولا تشرب، ولا يجدون لها أثر بول ولا غائط، فيبرّونها ويكسونها، ويخلون سبيلها.
فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها، استقصصتها [1] عن حديثها، وسألتها عن اسمها وشأنها كلّه، فذكرت أن اسمها رحمة بنت إبراهيم، وأنه كان لها زوج نجّار فقير، معيشته من عمل يده، لا فضل في كسبه عن قوت أهله، وأن لها منه عدّة أولاد، وأن الأقطع ملك التّرك قتل من قريتهم خلقا كثيرا، من جملتهم زوجها، ولم يبق دار إلا حمل إليها قتيل.
قالت: فوضع زوجي بين يدي قتيلا، فأدركني من الجزع ما يدرك المرأة الشابة على زوج أبي الأولاد.
قالت: واجتمع النساء من قراباتي والجيران يسعدنني [2] على البكاء، وجاء الصبيان- وهم أطفال لا يعقلون من الأمر شيئا- يطلبون الخبز، وليس عندي ما أعطيهم، فضقت صدرا بأمري، ثم إني سمعت أذان المغرب، ففزعت إلى الصلاة، فصلّيت ما قضى لي ربي، ثم سجدت أدعو وأتضرّع إلى الله، أسأله الصبر، وأن يجبر يتم صبياني، فنمت في سجودي، فرأيت
[1] في الأصل: «قصصتها» ، وفي المطبوع:«اقتصصتها» وما أثبته من «طبقات الشافعية الكبرى» .
[2]
يعني يعاونني. انظر «لسان العرب» (سعد) .
كأني في أرض خشناء [1] ، ذات حجارة، وأنا أطلب زوجي، فناداني رجل:
أيّتها الحرّة، خذي ذات اليمين، فأخذت ذات اليمين، فرفعت إلى أرض [سهلة] طيبة الثرى، ظاهرة العشب، وإذا قصور وأبنية لا أحفظ أن أصفها، أو لم أر مثلها، وإذا أنهار تجري على وجه الأرض، ليس لها حافات، فانتهيت إلى قوم جلوس حلقا، حلقا [2] عليهم ثياب خضر، وقد علاهم النور، فإذا هم الذين قتلوا في المعركة، يأكلون على موائد بين أيديهم، فجعلت أتخلّلهم وأتصفّح وجوههم، أبغي زوجي، فناداني: يا رحمة، يا رحمة، فيممت الصوت، فإذا أنا به في مثل حال من رأيت من الشهداء، ووجهه مثل القمر ليلة البدر، وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه، فقال لأصحابه: إن هذه البائسة جائعة منذ اليوم، أفتأذنون [لي] أن أناولها شيئا تأكله؟ فأذنوا له، فناولني كسرة خبز، أشدّ بياضا من الثلج واللبن، وأحلى من العسل والسكر، وألين من الزبد والسمن، فأكلتها، فلما استقرت في جوفي، قال: اذهبي، كفاك الله مؤونة الطعام والشراب ما حييت في الدّنيا.
فانتبهت من نومي شبعاء ريّاء، لا أحتاج إلى طعام ولا شراب، وما ذقتهما من ذلك اليوم إلى يومي هذا، ولا شيئا تأكله الناس.
قلت: فهل تتغذّي بشيء، أو تشربي شيئا غير الماء؟ فقالت: لا.
فسألتها هل يخرج منها ريح أو أذى كما يخرج من النّاس؟ فقالت: لا. قلت:
والحيض؟ وأظنها قالت: انقطع بانقطاع الطّعم. قلت: فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال [3] ؟ قالت: أما تستحي منّي، تسألني عن مثل هذا. قلت:
أي لعلّي أحدّث الناس عنك، ولا بدّ أن أستقصي، قالت: لا أحتاج. قلت:
أفتنامين؟ قالت: نعم أطيب نوم. قلت: فما ترين في منامك؟ قالت: مثل
[1] في «طبقات الشافعية الكبرى» : «حسناء» .
[2]
لفظة «حلقا» الثانية لم ترد في المطبوع.
[3]
في المطبوع: «حاجة الرجال إلى النساء» ، وهو خطأ.
ما ترون. قلت: فتجدي لفقد الطعام وهنا في نفسك؟ قالت: ما أحسست بالجوع منذ طعمت ذلك الطعام. وذكرت لي أن بطنها لاصق بظهرها، فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت، فإذا بطنها كما وصفت، وإذا بها قد اتخذت كيسا ضمنته القطن وشدّته على بطنها كي لا ينقصف ظهرها إذا مشت. هذا ملخص ما أورده ابن السبكي.
وقال ابن الأهدل: وفيها- أي سنة اثنتين وتسعين ومائتين- عيسى بن محمد المروزيّ اللغويّ، وهو الذي رأى بخوارزم امرأة بقيت نيفا وعشرين سنة لا تأكل ولا تشرب.
وروى اليافعي [1] عن الشيخ صفي الدّين، أنه ذكر أن امرأة بجيزة مصر [2] ، قامت ثلاثين سنة لا تأكل ولا تشرب في مكان واحد لا تتألم بحرّ ولا برد. انتهى ما قاله ابن الأهدل بحروفه.
وقال في «العبر» [3] : وفيها- أي سنة ثلاث وتسعين- عيسى بن محمد أبو العبّاس الطّهمانيّ المروزيّ اللغويّ، كان إماما في العربية. روى عن إسحاق بن راهويه، وهو الذي رأى بخوارزم المرأة التي بقيت نيفا وعشرين سنة، لا تأكل ولا تشرب.
وفيها محمد بن أحمد بن سليمان الإمام، أبو العبّاس، الهرويّ فقيه محدّث، صاحب تصانيف. رحل إلى الشام والعراق، وحدّث عن أبي حفص الفلّاس وطبقته.
وفيها يحيى بن منصور الهرويّ. أبو سعد، أحد الأئمة الثقات في العلم والعمل، حتّى قيل: إنه لم ير مثل نفسه. روى عن سويد بن نصر وطبقته.
[1] انظر «مرآة الجنان» (2/ 221- 222) .
[2]
في الأصل، والمطبوع:«ببحيرة مصر» وهو خطأ، والتصحيح من «مرآة الجنان» .
[3]
(2/ 102) .