الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة أربع وستّين ومائتين
فيها أغارت الزّنج على واسط، وهجّ أهلها حفاة عراة، ونهبت ديارهم وأحرقت، فسار لحربهم الموفّق.
وفيها غزا المسلمون الرّوم، وكانوا أربعة آلاف، عليهم ابن كاوس، فلما نزلوا البذندون [1] تبعتهم البطارقة، وأحدقوا بهم، فلم ينج منهم إلّا خمسمائة، واستشهد الباقون، وأسر أميرهم جريحا.
وفيها مات الأمير موسى بن بغا الكبير، وكان من كبار القواد وشجعانهم كأبيه.
وفيها أحمد بن عبد الرّحمن بن وهب، أبو عبيد الله المصريّ المحدّث. روى الكثير عن عمّه عبد الله، وله أحاديث مناكير، وقد احتجّ به مسلم. قاله في «العبر» [2] .
[1] في الأصل، والمطبوع:«البديدون» وهو خطأ، والتصحيح من «معجم البلدان» (1/ 361) وفيه قال ياقوت: بذندون بفتحتين (أي بفتح الباء والذال) وسكون النون ودال مهملة وواو ساكنة ونون: قرية بينها وبين طرسوس يوم من بلاد الثغر، مات بها المأمون، فنقل إلى طرسوس، ودفن بها. وتقع الآن في الجنوب الأوسط من تركيا.
قلت: وقد تحرّفت في «العبر» للذهبي (2/ 33) إلى «البدندون» في المتن والحاشية على الرغم من رجوع محقّقه الأستاذ فؤاد سيد إلى «معجم البلدان» في ضبطها!.
[2]
(2/ 34) .
وفيها أحمد بن يوسف السّلميّ النيسابوريّ [1] الحافظ، أحد الأثبات، ويلقب حمدان. كان ممّن رحل إلى اليمن، وأكثر عن عبد الرزاق وطبقته، وكان يقول: كتبت عن عبيد الله بن موسى ثلاثين ألف حديث، وكان ثقة.
وفيها المزنيّ الفقيه، أبو إبراهيم، إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المصريّ، صاحب الشافعي في ربيع الأول، وهو في عشر التسعين.
قال الشافعيّ: المزنيّ ناصر مذهبي.
وكان زاهدا عابدا يغسّل الموتى حسبة. صنّف «الجامع الكبير» و « [الجامع] الصغير» ومختصره «مختصر المزني» و «المنثور» و «المسائل المعتبرة» و «الترغيب في العلم» و «كتاب الوثاق» وغيرها، وصلّى لكل مسألة في مختصره ركعتين، فصار أصل الكتب المصنفة في المذهب، وعلى منواله رتّبوا، ولكلامه فسّروا وشرحوا، وكان مجاب الدعوة، عظيم الورع، حكي عنه أنه كان إذا فاتته الجماعة صلّى منفردا خمسا وعشرين مرّة، ولم يتقدم عليه أحد من أصحاب الشافعي، وهو الذي تولى غسله يوم مات. قيل:
وعاونه الرّبيع، ودفن إلى جنبه بالقرافة الصغرى، ونسبته إلى مزينة بنت كلب بن وبرة أمّ القبيلة المشهورة. انتهى.
وفيها أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم القرشيّ مولاهم الرّازيّ الحافظ، أحد الأئمة الأعلام في آخر يوم من السنة. رحل وسمع من أبي نعيم، والقعنبي وطبقتهما.
قال أبو حاتم: لم يخلّف بعده مثله علما، وفقها، وصيانة، وصدقا، وهذا ما لا يرتاب فيه، ولا أعلم في المشرق والمغرب من كان يفهم هذا
[1] انظر ترجمته ومصادرها في «الأنساب» للسمعاني (7/ 112) ، و «تهذيب الكمال» للمزّي (1/ 522) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 384- 388) .
الشأن [1] مثله.
وقال إسحاق بن راهويه: كل حديث لا يحفظه أبو زرعة ليس له أصل.
وقال محمد بن مسلم: حضرت أنا وأبو حاتم عند أبي زرعة- والثلاثة رازيّون- فوجدناه في النزع، فقلت لأبي حاتم: إني لأستحيي من أبي زرعة أن ألقّنه الشهادة، ولكن تعال حتّى نتذاكر الحديث، لعله إذا سمعه يقول، فبدأت فقلت: حدّثني محمد بن بشار، أنبأنا أبو عاصم النبيل، أنا عبد الحميد بن جعفر، فأرتج عليّ الحديث، كأني ما سمعته ولا قرأته، فبدأ أبو حاتم فقال: حدّثنا محمد بن بشّار، أنا أبو عاصم النبيل، أنا عبد الحميد بن جعفر [فأرتج عليه كأنه ما سمعه، فبدأ أبو زرعة فقال: حدّثنا محمد بن بشّار، أنا أبو عاصم النبيل، أنا عبد الحميد، عن جعفر][2] عن صالح بن أبي عريب [3] عن كثير بن مرّة، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، «من كان آخر كلامه لا إله إلّا الله، فخرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول، دخل الجنّة» [4] . وقال محمد أبو العبّاس المرادي [5] : رأيت أبا زرعة في المنام فقلت:
ما فعل الله بك؟ فقال: لقيت ربّي عز وجل فقال: يا أبا زرعة إني أوتى بالطفل فآمر به إلى الجنة، فكيف بمن حفظ السنن على عبادي؟ فأقول له:
تبوأ من الجنة حيث شئت.
[1] يعني علوم الحديث النبوي.
[2]
ما بين حاصرتين سقط من المطبوع.
[3]
في الأصل: «صالح بن أبي غريب» وهو تصحيف، وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
وانظر «تهذيب الكمال» للمزّي (2/ 599) مصوّرة دار المأمون للتراث بدمشق.
[4]
رواه الإمام أحمد في «المسند» (5/ 233 و 247)، وأبو داود رقم (3116) في الجنائز: باب في التلقين، والحاكم في «المستدرك» (1/ 351) دون جملة «فخرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول» وصحّحه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، فإنه حديث صحيح بطرقه وشواهده.
[5]
في المطبوع: «المرداوي» وهو خطأ، وانظر «تاريخ بغداد» (10/ 336) .
قال: ورأيته مرة أخرى يصلّي بالملائكة في السماء الرابعة. فقلت: يا أبا زرعة بم نلت أن تصلّي بالملائكة؟ قال: برفع اليدين.
وفيها يونس بن عبد الأعلى الإمام أبو موسى الصدفيّ المصريّ الفقيه المقرئ المحدّث، وله ثلاث وتسعون سنة. روى عن ابن عيينة، وابن وهب، وتفقّه على الشافعيّ، وكان الشافعيّ يصف عقله [1] . وقرأ القرآن على ورش، وتصدّر للإقراء والفقه، وانتهت إليه مشيخة بلده، وكان ورعا، صالحا، عابدا، كبير الشأن.
قال ابن ناصر الدّين: كان ركنا من أركان الإسلام.
[1] قال الذهبي في «تذكرة الحفّاظ» (2/ 527) : روي عن الشافعي قال: ما رأيت بمصر أحدا أعقل من يونس.