الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة تسعين ومائتين
فيها زاد أمر القرامطة، وحاصر رئيسهم دمشق، ورئيسهم يحيى بن زكرويه، وكان زكرويه هذا يدّعي أنه من أولاد علي، رضي الله عنه، ويكتب إلى أصحابه من عبيد الله بن عبد الله المهدي، المنصور بالله، الناصر لدين الله، القائم بأمر الله، الحاكم بحكم الله، الداعي إلى كتاب الله، الذابّ عن حريم الله، المختار من ولد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقتل، وخلفه أخوه الحسين صاحب الشّامة، فجهز المكتفي عشرة آلاف لحربهم، عليهم الأمير أبو الأغر، فلما قاربوا حلب، كبستهم القرامطة ليلا، ووضعوا فيهم السيف [1] ، فهرب أبو الأغرّ في ألف نفس، ودخل حلب وقتل تسعة آلاف، ووصل المكتفي إلى الرّقّة، وجهّز الجيوش إلى أبي الأغر، وجاءت من مصر العساكر الطولونية، مع بدر الحمّامي، فهزموا القرامطة، وقتلوا منهم خلقا، وقيل: بل كانت الوقعة بين القرامطة والمصريين بأرض مصر، وأن القرمطي صاحب الشّامة انهزم إلى الشام، ومرّ على الرّحبة، وهيت [2] ، ينهب، ويسبي الحريم [3] ، حتّى دخل الأهواز.
[1] في «العبر» للذهبي: «السيوف» .
[2]
لفظة «وهيت» سقطت من «العبر» (2/ 91) طبع الكويت، وتحرّفت في المطبوع منه في بيروت إلى «وهبّ» فتصحّح فيه. وهيت: بلدة على الفرات من نواحي بغداد فوق الأنبار.
انظر «معجم البلدان» (5/ 421) .
[3]
في «العبر» بطبعتيه: «الحرم» .
وفيها دخل عبيد الله- الملقّب بالمهدي- المغرب متنكّرا، والطّلب عليه من كل وجه، فقبض عليه متولّي سجلماسة، وعلى ابنه، فحاربه أبو عبد الله الشّيعي داعي المهدي، فهزمه ومزّق جيوشه، وجرت بالمغرب أمور هائلة، واستولى على المغرب المهديّ المنتسب إلى الحسين بن علي أيضا بكذبه، وكان باطنيّ الاعتقاد، وهو الذي بنى المهديّة [1] .
والباطنية فرقة من المبتدعة، قالوا لظواهر القرآن بواطن مرادة غير ما عرف من معانيها اللغوية.
وفيها الحافظ أبو عبد الرّحمن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل الذّهليّ الشيبانيّ، ببغداد، في جمادى الآخرة، وله سبع وسبعون سنة كأبيه، وكان إماما خبيرا بالحديث وعلله، مقدّما فيه، وكان من أروى الناس عن أبيه، وقد سمع من صغار شيوخ أبيه، وهو الذي رتب مسند والده. وروى عنه أبو القاسم البغوي، والمحاملي، وأبو بكر الخلّال، وغيرهم. وكان ثبتا، فهما، ثقة، ولد في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ومائتين.
يقال: إن والده حفّظه خمسة عشر ألف حديث عن ظهر قلب، ثم قال له: لم يقل النّبيّ، صلى الله عليه وسلم، شيئا من هذا، فقال: ولم أذهبت أيامي في حفظ الكذب؟ قال: لتعلم الصحيح، فمن الآن احفظ الصحيح.
وروى عبد الله عن أبيه أنه قال: قد روي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال:« [إنّما] نسمة المؤمن- إذا مات- طير تعلق [2] في شجر الجنّة حتّى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه» [3] .
[1] مدينة تقع الآن في شرق تونس على ساحل البحر الأبيض المتوسط، انظر خبرها في «معجم البلدان» (5/ 229- 232) ، و «أطلس التاريخ العربي» للأستاذ شوقي أبو خليل ص (44) .
[2]
في «مسند الإمام أحمد» وبقية المصادر: «يعلق» .
[3]
رواه أحمد في «المسند» (3/ 455 و 456 و 460) ، ورواه أيضا مالك في «الموطأ» (1/ 240)، والنسائي (4/ 108) في الجنائز: باب أرواح المؤمنين، وابن ماجة رقم (4271)
وذكر أبو يعلى في «المعتمد» قال: روى عبد الله عن أبيه، قال: أرواح الكفّار في النّار، وأرواح المؤمنين في الجنة، والأبدان في الدّنيا، يعذّب الله من يشاء، ويرحم من يشاء، ولا نقول: إنهم تفنيان، بل هما على علم الله عز وجل، باقيتان.
قال القاضي أبو يعلى: وظاهر هذا، أن الأرواح تنعم وتعذب على الانفراد، وكذلك الأبدان.
وقال عبد الله: كان في دهليزنا دكان، وكان إذا جاء إنسان يريد أبي أن يخلو معه أجلسه على الدكان، وإذا لم يرد أن يخلو معه أخذ بعضادتي الباب وكلّمه، فلما كان ذات يوم جاء إنسان، فقال لي: قل لأحمد، أبو إبراهيم السائح، فخرج إليه أبي فجلسا على الدكان، فقال لي أبي: سلّم عليه، فإنه من كبار المسلمين، أو من خيار المسلمين، فسلّمت عليه، فقال له أبي:
حدّثني يا أبا إبراهيم، فقال له: خرجت إلى الموضع الفلاني بقرب الدّير الفلاني، فأصابتني علّة منعتني من الحركة، فقلت في نفسي: لو كنت بقرب الدّير الفلاني لعلّ من فيه من الرّهبان يداووني، فإذا أنا بسبع عظيم يقصد نحوي، حتّى جاءني، فاحتملني على ظهره حملا رفيقا، حتّى ألقاني عند الدّير، فنظر الرّهبان إلى حالي مع السّبع، فأسلموا كلهم، وهم أربعمائة راهب.
ثم قال أبو إبراهيم لأبي: حدّثني يا أبا عبد الله، فقال له أبي: كنت قبل الحجّ بخمس ليال أو أربع ليال، فبينا أنا نائم، إذ رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال لي:«يا أحمد حجّ» ، فانتبهت، ثم أخذني النوم، فإذا أنا بالنّبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال لي:
«يا أحمد حجّ» ، فانتبهت، وكان من شأني إذا أردت سفرا جعلت في مزودي [1] فتيتا، ففعلت ذلك، فلما أصبحت قصدت نحو الكوفة، فلما انقضى بعض النهار
في الزهد: باب ذكر القبر والبلى، من حديث كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه، وهو حديث صحيح، والنسمة: الرّوح والنّفس، وتعلق: تأكل.
[1]
في المطبوع: «مزودلي» .
إذا أنا بالكوفة، فدخلت مسجد الجامع، فإذا أنا بشاب حسن الوجه، طيب الرّيح، فقلت: سلام عليكم، ثم كبّرت أصلّي، فلما فرغت من صلاتي قلت له: رحمك الله، هل بقي أحد يخرج إلى الحج؟ فقال لي: انتظر حتّى يجيء أخ من إخواننا، فإذا أنا برجل في مثل حالي، فلم نزل نسير، فقال الذي معي: رحمك الله، إن رأيت أن ترفق بنا، فقال له الشاب: إن كان معنا أحمد بن حنبل فسوف يرفق بنا، فوقع في نفسي أنه الخضر، فقلت للذي معي: هل لك في الطعام؟ فقال لي: كل مما تعرف وآكل مما أعرف، ولما أصبنا من الطعام غاب الشاب من بين أيدينا، ثم رجع بعد فراغنا، فلما كان بعد ثلاث إذا نحن بمكة.
ومات عبد الله يوم الأحد ودفن في آخر النهار لتسع بقين من جمادى الآخرة.
وفيها على ما ذكره ابن ناصر الدّين، وهذا لفظ «بديعته» :
بعد الإمام ابن الإمام المفضل
…
ذاك الرّضى بن أحمد بن حنبل
وأحمد الأبّار وابن النّضر
…
ذا أحمد قرطمة كالبحر
محمّد البوشنجي خذه الخامسا
…
وعدّ بالآذان ذاك السّادسا
فأما الأبّار، فهو أحمد بن عليّ بن مسلم النّخشبيّ البغداديّ محدّث بغداد، وكان ثقة، فاضلا، جامعا، محصّلا، كاملا.
وأما ابن النّضر، فهو أحمد بن النّضر بن عبد الوهاب، أبو الفضل، النيسابوريّ. حدّث عنه البخاريّ، وهو أكبر منه، وكان البخاري ينزل عليه وعلى أخيه محمد بنيسابور، وتحديثه عنهما في «صحيحه» مشهور.
وأما قرطمة، فهو محمد بن علي البغدادي [1] ، أبو عبد الله، وكان
[1] مترجم في «سير أعلام النبلاء» (14/ 82- 83) .
أحد الأئمة الرحّالين، والحفّاظ المجوّدين المعدلين، وهذا غير قرطمة ورّاق سفيان بن وكيع، فإن ذاك من المجروحين.
وأما البوشنجيّ، فهو محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرّحمن بن موسى العبديّ، أبو عبد الله، الفقيه المالكي، كان رأسا في علم اللسان، حافظا، علّامة من أئمة هذا الشأن.
قال في «العبر» [1] : البوشنجي الإمام الحبر، أبو عبد الله، شيخ أهل الحديث بخراسان. رحل وطوّف، وروى عن أحمد بن يونس، ومسدّد، والكبار، وكان من أوعية العلم. قد روى عنه البخاريّ حديثا في «صحيحه» عن النّفيلي، وآخر من روى عنه إسماعيل بن نجيد. انتهى.
وأما أبو الآذان، فهو عمر بن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك الخوارزميّ، ثم البغداديّ [2] ، نزيل سامرّاء، وكنيته أيضا أبو بكر، كان من الثقات الأخيار.
وقال ابن ناصر الدّين في «بديعته» أيضا:
وقبل تسعين قضى القويم
…
العنبري الطّوسيّ إبراهيم
قال في «شرحها» : هو إبراهيم بن إسماعيل الطوسيّ، أبو إسحاق وكان حافظا علّامة، له رحلة إلى عدّة أقطار، وصنّف «المسند» فأتقنه وأحكمه، وكان محدّث أهل عصره بطوس، وزاهدهم بعد شيخه محمد بن أسلم.
انتهى.
وفيها، أي سنة تسعين، محمد بن زكريا الغلابيّ [3] الأخباريّ، أبو
[1](2/ 96) .
[2]
مترجم في «طبقات الحفّاظ» للسيوطي ص (313- 314) .
[3]
انظر «الأنساب» (9/ 193) .
جعفر، بالبصرة. روى عن عبد الله بن رجاء الغداني وطبقته.
قال ابن حبّان: يعتبر بحديثه إذا روى عن الثقات.
وقال في «المغني» [1] : قال الدّارقطنيّ: يضع الحديث. انتهى.
وفيها محمد بن يحيى بن المنذر، أبو سليمان، القزّاز بصري معمّر، توفي في رجب، وقد قارب المائة، أو كمّلها. روى عن سعيد بن عامر الضّبعيّ، وأبي عاصم، والكبار.
[1](2/ 581) .