الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة إحدى وستّين ومائتين
فيها كانت الفتن تغلي وتستعر بخراسان، بيعقوب بن اللّيث، وبالأهواز بقائد الزّنج، وتمّت لهما حروب وملاحم.
وفيها توفي أحمد بن سليمان الرّهاوي [أبو الحسين][1] الحافظ، أحد الأئمة، طوّف وسمع زيد بن الحباب وأقرانه، وهو ثقة ثبت.
وفيها أحمد بن عبد الله بن صالح، أبو الحسن، العجليّ الكوفيّ، نزيل طرابلس المغرب، وصاحب «التاريخ» و «الجرح والتعديل» وله ثمانون سنة، نزح إلى المغرب أيام محنة القرآن وسكنها، روى عن حسين الجعفي، وشبابة وطبقتهما.
قال ابن ناصر الدّين: كان إماما، حافظا، قدوة، من المتقنين، وكان يعدّ كأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وكتابه في الجرح والتعديل، يدلّ على سعة حفظه وقوة باعه الطويل. انتهى.
وفيها أبو بكر الأثرم، أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، الحافظ الثبت الثقة، أحد الأئمة المشاهير. روى عن أبي نعيم، وعفّان، وصنّف التصانيف، وكان من أذكياء الأمّة.
[1] زيادة من «العبر» للذهبي.
قال ابن أبي يعلى في «طبقاته» [1] : أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، ويقال: الكلبي الأثرم الإسكافي، أبو بكر، جليل القدر، حافظ، إمام، سمع حرميّ بن حفص، وعفّان بن مسلم، وأبا بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن مسلمة القعنبي [2]، وإمامنا في آخرين. نقل عن إمامنا مسائل كثيرة وصنّفها ورتبها أبوابا. وروى عن الإمام قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن المسح على العمامة، قيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم. قال: أبو عبد الله ثبت من خمسة وجوه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقال: كنت أحفظ الفقه والاختلاف، فلما صحبت أحمد بن حنبل تركت ذلك كله.
وكان معه تيقّظ عجيب حتّى نسبه يحيى بن معين، ويحيى بن أيوب المقابري، فقالا: أحد أبوي الأثرم جني.
وقال أبو القاسم بن الجيلي: قدم رجل فقال: أريد رجلا يكتب لي من كتاب الصلاة ما ليس في كتب ابن أبي شيبة. قال: فقلنا له: ليس لك إلّا أبو بكر الأثرم. قال: فوجّهوا إليه ورقا، فكتب ستمائة ورقة من كتاب الصلاة.
قال: فنظرنا فإذا ليس في كتاب ابن أبي شيبة منه شيء.
وقال الحسن بن علي بن عمر الفقيه: قدم شيخان من خراسان للحج فحدّثا، فلما خرجا طلب قوم من أصحاب الحديث تحديثهما، قال: فخرجا- يعني إلى الصحراء- فقعد هذا الشيخ ناحية معه خلق من أصحاب الحديث، والمستملي، وقعد الآخر ناحية، وقعد الأثرم بينهما، فكتب ما أملى هذا وما أملى هذا.
وقال الأثرم: كنت عند خلف البزّار يوم جمعة، فلما قمنا من المجلس
[1](1/ 66- 73) وقد نقل المؤلف عنه باختصار وتصرف.
[2]
تحرّفت في الأصل إلى «القعبني» وأثبت ما في المطبوع وهو الصواب.
صرت إلى قرب الفرات فأردت أن أغتسل للجمعة، فغرقت فلم أجد شيئا أتقرب به إلى الله عز وجل أكثر عندي من أن قلت: اللهمّ إن نجّيتني لأتوبنّ من صحبة حارث، يعني المحاسبي.
قال الأثرم: كان حارث في عرس لقوم، فجاء يطّلع على النساء من فوق الدرابزين، ثم ذهب يخرجه- يعني رأسه- فلم يستطع، فقيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: أردت أن أعتبر بالحور العين. انتهى ملخصا.
وفيها حاشد بن إسماعيل بن عيسى البخاريّ الحافظ بالشّاش [1] من إقليم التّرك. روى عن عبيد الله بن موسى، ومكّي بن إبراهيم، وكان ثبتا إماما.
والحسن بن سليمان أبو علي البصريّ المعروف بقبيطة. كان حافظا، ثقة، إماما نبيلا [2] .
والحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب، الأمويّ، قاضي المعتمد وكان أحد الأجواد الممدّحين.
وفيها شعيب بن أيوب، أبو بكر الصّريفيني [3] ، مقرئ واسط وعالمها، قرأ على يحيى بن آدم، وسمع من يحيى القطّان وطائفة، وكان ثقة.
وأبو شعيب السّوسيّ، صالح بن زياد، مقرئ أهل الرّقّة وعالمهم، قرأ على يحيى اليزيدي، وروى عن عبد الله بن نمير وطائفة، وتصدّر للإقراء، وحمل عنه طوائف [4] .
قال أبو حاتم: صدوق.
[1] تقع الآن في الجنوب الغربي من الاتحاد السوفييتي وتعرف بطشقند، وقد أنجبت فيما مضى عددا كبيرا من العلماء. انظر خبرها في «معجم البلدان» لياقوت (3/ 308- 309) ، و «الأمصار ذوات الآثار» ص (94) بتحقيقي، و «الروض المعطار» للحميري ص (335) .
[2]
انظر ترجمته ومصادرها في «طبقات الحفّاظ» للسيوطي ص (253) .
[3]
في الأصل، والمطبوع:«الصيرفي» وهو خطأ، والتصحيح من «العبر» للذهبي (2/ 28) ، وانظر «اللباب» لابن الأثير (2/ 240) .
[4]
في «العبر» : «وحمل عنه طائفة» .
وأبو يزيد البسطاميّ العارف الزّاهد المشهور، واسمه طيفور بن عيسى، وكان يقول: إذا نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات حتّى يرتفع في الهواء فلا تغترّوا به، حتّى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الشريعة.
قال أبو عبد الرحمن السّلميّ في «طبقاته» [1] : طيفور بن عيسى بن سروسان [2] البسطامي وسروسان [2] كان مجوسيا فأسلم وكانوا ثلاثة إخوة: آدم أكبرهم، وطيفور أوسطهم، وعليّ أصغرهم، وكلّهم كانوا زهّادا عبّادا.
ومات عن ثلاث وسبعين سنة، وهو من قدماء مشايخ القوم، له كلام حسن في المعاملات، ويحكى عنه في الشطح أشياء منها ما لا يصحّ ويكون مقولا عليه.
قال أبو يزيد: من لم ينظر إلى شاهدي بعين الاضطرار، وإلى أوقاتي بعين الاغترار، وإلى أحوالي بعين الاستدراج، وإلى كلامي بعين الافتراء، وإلى عبراتي بعين الاجتراء، وإلى نفسي بعين الازدراء، فقد أخطأ النظر في.
ذكرت لأبي عثمان المغربي هذه الحكاية، فقال: لم أسمع لأبي يزيد حكاية أحسن منها، وإنما تكلم عن عين الفناء، أي قوله: سبحاني.
وقال أبو يزيد: لو صفا لي تهليلة ما باليت بعدها بشيء.
وكتب يحيى بن معاذ لأبي يزيد: سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته.
فكتب إليه أبو يزيد في جوابه: سكرت وما شربت من الدّور وغيرك قد
[1] ص (67) .
[2]
كذا في الأصل، والمطبوع، و «اللباب» لابن الأثير (1/ 152) :«سروسان» ، وفي «طبقات الصوفية» و «المنتظم» لابن الجوزي (5/ 28) :«سروشان» ، وفي «سير أعلام النبلاء» للذهبي (13/ 86) :«شروسان» .
شرب بحور السماوات والأرض، وما روي بعد، ولسانه خارج من العطش، ويقول: هل من مزيد.
وقال الجنيد: كل الخلق يركضون فإذا بلغوا ميدان أبي يزيد هملجوا.
وكان أبو يزيد إذا ذكر الله يبوّل الدم.
وحكي عنه أنه قال: نوديت في سرّي فقيل لي: خزائننا مملوءة من الخدمة، فإن أردتنا فعليك بالذلّ والافتقار.
وحكى عنه صاحبه أبو بكر الأصبهاني، أنه أذّن مرّة فغشي عليه، فلما أفاق قال: العجب ممّن لا يموت إذا أذّن. انتهى ملخصا.
وفيها الإمام مسلم بن الحجّاج بن مسلم بن ورد بن كوشاذ [1] القشيريّ النيسابوريّ، صاحب «الصحيح» أحد الأئمة الحفّاظ وأعلام المحدّثين. رحل إلى الحجاز، والعراق، والشام، وسمع يحيى بن يحيى النيسابوري، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن مسلمة، وغيرهم، وقدم بغداد غير مرّة، فروى عنه أهلها، وآخر قدومه إليها في سنة تسع وخمسين ومائتين، وروى عنه الترمذيّ، وكان من الثقات المأمونين.
قال محمد الماسرجسي: سمعت مسلم بن الحجّاج يقول: صنّفت هذا «المسند الصحيح» من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة.
وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء أصحّ من كتاب مسلم في علم الحديث.
وقال الخطيب البغدادي: كان مسلم يناضل عن البخاري حتّى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحيى الذّهلي بسببه.
[1] في المطبوع: «كرشان» . وانظر «وفيات الأعيان» لابن خلكان (5/ 194) ، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (12/ 558) .
وقال أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ: لما استوطن البخاري نيسابور أكثر مسلم من الاختلاف إليه، فلما وقع بين محمد بن يحيى والبخاري ما وقع في مسألة اللفظ، فنادى عليه، ومنع الناس من الاختلاف إليه، حتّى هجر وخرج من نيسابور في تلك المحنة، وقطعه أكثر النّاس غير مسلم، فإنه لم يتخلّف عن زيارته، فانتهى [1] إلى محمد بن يحيى أن مسلم بن الحجّاج على مذهبه قديما وحديثا، وأنه عوقب على ذلك بالحجاز، والعراق، ولم يرجع عنه، فلما كان يوم مجلس محمد بن يحيى قال في آخر مجلسه: ألا من قال باللفظ فلا يحلّ له أن يحضر مجلسنا، فأخذ مسلم الرداء فوق عمامته، وقام على رؤوس النّاس وخرج عن مجلسه، وجمع كل ما كتب منه وبعث به على ظهر حمّال إلى باب محمد بن يحيى، فاستحكمت بذلك الوحشة وتخلّف عنه وعن زياراته.
ومحمد هذا هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذّهلي النيسابوري، كان أحد الحفّاظ الأعيان. روى عنه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وكان ثقة مأمونا، وكان سبب الوحشة بينه وبين البخاري، أنه لما دخل البخاريّ مدينة نيسابور شنّع [2] عليه محمد بن يحيى في مسألة خلق اللفظ، وكان قد سمع منه، فلم يمكنه ترك الرواية عنه، وروى عنه في الصوم، والطب، والجنائز، والعتق، وغير ذلك، مقدار ثلاثين موضعا، ولم يصرّح باسمه، لا يقول [3] : حدّثنا محمد بن يحيى الذّهلي، بل يقول: حدّثنا محمد، ولا يزيد عليه أو يقول [4] : محمد بن عبد الله [فينسبه إلى
[1] في المطبوع، و «وفيات الأعيان» :«فأنهي» .
[2]
تحرّفت في «وفيات الأعيان» إلى «شعث» فتصحح فيه.
[3]
في «وفيات الأعيان» : «فيقول» .
[4]
في «وفيات الأعيان» : «ويقول» .
جدّه] [1] وينسبه [أيضا] لجدّ أبيه. انتهى من ابن خلّكان [2] ملخصا.
قلت: وقد مرّت ترجمة محمد المذكور، والله أعلم [3] .
وقال في «العبر» [4] : مسلم بن الحجّاج، أبو الحسين القشيريّ النيسابوريّ الحافظ، أحد أركان الحديث، وصاحب «الصحيح» وغير ذلك، في رجب، وله ستّون سنة، وكان صاحب تجارة بخان بحمس بنيسابور [5] وله أملاك وثروة، وقد حجّ سنة عشرين ومائتين، فلقي القعنبيّ وطبقته.
[1] ما بين حاصرتين لم يرد في الأصل والمطبوع، وأثبته من «وفيات الأعيان» .
[2]
في «وفيات الأعيان» (5/ 194- 196) .
[3]
قلت: أجل مرت ترجمته انظر ص (259- 260) من هذا المجلد.
[4]
(2/ 29) .
[5]
في «العبر» : «وكان صاحب تجارة، وكان محسن نيسابور» .