الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة اثنتين وأربعين ومائتين
وفيها على ما قاله في «الشذور» رجمت قرية يقال لها: السويداء بناحية مضر [1] بخمسة أحجار، فوقع حجر منها على خيمة أعرابي فاحترقت، وزن منها حجر فكان عشرة أرطال، فحمل منها [2] أربعة إلى الفسطاط، وواحد إلى تنّيس. وزلزلت الرّيّ، وجرجان، وطبرستان، ونيسابور، وأصبهان، وقم، وقاشان، كلها في وقت واحد، وتقطعت جبال، ودنا بعضها من بعض، وسمع للسماء والأرض أصوات عالية، وسار جبل كان باليمن عليه مزارع قوم إلى مزارع قوم آخرين فوقف عليها، وزلزلت الدّامغان، فسقط نصفها على أهلها، فهلك بذلك خمسة وعشرون ألفا، وسقطت بلدان كثيرة على أهلها، ووقع طائر أبيض دون الرّخمة [3] وفوق الغراب على دلبة بحلب لسبع مضين من رمضان، فصاح: يا معشر النّاس اتقوا الله، الله، الله، حتّى صاح أربعين صوتا، ثم طار وجاء من الغد، فصاح أربعين صوتا، وكتب صاحب البريد بذلك وأشهد خمسمائة إنسان سمعوه، ومات رجل في بعض كور الأهواز، فسقط طائر أبيض فصاح بالفارسية وبالحورية: إن الله قد غفر لهذا
[1] في الأصل والمطبوع: «بناحية مصر» وهو تصحيف والتصحيح من «معجم البلدان» (3/ 286) .
[2]
لفظة «منها» لم ترد في المطبوع.
[3]
قال الدميري في «حياة الحيوان الكبرى» (1/ 470) : الرخمة: طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة.
الميت ولمن شهده. انتهى ما ذكره ابن الجوزي في «الشذور» .
وفيها توفي أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزّهري الفقيه، قاضي المدينة ومفتيها، في رمضان، وله اثنتان وتسعون سنة. تفقه على مالك، وسمع منه «الموطأ» ولزمه مدة، وسمع من جماعة، وكان ثقة.
قال الزّبير بن بكّار: مات وهو فقيه المدينة غير مدافع.
وفيها القاضي أبو حسّان الزّيادي، وهو الحسن بن عثمان، في رجب ببغداد، وكان إماما، ثقة، أخباريا، مصنفا، كثير الاطلاع. سمع حمّاد ابن زيد وطبقته.
قيل: إن الشّافعيّ نزل عليه ببغداد.
وفيها الحافظ أبو محمد الحسن بن علي الحلوانيّ الخلّال. سمع حسين بن علي الجعفي وطبقته. كان محدّث مكّة. ثقة مكثرا.
قال إبراهيم بن أرومة: بقي اليوم في الدّنيا ثلاثة: محمد بن يحيى الذّهلي بخراسان، وأحمد بن الفرات بأصبهان، والحسن بن عليّ الحلواني بمكّة.
وفيها الإمام أبو عمرو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان المقرئ إمام جامع دمشق، قرأ على أيوب بن تميم، وسمع من الوليد بن مسلم وطائفة.
قال أبو زرعة الدمشقي: ما في الوقت أقرأ من ابن ذكوان.
وقال أبو حاتم: صدوق.
قال في «العبر» [1] : قلت: عاش سبعين سنة. انتهى.
وفيها الإمام الرّبّانيّ محمد بن أسلم الطّوسيّ الزّاهد، صاحب
[1](1/ 437) .
«المسند» و «الأربعين» ، وكان يشبّه في وقته بابن المبارك. رحل وسمع الحديث من يزيد بن هارون، وجعفر بن عون وطبقتهما. وروى عنه إمام الأئمة ابن خزيمة، وقال: لم تر عيناي مثله.
وقال غيره: كان يعد من الأبدال، وكان يقال له: ربّانيّ هذه الأمة.
قال ابن ناصر الدّين: قيل: إنه صلى عليه لما مات ألف ألف إنسان.
وفيها أبو عبد الله محمد بن رمح التّجيبيّ مولاهم المصريّ الحافظ في شوّال. سمع اللّيث، وابن لهيعة.
قال النسائيّ: ما أخطأ في حديث واحد.
وقال ابن يونس: ثقة ثبت. كان أعلم الناس بأخبار بلدنا.
وفيها محمد بن عبد الله بن عمّار الموصليّ الحافظ أبو جعفر، صاحب «التاريخ» و «علل الحديث» . سمع المعافي بن عمران، وابن عيينة، وطبقتهما، وكان عبيد العجلي يعظم أمره ويرفع قدره.
قال النسائيّ: ثقة صاحب حديث.
قال في «المغني» [1] : ثقة، أساء أبو يعلى القول فيه. انتهى.
وفيها نوح بن حبيب [2] القومسيّ الحافظ. في رجب. روى عن عبد الله بن إدريس، ويحيى القطّان، وطبقتهما، وكان ثقة صاحب سنّة.
وفيها يحيى بن أكثم القاضي، أبو محمد المروزيّ ثم البغداديّ، أحد الأعلام، في آخر السنة بالرّبذة، منصرفا من الحج، وله بضع وسبعون
[1](2/ 598) .
[2]
كذا في الأصل، و «العبر» للذهبي:«نوح بن حبيب» وهو الصواب، وفي المطبوع، و «تقريب التهذيب» ص (566) بتحقيق الأستاذ الفاضل محمد عوّامة:«نوح بن أبي حبيب» وهو خطأ فيصحح فيه. انظر «الأنساب» للسمعاني (10/ 261) ، و «تهذيب الكمال» للمزي (3/ 1425) مصوّرة دار المأمون للتراث، و «تهذيب التهذيب» (10/ 481) .
سنة. سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته، وكان فقيها مجتهدا مصنفا.
قال طلحة الشاهد: يحيى بن أكثم أحد أعلام الدّنيا، قائم بكل معضلة، غلب على المأمون حتّى أخذ بمجامع [1] قلبه، وقلّده القضاء وتدبير مملكته، وكانت الوزراء لا تعمل الشيء إلّا بعد مطالعته. قاله في «العبر» [2] .
وقال ابن الأهدل: كان سنيّ العقيدة، غلب على المأمون فقلّده القضاء وتدبير مملكته، ثم عزله المعتصم بابن أبي دواد، ثم رده المتوكل وعزل ابن أبي دواد، حتّى طابت عقائد أهل السّنّة، وكان يحيى كثير المزاح، واختلف المحدّثون في توثيقه، ولي قضاء البصرة وهو ابن ثماني عشرة سنة، وقال له المأمون: كم سنك؟ فقال: كعتّاب بن أسيد حين أمّره النّبيّ- صلى الله عليه وسلم على مكّة.
وسئل أحمد عما يذكر عنه من الهنات فأنكره إنكارا شديدا.
وله الأثر المحمود والمقام التام يوم نادى المأمون بتحليل المتعة، فردّه بصريح النقل حتّى رجع واستغفر، ولما استدعاه المأمون للقضاء، نظر إليه، وكان دميم الخلق، فعلم أنه استحقره، فقال: يا أمير المؤمنين، سلني إن كان القصد عليّ لا خلقي، فسأله عن المسألة المعروفة بالمأمونية، وهي أبوان وابنتان ولم تقسم التركة حتّى ماتت إحدى البنتين، عمن في المسألة، فقال:
الميت الأول رجل أو امرأة، فقال له: إذا سألت عن الميت الأول فقد عرفتها. انتهى ما قاله ابن الأهدل ملخصا.
قلت: لأن الميت الأول إن كان رجلا فالأب وارث في المسألة الثانية، لأنه أبو أب، وإلّا فلا، لأنه أبو أم.
[1] في الأصل: «بجامع» وهو خطأ، وأثبت ما في المطبوع.
[2]
(1/ 439) والمؤلف ينقل عنه بتصرف.
وروى أبو القاسم القشيريّ [1] ، رحمه الله تعالى، في «الرسالة» [2] قال:
حكى أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن سعيد، قال: كان القاضي يحيى بن أكثم صديقا لي، وكان يودني وأوده، فمات، فكنت أشتهي أن أراه في المنام، فأقول له: ما فعل الله بك، فرأيته ليلة في المنام، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي، إلّا أنه وبخني، ثم قال لي: يا يحيى خلّطت على نفسك في دار الدّنيا. فقلت: يا رب اتكلت على حديث حدثني به أبو معاوية الضّرير، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم، إنك قلت:«إني لأستحي أن أعذّب شيبة بالنّار» . فقال: قد عفوت عنك يا يحيى، وصدق نبيي، إلا أنك خلّطت على نفسك في دار الدّنيا. انتهى كلامه.
وأكتم بالمثناة والمثلثة: العظيم البطن.
[1] هو عبد الكريم بن هوازن النيسابوري، شيخ خراسان في عصره، المتوفي سنة (465) هـ، وسوف ترد ترجمته في المجلد الخامس من كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
[2]
ص (327) ، وساق هذا النقل ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (6/ 163- 164) وفيه بعض الاختلاف.